التخطي إلى المحتوى

في انتظار نتيجة المشاورات الجارية بين الولايات المتحدة وحكومة العدو، يمضي مسار اتفاق الترسيم البحري بهدوء من جهة لبنان الذي أرسل غروب أمس رده الرسمي مع ملاحظاته على مسودة الاتفاق التي أرسلها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين. وقد سلّم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، مكلفاً من الرئيس ميشال عون، الرد إلى السفارة الأميركية التي نقلته على وجه السرعة إلى الوسيط الأميركي. وقد أرسل الأخير نسخة عن الرد إلى الجانب الإسرائيلي.

وبحسب مصادر معنية تحدثت الى صحيفة “الاخبار”، فإن الملاحظات اللبنانية تركز على عدم الإقرار بأي حدود رسمية وعدم ربط الاتفاق بالبر، بالتالي ترك الأمور على حالها في المنطقة المقابلة لساحل الناقورة، واعتبار وضعها شبيهاً بوضع النقاط العالقة على الحدود البرية منذ رسم خط الانسحاب الأزرق عام 2000. وأكدت الورقة أنه لا اعتراف بما يسمى “خط الطفافات” الذي لا يعكس أي واقع علمي أو قانوني. وتم تثبيت أن ما يجري هو عبارة عن ترسيم لحدود المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين، ولا علاقة أو تأثير لهذا الاتفاق على كل ما يتصل بالنقاط البرية، لا من ناحية رأس الناقورة ولا لجهة نقطة B1.

أما في ما يتعلق بالجزء المتعلق بالعمل في حقل قانا، الذي أدرج هوكشتين اسمه في المسودة كـ”مكمن صيدا الجنوبي المحتمل”، فقد جرى الاتفاق على تسميته بحقل صيدا – قانا، وأكد لبنان أن اتفاقه مع شركة “توتال” منفصل عن أي علاقة بين الشركة الفرنسية وإسرائيل، وأن عمل “توتال” لا يحتاج إذناً من أحد، وأن لبنان ينتظر أن تباشر الشركة عملها سريعاً على أن يصار خلال فترة ستة أشهر إلى تحديد وجهة العمل وتقدير ما هو موجود في الحقل، بالتالي الذهاب نحو الحديث عن الكميات وخلافه.

ولفتت “الاخبار” الى انه يبقى أن هناك جانباً شكلياً لا يبدو أنه سيكون نقطة خلاف، وإن كان بقي كنقطة للمزايدات الشكلية، وهو المتعلق بالمرحلة الأخيرة من الاتفاق. إذ أظهرت الاتصالات أن الأميركيين لا يصرون على عقد اجتماع في الناقورة، لكن في لبنان من يريد ذلك، بالتالي سيتم الاتفاق قريباً على هوية ممثلي الجهات الأربع المعنية بالحضور إلى الناقورة، وهي لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة، مع ترجيح أن يمثل لبنان ضابط في الجيش اللبناني. ويتوقع أن يتم الأمر قبل الخامس عشر من الشهر الجاري كما ذكر أكثر من مصدر.

وفي السياق نفسه، قال مصدر لبناني رفيع إن الخشية من حصول تطورات سلبية في كيان العدو تبقى رهن الدور الأميركي في اليومين المقبلين، لأن الآلية تقضي بأن يتسلم هوكشتين الرد اللبناني قبل مساء اليوم لتكون الحكومة الإسرائيلية في جو المطالب اللبنانية، وبما يسمح للمجلس الوزاري المصغر الذي دُعي إلى اجتماع غداً بأن يتخذ القرار ويبلغه إلى الجانب الأميركي. وفي حال حصل تجاوب فإن الأميركيين سيعمدون إلى صياغة مشروع اتفاق موحد يتم التوقيع عليه من الجانبين الإسرائيلي واللبناني مع التأكيد على أنه تفاهم لا يرقى إلى مستوى الاتفاقات أو المعاهدات الدولية.

وأوضح المصدر اللبناني أنه في حال قررت حكومة لابيد رفض المقترحات اللبنانية، فهي تعلن صراحة أنها تفتح الباب أمام موجة من التصعيد الذي لا يمكن ضبطه أو الحؤول دون تحوّله إلى انفجار عسكري وأمني على جانبي الحدود.

لبنان سلم الرد

وفي السياق، ذكرت “الجمهورية” بان الاهتمامات انصبّت امس على مشروع الاتفاق على ​ترسيم الحدود​ البحرية الجنوبية وإنجاز الرد اللبناني عليه تمهيداً لرفعه الى الوسيط الاميركي والامم المتحدة، الذي تسلّمته السفارة الأميركية ليل أمس تمهيداً لرفعه الى الوسيط الأميركي والأمم المتحدة.

وقال مرجع رسمي لـ”الجمهورية” انه يجب التعاطي مع هذا المشروع على قاعدة “ما تقول فول ليصير بالمكيول”، لافتاً الى ان المواقف الصادرة عن بعض مسؤولي الكيان ال​اسرائيل​ي تدفع نحو التمسّك بالحذر الى ان يتم رسمياً إيداع ورقتي الاتفاق المنفصلتين لدى الامم المتحدة.

واكد “انّ لبنان جاهز للاتفاق ولكنه جاهز كذلك لعدم الاتفاق اذا قرر الطرف الاسرائيلي ان يعود إلى التشاطر”. في حين قَلّل مرجع آخر من اهمية ما يعلن في اسرائيل من مواقف معارضة لهذا الاتفاق، واكد أن “أحداً لا يمكنه ان يعاكس الارادة الاميركية والقرار الاميركي بإنجازه”.

