بدأ الحصار السياسي يشتد على رئيس الجمهورية ميشال عون، ولم يعد يقتصر على ما تبقى من قوى «14 آذار» سابقاً بعد دخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على خط المواجهة مع العهد، من دون أن ينسحب تكتل جميع هذه القوى على انتخاب رئيس جمهورية جديد، ليس لأنه من السابق لأوانه أن تتوحد في جبهة سياسية واحدة فحسب، وإنما لوجود تباين في مقاربتها للاستحقاق الرئاسي، بالرغم من أن الضبابية ما زالت سيدة الموقف، ولا يمكن أن تتوضح الرؤية في المدى المنظور.
وفي هذا السياق، كشف مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عون خصص اجتماعه الأخير بميقاتي لشن هجوم غير مسبوق على بري، وقال إن الرئيس المكلف، وإن كان يحتفظ لنفسه بالمداولات التي سادت اللقاء، فإنه في المقابل يتحفظ على البوح بطبيعتها وينأى عن سرد ما جرى فيه.
وأكد المصدر السياسي، أن الرئيس عون رفض البحث في تعويم الحكومة باستبدال وزيرين يسميهما هو شرط ألا يكونا من الأسماء النافرة، وقال إن الرئيس عون يصر على تشكيل حكومة من 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء دولة، برغم أنه يعرف أن هناك صعوبة في تسويق اقتراحه الذي يتيح لباسيل بأن تكون له اليد الطولى في هذه الحكومة إذا تعذر انتخاب الرئيس في موعده الدستوري.
ولفت إلى أن بري لم يكن في وارد الدخول في اشتباك سياسي مع الرئيس عون الذي كان وراء افتعاله مشكلة مجانية معه، ودعا للعودة إلى المحضر الخاص باللقاء الأخير بين الرئيس عون وميقاتي للوقوف على الحملة التي شنها رئيس الجمهورية على رئيس المجلس النيابي، خصوصاً أن باسيل يحتفظ بمحضر عن اللقاء بالصوت والصورة.
ورأى المصدر نفسه أن الرئيس عون أقحم نفسه في معركة مع بري على الرغم من أنه يعرف بأنه يقف وحيداً في مواجهة الحصار السياسي الذي فرضه على نفسه، وسيكون عاجزاً عن تقديمه إلى الرأي العام على أن الفريق المسلم في السلطة يحاصر الموقع الأول للموارنة، وصولاً لتوظيفه في الشارع المسيحي لعله يستعيد حضوره فيه وهو يستعد لمغادرة القصر الجمهوري.
واعتبر أن الرئيس عون بات يفتقد إلى أوراق القوة التي تسمح له بإعادة خلط الأوراق، نظراً لأن غالبية القوى المسيحية لا تشاطره الرأي، خصوصاً بعد الحملة التي شنها عليه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومن قبله حزب «الكتائب»، وعدد من النواب المسيحيين الذين يدورون في فلك المعارضة.
ولفت المصدر إلى أن المعارضة للرئيس عون لم تعد تقتصر على ما تبقى من قوى «14 آذار» سابقاً، وإنما تمددت باتجاه الرئيسين بري وميقاتي، فيما لن يجد حليفاً يصطف إلى جانبه للدفاع عنه.
فـ«حزب الله»، كما يقول المصدر نفسه، ليس في وارد الدفاع عن الرئيس عون وباسيل، اللذين أحرجاه في فتحهما النار على حليفه الاستراتيجي بري، وكانا أقفلا الباب في وجه الوساطة التي انبرى لها لتعبيد الطريق أمام تعويم الحكومة أو البحث عن صيغة أخرى غير تلك التي يتموضع خلفها عون.
مصادر معنية بالتأليف: “مَن نَصّب باسيل ولياً على الدستور؟”
قالت مصادر معنية بالتأليف الحكومي لـ«الجمهورية» ان «رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بما ذهب اليه من مواقف بَدا وكأنه نصّب نفسه مرجعية وصية على كل شيء تأمر في البلد وتنهي كما تريد، فيما هو لا صفة له سوى انه نائب في البرلمان ورئيس حزب سياسي هو «التيار الوطني الحر»، أللهم الا اذا كان يتصرف وكأنه رئيس الظل للبلاد في وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يصل به الامر يوماً الى مهاجمة اي فريق سياسي بهذه الحدّة التي طبعت مواقف باسيل».
وأكدت هذه المصادر «أن الدستور واضح في نصوصه لجهة تحديد الجهة التي تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال حصول الفراغ الرئاسي وهو ان الحكومة تتولى هذه الصلاحيات الى حين انتخاب رئيس جديد، ولم يحدد الدستور إن كانت حكومة تصريف اعمال او حكومة اصيلة، علماً ان ليس هناك أي شيء اسمه فراغ في انظمة الدول الديموقراطية وانما هناك حرص على استمرار العمل في المرفق العام اياً كانت وضعية المؤسسات التي تتولى هذه المسؤولية مستقيلة او غير مستقيلة».
وسألت هذه المصادر: «بأي حق يهدد باسيل بأنه سيعتبر حكومة تصريف الاعمال «مغتصبة للسلطة» في حال تولّت صلاحيات رئاسة الجمهورية، ومَن نَصّبه ولياً على الدستور حتى يفسره كما يشاء حتى يعتبر هذه الحكومة «فاقدة للشرعية وساقطة مجلسياً ودستورياً وشعبياً». واكدت «ان الرئيس المكلف جاد بكل قوة في العمل على تأليف الحكومة وبادرَ إثر انتهاء مشاوراته النيابية الى تقديم تشكيلة وزارية لرئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الحين فإن ما يمنع توافق الرئيس والرئيس المكلف على التشكيلة الحكومية العتيدة هي تدخلات باسيل في هذا الشأن الذي لا صلاحية له فيه، فهو فريق سياسي يكون له تمثيله في هذه الحكومة اذا شاء ولكنه لا يستطيع ان يفرض هذا التمثيل وفق شروطه على الرئيس المكلف الذي له ايضا صلاحية قبول هذا التمثيل من عدمه، وحتى انه لا يستطيع فرض هذا التمثيل على رئيس الجمهورية الذي يوقّع والرئيس المكلف مراسيم تأليف الحكومة».
كذلك سألت المصادر المعنية بالتأليف: «هل ان باسيل يهدد بانقلاب على الدستور عندما يقول: «من يظن انه سينتهي من ميشال عون بالرئاسة فإنه سيلاقي اكثر من ميشال عون في الحكومة عندما يأتي الجد «شو ما كانت الحكومة وكيف ما كانت؟». وقالت: «ان هذا الكلام يخالف الدستور والنظام، ويفتئت على صلاحية المرجعية المختصة بتأليف الحكومة». وقالت: «من قال ان عدم تأليف الحكومة هو للضغط لانتخاب رئيس»، واكدت «ان هذا الكلام مردود الى قائله الذي عليه قبل الآخرين المبادرة الى تسهيل تأليف الحكومة لا الدفع الى تعطيل الدستور بتهديده بالقول «ما تجرّونا الى ما لا نريده».
التعليقات