لم يكن مقتل الموقوف من الجنسية السورية بشار عبد السعود تحت التعذيب على يد عناصر من أمن الدولة في سرايا تبنين، هو الحدث الأول من نوعه، في سلسلة جرائم تعذيب يتعرض لها الموقوفون لدى أجهزة الأمن اللبنانية. جرائم مماثلة حصلت بحق سوريين ولبنانيين لدى أجهزة مختلفة من مخابرات الجيش، الأمن العام، وأمن الدولة. وهناك تقارير متعددة لمنظمات دولية نددت بالتعذيب الذي تمارسه الأجهزة اللبنانية بحق موقوفين لديها.
ترهيب اللاجئين
ولم تكن هذه الجريمة يتيمة، ولا حتى تسريبها يتيم. إذ على وقع حملات التحريض على اللاجئين السوريين، وادعاءات وزراء ومسؤولين وتيارات سياسية بضرورة إعادة اللاجئين إلى سوريا، يأتي تسريب هذه الجريمة مع صورها الشنيعة، كنوع من تعميم الخوف وبثه في نفوس السوريين للمغادرة، وفق معادلة الهرب من جحيم إلى جحيم.
على الصعيد الأمني والعسكري والقضائي هناك محاولات حثيثة ومشهودة للفلفة القضية وتجنّب محاسبة المسؤولين، كما حصل مع جرائم أخرى من قبل، فالتقارير الأمنية تتحدث عن “وفاة بنتيجة ذبحة قلبية”. وهو ما تدحضه الصور والتقارير الطبية. الأخطر أن يتم لفلفة القضية لتجنب المحاسبة، ويتم تسريبها لإخافة السوريين ولدفع عمليات عودتهم.
وترافقت هذه الجريمة، مع تسريبات أمنية لبنانية معتادة حول إلقاء القبض على خلايا من تنظيم داعش. هي الشماعة إياها التي يعلّق عليها المسؤولون اللبنانيون الكثير من مآربهم. استحضار داعش لا بد له أن يرتبط بادعاء تحقيق إنجازات أمنية، ولتبرير الإجراءات بحق السوريين من خلال مداهمات للمخيمات، أو توقيفات بحق لاجئين، أيضاً لدفعهم إلى الهروب من لبنان.
تعذيب وحشي
وفي التفاصيل، أقدم ضابط وعناصر في جهاز أمن الدولة على تعذيب الموقوف السوري أثناء التحقيق معه، ما أدى إلى وفاته. وأشيع أنه توفي نتيجة ذبحة قلبية بعد تناوله حبّة كبتاغون وجرعة زائدة من المخدرات. لكن بيّنت معاينة الجثة أن الموقوف تعرّض لتعذيب وحشي أسفر عن إصابته بذبحة قلبية أدّت إلى وفاته.
وانتشرت صور للضحية تظهر تعرضه لكدمات وجروح بليغة وحروق وتنكيل في جسده.
وأشاع الجهاز الأمني في وقت سابق عن انجاز أمني بتوقيفه خلية تنتمي إلى تنظيم داعش، في منطقة بنت جبيل، شاركت في جرائم قتل في سوريا. كما سرّبوا معلومات بأن الضحية يحمل صفة قيادية في داعش، حاول مهاجمة المحقق في مكتب بنت جبيل الإقليمي التابع للجهاز، وأن العناصر أمسكوا به لتهدئته، قبل أن يصاب بنوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى، حيث توفي.
إلى نواب التغيير
وتداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للمغدور، مطالبين بحل هذا الجهاز الأمني. ورفع البعض مطالب إلى نواب التغيير لتقديم مشروع قانون بحل جهاز أمن الدولة ومحاكمة رئيسه وضباطه وكل من يظهره التحقيق في جرائم موصوفة معروفة، من قضية زياد عيتاني (وهناك غيره بالطبع واجهوا الوضع فسه ومطلوب منهم إظهار قضيتهم) إلى قضية الشهيد السوري مؤخرًا (وهناك غيره ممن استشهد تحت التعذيب في أقبية أمنية معروفة). وكذلك تقديم مشروع قانون بحل المحكمة العسكرية والمحاكم الخاصة ومنع تدخل مخابرات الجيش في شؤون المواطنين. والعمل على مشروع قانون بالعفو العام عن كل الموقوفين الإسلاميين ومن دون مواربة. وتقديم مشروع قانون بتشكيل هيئة برلمانية دائمة لمراقبة عمل الأجهزة الأمنية ومنع تجاوزاتها.
أما “أمن الدولة” فعلاوة على هذه الجريمة، أصدر بياناً لربما كان من الأفضل عدم إصداره. فقد جاء فيه: “أمن الدولة تحرص دائماً على المصداقيّة وعدم خلق ظروف متوتّرة، في هذه المرحلة الصّعبة والخطرة من تاريخ لبنان، بسبب الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، في حين يجب تضافر الجهود من كل القطاعات والتصرف بمسؤوليّة وطنيّة للوصول إلى مرحلة الاستقرار في المنطقة، بعد السّير بالحلّ العادل للجميع”.
بهذا اللغو يلفلفون جريمة؟
التعليقات