أيام قليلة تفصل عن ايداع التواقيع المنفردة لاتفاقية الترسيم والتي ستوضع آليتها فور تسلّم الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين الاجوبة الرسمية من الجانبين اللبناني والاسرائيلي. وقد اكد مصدر رسمي رفيع لـ”الجمهورية” ان “لبنان لم يتنازل عن كوب مياه بعكس ما يُشاع من بعض الاصوات”.

وقال: “منذ ١٢ عاما ونحن نطالب بحقوقنا وفق خريطة ترسيم أودعناها مجلس الامن الدولي في شكل رسمي وقد حصلنا على هذه الورقة بلا زيادة ولا نقصان، وهذه الورقة اعدّتها اللجنة الفنية في الجيش اللبناني في ذاك الوقت وتحوّلت الى المرسوم الذي حمل الرقم ٦٤٣٣ فلماذا كل هذه المزايدات؟”، وسأل المصدر مضيفاً: “هل كان المطلوب ان تبقى الامور مقفلة ومعقدة؟ ام كان يجب حلها؟ الحل يأتي عبر التفاوض وهذا مفهوم عام ودولي، ونتيجة التفاوض تسوية. هكذا هو مسار الملفات والامور المتنازع عليها في كل انحاء العالم”.

وحول تمسك البعض بالخط ٢٩ قال المصدر: “الترسيم مدارس وهذه عملية معقدة فجزيرة “تخليت” الصغيرة تُقاس من جهة العدو بشكل مختلف عن قياسها من جهتنا وفق الاحداثيات، وهناك فارق بين ان تكون مأهولة او نصف مأهولة او غير مأهولة. كما ان تأثيرها على المنطقة الاقتصادية الخالصة محدّد منذ العام ٢٠١٢ وهذا هو التباين في قواعد الترسيم واحتسابه حالياً”.

وخلص المصدر الى التأكيد “ان كل هذه التفاصيل اصبحت وراءنا والمهم ان الوسيط الاميركي اعطانا ما نريده وما طالبنا به منذ ١٢ عاما في المقترح الذي قدمه لنا هوكشتاين، والذي اصبح بالنسبة الينا بمثابة وثيقة رسمية اعطتنا الحق بالخط ٢٣”.

إستعجال أميركي

الى ذلك، تتبّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التطورات المتعلقة بالملاحظات التي أبداها لبنان في شأن العرض الذي قدمه الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في ضوء الاجتماع الذي عُقد أمس الاول في قصر بعبدا في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي واعضاء اللجنة الفنية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان عون تابع اللقاء الذي عقد بين نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب والسفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا التي طلبت موعدا عاجلا للقاء، للاطلاع على نتائج لقاء بعبدا الرئاسي والملاحظات النهائية التي وضعها الجانب اللبناني على المسودة التي أرسلها هوكشتاين الى لبنان.

الملاحظات اللبنانية

ولفتت المصادر الى ان الرد اللبناني بُني على مجموعة من الملاحظات منها ما هو أساسي لا يمس الجوهر ولكنه يؤكد مرة أخرى الثوابت اللبنانية من حيث رفض اي شراكة مالية مع العدو الاسرائيلي وعدم اعتبار ما حصل معاهدة مشتركة بين دولتين، فإسرائيل كانت وما زالت دولة عدوة وإلا ما معنى ان تكون المفاوضات معها بطريقة غير مباشرة بوساطة اميركية لتسهيل المهمة في ضيافة الأمم المتحدة.

ومن بين الملاحظات ايضا ما يضمن الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في المرحلة المقبلة في مواجهة اي طارئ. فلا يمكن لأي حكومة إسرائيلية جديدة مثلاً ان تتنصّل من هذا التفاهم وهو أمر ينتهي بمجرد تكريسه في الدوائر المتخصصة في الأمم المتحدة لتنال موافقتها ورعايتها النهائية بكل المقاييس التي تحدد دور الامم المتحدة مُضافة الى الرعاية والضمانة الاميركية الثابتة.

والى هذه الملاحظات اكدت التعديلات بنحو لا يحمل اي لبس عدم الربط بين الترسيم البري والبحري كما بالنسبة الى المنطقة الآمنة التي تجاهلها التفاهم الجديد وتركها الى مرحلة لاحقة، وهو ما تم التعبير عنه بالقول انّ التفاهم الاقتصادي تقدم على الأمني بالنظر الى ما هنالك من التباسات لا يمكن البت بها في الوقت القصير الذي يتحكّم باقتسام الثروة ورسم الحدود الفاصلة بين البلوكات اللبنانية والاسرائيلية.

ومن الملاحظات تنصّل لبنان من اي التزامات اخرى يمكن ان تطالب بها اسرائيل بعد استئناف شركة “توتال” عملها في البلوكات اللبنانية حيث لها حصرية العمل فيها. وهو أمر محكوم أيضا بضرورة احترام التزاماتها تجاه لبنان بالعمل الجدي في البلوكات النفطية فلا تتكرر التجارب السابقة، وهي من الضمانات التي نالها هوكشتاين من الشركة الفرنسية التي اشترطت ترسيماً نهائياً للحدود البحرية بموافقة الأطراف كافة لتعمل في أفضل الظروف الآمنة التي يجب ان تتوافر قبل ان تنفق مليارات الدولارات حيث تعمل قبل مرحلة جمع الارباح وتوزيعها بين حصة الدولة اللبنانية من جهة والشركات المشاركة في “الكونسورتيوم الثلاثي” بعد دخول الدولة طرفاً ثالثاً بدلاً من الشركة الروسية “نوفاتيك” التي سحبت شراكتها في نهاية آب الماضي لمصلحة الدولة اللبنانية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *