التخطي إلى المحتوى



نشر فى :
الجمعة 14 أكتوبر 2022 – 7:20 م
| آخر تحديث :
الجمعة 14 أكتوبر 2022 – 7:20 م

روعنى ذلك الحدث الذى تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى فى استفاضة مؤلمة هذا الأسبوع: حادث مقتل الطفلة بسملة على يد مدرسها إثر ضربة غاشمة بالعصا تلقتها على رأسها بين زملائها فى الفصل فى مدرستهم الابتدائية بإحدى قرى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية.
أخطأت بسملة فى تهجى بعض الحروف فعاجلها المدرس بضربة من عصا متحفزة فى يده أودع فيها بمنتهى القوة كل مرارة إحباطاته وعجزه وغضبه على الدنيا وكراهيته للمصير الذى آل إليه.. فجاءت ضربة قاتلة لم تمهل المسكينة ساعات حتى لقت ربها ولم تفلح أى محاولات لإسعافها.
هل يمكن لأحد أن يستنكر تعاطفا مع هذا الإنسان الذى فى لحظة فارقة من حياته كان القاتل المقتول؟ خرج أهالى السنبلاوين يشيعون الصغيرة التى غادرت منزل أسرتها ذات صباح إلى مدرستها فلقيت مصرعها على يد معلمها الذى كاد يكون رسولا! وبقيت أنا أطالع الصور التى أدمت قلبى عن تفاصيل الواقعة التى ألقت ظلا قاتما كثيفا على احتفالات العالم بيوم الصحة النفسية فى العاشر من أكتوبر لهذا العام.
هل هناك إنسان عاقل يمكنه أن يتصور أن المعلم الذى حطم جمجمة تلميذته الصغيرة؛ لأنها أخطأت التهجى إنسان سليم نفسيا وعقليا؟ هو والله إنسان بائس مبتلى بمرض النفس والروح على خلاف عميق مع نفسه أورثه التنافر معها إلى حد الانفصام. لا خلاف على أنه رجل قد ضاق عليه جلده وتآمرت عليه حواسه وسرى فى روحه شرخ عميق أحالها أنقاضا. أما البريئة الصغيرة فلها ولأسرتها وزملائها الله وحده القادر على شفاء الجروح العميقة ومداواة الآثار المؤلمة فى نفوسهم.
ارتباط صحة النفس بصحة الجسد أمر أصبح حقيقة واقعة فى ذهن الجميع لكنها حقيقة مازالت بحاجة للتأصيل لها فى واقع الحياة اليومية. حقيقة تستحق أن يبذل الإنسان جهدا واضحا واقعيا للحصول على حق منها كاملا. للدولة أيضا دور يجب أن ترصد له الجهود وتصاغ من أجله القوانين التى تحقق للمواطن أملا فى شرعية حصوله على ما يدعم صحته النفسية إلى جانب صحته الجسدية.
تحت شعار «جعل الصحة النفسية أولوية للجميع» احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمى للصحة النفسية والتى تظل أحد جوانب الرعاية الصحية الأكثر تعرضا للاهمال وفقا لتصنيف الصحة العالمية، خاصة بعد التعرض لتداعيات جائحة كورونا التى طالت شعوب العالم بلا استثناء، والتى أدت إلى حدوث ضغوط قصيرة وطويلة الأجل لتقويض الصحة النفسية والعقلية لملايين البشر. تشير التقديرات إلى ارتفاع عدد حالات القلق والاكتئاب على حد سواء لأكثر من ٢٥٪ خلال العام الأول للوباء.
الصحة النفسية دون شك يجب أن توليها الدولة الأهمية التى تستحقها فى قانون التأمين الصحى الشامل الذى تجرى صياغة صورته النهائية الآن.
الحديث عن الصحة النفسية يجب ألا يبدأ وينتهى بحادث يهز وجدان الأمة، كذلك الذى واكب الاحتفاء بيوم الصحة النفسية هذا العام وبدا كجبل الجليد الذى لا تظهر منه إلا قمته بينما تعيقه غاطس فى عمق المحيط.
من الواجب أن تتدبر الدولة ميزانية عادلة لتعزيز قدرة مؤسسات الخدمات الصحية النفسية خاصة تلك التى يهتم بالشباب كمؤسسات علاج الإدمان وعيادات الصحة النفسية فى المستشفيات.
على الدولة أيضا أن تعزز الجهود التى تشجع الجميع الحديث بصوت عال عن المشكلات التى تسبب الضغوط النفسية المختلفة التى تنجم عنها أعراض نفسية تهدد سلامة الإنسان فى مجتمعات بعينها كمجتمعات العمل أو الأسرة وما قد يتعرض فيها الإنسان لتمايز أو عنف أو اضطهاد.
انشغل المجتمع المصرى على وسائل التواصل الاجتماعى بقضية العنف الأسرى التى انتشرت تحت اسم «عروس الإسماعيلية» أعدها البعض «تفاهة مجتمعية» لكنى رأيتها ظاهرة مهمة رغم بعض المبالغات فى العرض لأنها سلطت الضوء على مشكلة اجتماعية حقيقية تستحق الاهتمام وتحتاج الدراسة وتستوجب تدخل هيئات تحت مسميات مختلفة فى الدولة تدخلا فاعلا لا يتوقف بالطبع على تهدئة الخواطر والإقبال على طعام «حلة الاتفاق» كما تنافست وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى فى سرد التفاصيل.
تغمد الله روح الصغيرة البريئة بسملة وأفسح لها لديه مكانا آمنا تعيش فيه أيام طفولتها التى حرمها منها على الأرض مريض النفس.
نحن بالفعل فى حاحة ملزمة لمراجعة قوانين الصحة النفسية فى بلادنا وتفعيل الجهود لدعم خدماتها.
الصحة النفسية ليست رفاهية.. إنما ضرورة لا تقل أهمية عن صحة الجسد.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *