بين كل آونة وأخرى، تتكرّر الإشكالات التي يتعرّض لها الدروز الذين يتوجّهون من لبنان إلى سوريا عبر الحدود البرّية، إما عند النقطة الحدودية الأمنية التابعة للأجهزة السورية، أو بعد الدخول إلى سوريا. ويقف النظام السوري خلفها ويوظّفها سياسياً لتصفية حساباته مع هذه الشريحة، على خلفية مواقفها من الحرب السورية، الرافضة للانخراط في آتون الحرب الأهلية، والمطالبة بحقوق الشعب السوري.
وفي تفاصيل ما يحصل مع المشايخ الدروز، فإن تارةً يتم توقيفهم عند الحدود والطلب إليهم إبراز بطاقة تعريف صادرة عن الشيخ ناصر الدين الغريب من لبنان وإلّا المنع من الدخول، وتارةً أخرى يتم استدعاؤهم إلى الفروع الأمنية وتوقيفهم وتركيب الملفات بعد الدخول إلى سوريا، والطلب إليهم التوسّط لدى الشيخ المذكور ومرجعيته السياسية، النائب السابق طلال أرسلان، للإفراج عنهم، وفق معلومات “النهار”.
تكرّر الأمر مع الشيخ أبو حسن عادل النمر والوفد المرافق له، إذ وعند وصولهم إلى أول نقطة أمنية للأجهزة السورية، طلب إليهم إبراز بطاقة تعريف صادرة عن الشيخ ناصر الدين الغريب للسماح لهم بالمرور، وجرى تهديد الموجودين بتركيب الملفات وتلفيق التهم إليهم في حال الإصرار على الدخول دون إبراز بطاقة التعريف المذكورة.
كما توجّه العناصر الأمنيون إلى الشيخ ومرافقيه، وقالوا لهم إن “أسماءكم موجودة لدى الأجهزة وعند الحدود، وأحد المشايخ بحقه تهم كبيرة”، حسب ما علمت “النهار”. لكن تسقط هذه التهم وتُحل هذه الملفات بمجرّد التوسّط لدى الشيخ الغريب.
على الإثر، أجرى الوفد اتصالات أفضت إلى الكشف أن الملفات تم تركيبها من قِبل مرجعية سياسية درزية لبنانية معارضة لمشيخة العقل ووليد جنبلاط بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية السورية، وذلك لأسباب سياسية وأخرى دينية، خصوصاً وأن الشيخ النمر كان من أبرز المباركين لشيخ العقل سامي أبي المنى بوصوله إلى موقع مشيخة العقل، وفق ما نقلت مصادر متابعة للشأن لـ”النهار”.
حسابات سياسية للنظام بوجه جنبلاط
وهنا، من الضروري الذكر أن أرسلان يُعارض مشيخة العقل في لبنان ولا يعترف بشيخ العقل الحالي أبي المنى ولم يعترف بشيخ العقل السابق الشيخ نعيم حسن، ونصّب الشيخ الغريب شيخاً للعقل، علماً أن موقع مشيخة العقل هو موقع رسمي في الدولة، ولا يجوز أن يتبوأه إلّا شخص واحد ينتخبه المجلس المذهبي. وكان المجلس قد انتخب أبي المنى خلفاً لحسن.
وبحكم العلاقة المتينة بين النظام السوري وأرسلان، وسوء علاقتهما مع جنبلاط، وبحكم أن الأخير يمثّل الغالبية من الدروز وفق أرقام الانتخابات الأخيرة، لجأ النظام إلى الطلب من المشايخ الدروز المتوجهين إلى سوريا بطاقة تعريف من الشيخ الغريب، لإضفاء شرعية عليه وعلى مرجعيته السياسية وإكسابه موقعاً وربما شعبيةً.
إلّا أن هذه البطاقات غير دستورية ولا قانونية، وهي تناقض الأحكام والقوانين في سوريا ولبنان، وتُعد تعدياً على حرية التنقل، وتمييزاً بين مواطنين سواسية. كما أن هدفها ابتزاز الناس وإذلالهم لطلب تصاريح من مرجعيات لا صفة دستورية أو قانونية لها للعبور من دولة إلى أخرى، ما يناقض شرعة حقوق الإنسان، وفق المصادر المتابعة.
وفِي رأي المصادر أن “ما يحصل يضرب التواصل الديني بين دروز لبنان ودروز سوريا، والشيخ النمر ليس شيخاً عادياً، بل له موقعه وكلمته”.
ونقلت المصادر استياء الجوّين الدينيين في لبنان وسوريا مما حصل، وقالت إن ذلك “أثار ردة فعل سلبية بين المشايخ الدروز، الذين اتخذوا موقفاً مفاده أن استمرار الأجهزة الأمنية السورية باعتماد سياسة الإذلال هذه سيؤدي إلى وقف رحلاتهم إلى الداخل السوري، لأنهم لن يقبلوا الانتهاك الممنهج للكرامات”.
ومنذ تاريخ حصول الحادثة، عج منزل الشيخ النمر بالمشايخ والمستنكرين، وكان أبرز الزائرين شيخ العقل سامي أبي المنى، كما صدرت مواقف مستنكرة عن مشيخة العقل في لبنان، رئاسة الهيئة الروحية الدرزية في سوريا، حركة “رجال الكرامة” في سوريا، وهي أكبر فصيل درزي، ودار عرى (دار سلطان باشا الأطرش).
مشيخة العقل: استحضار الملفات استفزاز واضح
من جهتها، أسفت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان للتدابير المتخذة على الحدود السورية مع لبنان ولما يتعرّض له المشايخ من إهانات واستفزازات، تتمثل بطلب إبراز بطاقة رجل دين صادرة عن جهةٍ دينية غير رسمية كشرط للدخول إلى سوريا، ومن استحضار ملفات مركّبة بحق بعض رجال الدين لمنعهم من دخول الأراضي السورية أو لتوقيفهم من قبل أجهزة الأمن السياسي السوري.
وترى مشيخة العقل أن “ما حصل يوم الإثنين الفائت مع الشيخ الجليل عادل النمر وأخوانه من منع دخول وتهديد بفتح ملف له ولأحد أخوانه المرافقين إنما هو استفزاز واضح وتجاوز لكل أصول التعامل بين دولتين، وتعدٍّ سافر على كرامة نخبة المشايخ”.
الهجري: لا أصول دستورية للمنع
واستهجن الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز سماحة الشيخ حكمت الهجري ما قامت به السلطات السورية على الحدود السورية اللبنانية من منع لزيارة بعض من مشايخنا الكرام من دولة لبنان الشقيق إلى سوريا تلبية لأهواء ورغبات ضيقة عند البعض في لبنان و سوريا.
وشدّد على أن “هذا المنع ليست له أصول دستورية وغير مبرر وهو مخالف للأنظمة والقوانين في الجمهورية العربية السورية، علماً أن هذا المنع المستهجن لقامات دينية مرموقة هو للمرة الثانية على التوالي ونعتبره قطعاً لعرى التواصل بين الأهل والأصدقاء في البلدين الشقيقين”.
وتابع: “واحتراماً منا لعمليات التنسيق بين الجهات المعنية على الحدود بين الدولتين، فإننا نتمنى تطبيق الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء أصولاً وعدم العبث بالعلاقات الطيبة بين الشعبين الشقيقين”.
رجال الكرامة: الحدود باتت ممراً آمناً للإرهابيين
بدورها، لفتت حركة “رجال الكرامة” إلى أن “محاولة بعض الأشخاص في لبنان الشقيق تسييس قضية التواصل بين أبناء الطائفة الدرزية في عموم بلاد الشام لمصالح شخصية ضيقة يُعد خرقاً للعادات العربية الأصيلة وعلى رأسها عادة إكرام الضيوف”.
واستنكرت الحركة بشدة “ازدواجية السلطة في التعامل مع الزائرين القادمين من لبنان الشقيق فيما باتت الحدود السورية اللبنانية ممراً آمناً للعصابات الإرهابية والإجرامية ولتجار المواد المخدرة والمطلوبين دولياً وللمتطرفين دينياً بتسهيل من تلك السلطات نفسها التي منعت الوفد الديني الدرزي القادم إلى سورية”.
دار عرى والأمير لؤي الأطرش: هذا الإجراء لا يساهم إلا في زيادة السخط والغضب
أصدر الدار بياناً رأى أن “الإجراء الأمني المتبع على الحدود السورية اللبنانية في تقييد الزيارات الدينية لمشايخ طائفة الموحدين الدروز حرم الآلاف من مشايخنا الأجلّاء في لبنان من زيارة بلدهم الثاني سوريا”.
ودعا كل أصحاب الشأن لـ”وقف الإجراءات التمييزية على الحدود”، وطالب بـ”عدم اعتماد معايير سياسية في الأمور المتعلقة بالزيارات الدينية لأبناء الطائفة، وأن لا تكون ورقة الموافقة محصورة بجهة محددة لكون هذا الإجراء لا يساهم إلا في زيادة السخط والغضب بين أبناء الطائفة ونؤكد لأهلنا ومشايخنا في لبنان أن بيوتنا وقلوبنا مفتوحة لهم في جبل العرب”.
التعليقات