التخطي إلى المحتوى

يطوي عهد رئيس الجمهورية ميشال عون صفحاته الأخيرة، وأيام قليلة تفصل عون عن ترك قصر بعبدا والعودة إلى الرابية، إذا التزم الدستور ولم يتمرّد عليه.

 

ومع نهاية العهد، ثمّة سؤال مطروح عن مستقبل “العونية السياسية” والتيار “الوطني الحر” ما بعد 31 تشرين الأول؛ بعدما استفاد “التيار” من الفترة الرئاسيّة وصلاحيات الموقع، ومارس سياساته على كافة الصعد حتى أمسك بمفاصل أساسيّة في الدولة.

 

وفيما بات من المستبعد أن يستمرّ “التيار” في رئاسة الجمهورية نظراً لانعدام حظوظ النائب جبران باسيل الرئاسية، فإن تبعات فقدانه الموقع الأول في الدولة ستكون وخيمة عليه سياسيّاً وشعبيّاً. 

 

 طوال السنوات الستّ في القصر، استطاع الرئيس عون أن يفرض سياسات معيّنة مستغلّاً مبدأ “صلاحيات رئيس الجمهورية”، التي كانت بمثابة “سيف ذي حدّين”، إذ من جهة تمسّك رئيس الجمهورية بصلاحياته الممنوحة له في الدستور، ومن جهة أخرى، شكّلت قراءته الملتوية لهذه الصلاحيات في عدّة محطات تعدّياً على الدستور ونصّه وروحه، وقفزاً فوق صلاحيات الآخرين، ممّا جعل البلد مشلولاً، مثلما يجري حالياً في مسألة تشكيل الحكومة.

 

لم تتشكّل أيّ حكومة في فترة العهد، لم يرضَ عن مواصفاتها عون ومن خَلفِه باسيل، فاستطاع حصد أكبر عدد من الوزراء، وحاز الثلث المعطّل، بعد ابتداع ما سُمّي بـ”حصّة الرئيس”، وحجز حقائب أساسيّة لتيّاره، فأمسك من خلالها بمفاصل البلاد.

 

ومع خروج “التيار” قريباً من قصر بعبدا، واستناداً إلى التجارب التاريخية في لبنان، سيفتقد إلى هذه الامتيازات التي حقّقها، فكيف ستكون الصورة بعد انتهاء عهد عون؟ هل سيتراجع سياسياً وشعبياً، أم فعلاً كما يدعون سيتحرّر من موقع السلطة الأول، وينضمّ إلى المعارضة، فيُمارس سياسةً جديدةً؟

 

هي ليست التجربة الأولى التي يختبرها عون شخصياً وأنصاره في هذا السياق. ففي العام 1989، خرج عون من بعبدا إلى المنفى، لكنّه استثمر الحملة السياسيّة التي خيضت ضده ليعود في العام 2005 أقوى من ذي قبل، حتى تبوّأ رئاسة الجمهورية في العام 2016. لكن بين الأمس واليوم ثمة تبدّلات كثيرة طرأت على ميزان القوى وعلى المشهد السياسي، وعلى التعاطف الشعبي الذي سبق له أن حصده، وتثبت الاستحقاقات السياسية أنّه يخسره اليوم بسبب الأحوال التي آلت إليها أوضاع اللبنانيين في عهده، فهل يتكرّر السيناريو؟

 

أحد قدامى التيار، الذين عملوا في الصفوف الأمامية لفترة طويلة، ثمّ انكفأ لأسباب سياسيّة، يشير إلى أن “حضور “التيار الوطني الحر” سيتراجع لا محالَ سياسياً وشعبياً، وهو بدأ هذا المسار الانحداريّ أساساً، ونتائج الانتخابات خير دليل”.

 

التيار يفتقد لعناصر الاستمرارية الأربعة

في حديث لـ”النهار”، يعتبر أن “التيار يفتقد اليوم للمشروع السياسيّ الذي يقوم عليه أيّ حزب، وليس من الكافي الاعتماد على التاريخ لتأمين الاستمرارية، بل إن المشروع يحتاج إلى أربعة مقوّمات يفتقدها التيار، وهي:

 

– الفكرة أو القضية، وهي الأساس للمبدأ السياسي. والتيار لا يمتلك أيّ مبدأ لأنه بات يفتقد إلى القضية، باستثناء الوصول إلى السلطة. أما القضية التي رفعها عون حينما كان في المنفى، فقد اندثرت مع تبدّل السياسات وتلوّنها بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية وجمع الأموال.

