عقب وفاة قسطنطين تشيرنينكو (Konstantin Chernenko) يوم 10 آذار/مارس 1985، تولى ميخائيل غورباتشوف (Mikhail Gorbachev) قيادة الاتحاد السوفيتي بواحدة من أصعب الفترات التاريخية التي مر بها السوفييت منذ فترة الثورة البلشفية. فأثناء تلك الفترة، عانى الاتحاد السوفيتي من مشاكل اقتصادية عديدة تزامنا مع تنامي الحركات القومية بجمهورياته.
ومع توليه زمام الأمور، باشر غورباتشوف بإجراء جملة من الإصلاحات التي سرعان ما أثارت قلق معارضيه بالحزب الشيوعي. ومع تخوفهم من إمكانية انهيار الاتحاد السوفيتي وفقدانه لهيبته العالمية، اتجه عدد من السياسيين المحافظين السوفييت للقيام بعملية انقلابية خلال شهر آب/أغسطس 1991 قبل أشهر قليلة من إعلان تفكك الاتحاد السوفيتي بشكل رسمي.
إصلاحات غورباتشوف
بحلول العام 1991، عانى الاتحاد السوفيتي من أزمة اقتصادية خانقة بسبب نظامه الاقتصادي والمالي المتأخر مقارنة بدول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وإضافة لذلك، واجه السوفيت أزمة سياسية أخرى تزامنا مع إعلان عدد من جمهورياته استقلالها وانهيار العديد من الأنظمة الشيوعية بالمعسكر الشرقي وسقوط جدار برلين، خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1989، تمهيدا لتوحيد ألمانيا التي ظلت مقسمة لأكثر من 40 عاما.
وأمام هذا الوضع، تزايدت حدة التوتر بالحزب الشيوعي السوفيتي بين مؤيدي ومعارضي غورباتشوف. فخلال تلك الفترة، وصف عدد هام من المحافظين بالحزب الشيوعي غورباتشوف بالرجل الضعيف والخامل غير القادر على إدارة شؤون البلاد وانتقدوا إصلاحاته التي أقرها في وقت سابق، والمعروفة ببريسترويكا (Perestroika) وغلاسنوست (Glasnost)، مؤكدين على وقوفها وراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالاتحاد السوفيتي.
فشل الانقلاب
خلال شهر آب/أغسطس 1991، خططت مجموعة من السياسيين المحافظين، التي ضمت قائد المخابرات فلاديمير كريوتشكوف (Vladimir Kryuchkov) ووزير الدفاع ديميتري يازوف (Dmitry Yazov) ووزير الداخلية بوريس بوغو (Boris Pugo)، للقيام بانقلاب لإزاحة غورباتشوف والاستفراد بالسلطة. وقد أنشأ هؤلاء السياسيون لجنة أطلقوا عليها لجنة الدولة لحالة الطوارئ ضمت في صفوفها عددا من كبار المسؤولين الآخرين واستعدوا للتحرك ضد غورباتشوف.
خلال ساعات الصباح الأولى ليوم 19 آب/أغسطس 1991، استغل هؤلاء السياسيون المحافظون تواجد غورباتشوف بالقرم لقضاء عطلته ليعلنوا عن بداية الانقلاب. وبناء على ذلك، أعلنت وكالة الأنباء السوفيتية عن عزل غورباتشوف من منصبه بسبب تقدمه بالسن ومعاناته من المرض بينما كان الأخير محاصرا بمكان إقامته بالقرم تزامنا مع قطع كافة الاتصالات عنه. من جهة ثانية، دفعت لجنة الدولة لحالة الطوارئ بأعداد هامة من القوات نحو الشوارع لفرض سلطتها وقمع أية تحركات احتجاجية تزامنا مع تعيين نائب رئيس الاتحاد السوفيتي غينادي ياناييف (Gennady Yanayev) رئيسا بدلا من غورباتشوف.
أمام هذا الوضع، أخذ رئيس جمهورية روسيا الاشتراكية الفيدرالية السوفيتية، الذي انتخب مؤخرا، بوريس يلتسين على عاتقه مهمة إنهاء الانقلاب. ومتخذا مبنى السوفيت الأعلى بروسيا، بالعاصمة موسكو، مقرا له، أعلن يلتسين رفضه للانقلاب تزامنا مع محاصرة الدبابات للبرلمان الروسي.
ومع حلول العديد من الأهالي قرب الكرملين، صعد يلتسين فوق دبابة ليطالب الشعب بالعصيان والتحرك ضد الانقلاب مؤكدا على ضرورة ظهور غورباتشوف للحديث أمام عدسات الكاميرا.
لقيت دعوة يلتسين لرفض الانقلاب آذانا صاغية بموسكو حيث تهافت مئات الآلاف نحو الشوارع لإفشاله. ومع رفض غورباتشوف التعاون معهم وفشلهم في كسب ود وتأييد الجيش ومعارضة الدول الأجنبية لهذا التحرك، أعلن رسميا عن فشل الانقلاب يوم 21 آب/أغسطس 1991. ومع اعتقال أغلب المنقلبين من رفاقه، فضّل وزير الداخلية بوريس بوغو وضع حد لحياته عن طريق إطلاق النار على نفسه لتجنب المحاكمة.
جاء هذا الانقلاب الفاشل خلال شهر آب/أغسطس 1991 ليدق آخر مسمار في نعش الاتحاد السوفيتي. وبحلول شهر كانون الأول/ديسمبر 1991، أعلن رسميا عن تفكك الاتحاد السوفيتي بعد مضي قرابة 69 عاما عن نشأته.