 

– آلية اتخاذ القرار: القاصي والداني يعلم أن القرار الأول والأخير يعود إلى باسيل، الذي فرض صمتاً على الجميع، فتفرّد بالقرار، وهذا يُعدّ ديكتاتورية، تلغي مبدأ التعدّدية، وطرح الأفكار لاختيار الأفضل منها. لكن باسيل في الوقت عينه لا يتحمّل بنفسه مسؤوليّة قراراته غير الناجحة.

 

– التعاطي مع محيط التنظيم: وهذا مرتبط بآليّة اتخاذ القرار. وفي ظلّ هيمنة باسيل، فالمبدأ المذكور يلغي كلّ وجود ومساهمة لكلّ مَن في التيار.

 

– الهيكليّة: وهنا جدير بالذكر وجود عشرات اللجان في التيار، ولكنها لا تتمكّن من اتّخاذ قرار واحد بسبب هيمنة باسيل. إضافة إلى ذلك، فالمعدّل العمريّ في التيار مرتفع، ويُسجّل 55 عاماً، ممّا يعني أنّه يفتقد إلى جيل الشباب، ضامن الاستمرارية”.

 

وفي السياق نفسه، يُشدّد المصدر على أن “البناء على أمجاد الماضي من دون العمل على مشروع سياسيّ جديد، وحصر العمل بالوصول إلى السلطة وجمع الأموال، أمر لا يكفي وغير صحيّ، خصوصاً أننا نرى اليوم أنّ المؤسّسات باتت شبه منتهية، والأموال تبخّرت، وبالتالي، ماذا بقي من الخطّة؟” 

 

تيّاران في التيار… والفشل مكتوب لباسيل

في إطار متّصل، من المعلوم معاناة “التيار الوطني الحر” من انقسام داخليّ حادّ، إذ ثمّة تيّاران: التيار العوني والتيار الباسيليّ، ويدور صراع خفيّ بين ما يُسمّى قدامى التيار، وهم الرعيل القديم الذي رافق عون في فترة الحرب وما بعد عودته من المنفى، وجماعة باسيل الذين يحظون بمعاملة خاصّة، وصلت إلى حدود بعيدة جدّاً، تمثّلت بأفضليتهم على منافسيهم في التيار للترشّح إلى الانتخابات النيابية الأخيرة.

 

هنا، يقول المصدر إن “الباسيلية السياسية غير موجودة أساساً، ولا مبدأ لها أو فكرة، بل شعارات وأفعال ناقصة تناقض العناوين”. 

 

وفي الوقت نفسه، لا نعرف ما إذا كان باسيل سيعيد النظر في السلوك والسياسات؛ وكيف سيحدّد موقعه في المرحلة المقبلة؛ بمعنى أن يكون ضمن المعارضة أو الموالاة، فهذا يعتمد بالدرجة الأولى على من سيكون رئيساً في قصر بعبدا. ولكن، بغض النظر عن كل ذلك، يبقى الأساس ناقصاً في ظل غياب الهيكل المتماسك الذي يقوم على العناصر الأربعة المذكورة سلفاً”.

 

هل يتّجه نحو المعارضة؟

مصدر نيابي في “التيار الوطني الحر”، فضّل عدم ذكر اسمه، يُشير إلى أن “موقع التيار بعد انتهاء العهد في السياسة غير واضح بعد، وقد يكون في صلب المعارضة في حال اختار عدم المشاركة في الحكومة، أو في السلطة؛ وذلك يعتمد على شخصيَّتَي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف”.

 

هل ينكفئ عون أم يستمرّ في العمل السياسي؟

في اتصال مع “النهار”، يقول المصدر النيابي إن “التيار سيتحرّر بعد انتهاء العهد، وسيعود إلى موقعه، إذ لن يكون مُجبراً على دعم رئيس الجمهورية، وسيبقى باسيل رئيسه الفعلي، فيما سيواصل الرئيس عون عمله السياسيّ كرئيس فخري، ولن يترك الميدان، تماماً كما حصل في تجربة العام 1989”.

 

ورداً على تأثير فقدان الصلاحيات على موقع التيار ونفوذه، ينفي استفادة الأخير من صلاحيات رئيس الجمهورية في فترة ولاية عون، ويلفت إلى أن “التيار الوطني الحر” كان خارج الحكومات، لكن رئيس الجمهورية سمّى الوزراء المسيحيين حفاظاً على مشاركة الموقع في عملية تأليف الحكومة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *