في مطلع العام المقبل، يفترض أن تنتقل الحكومة المصرية من مدينة القاهرة، المكتظة بالسكان، البالغ عددهم 20 مليون نسمة، إلى مدينة جديدة بنيت في الصحراء على بعد 60 كيلومترًا شرقي القاهرة، تحمل اسم “العاصمة الإدارية” (بالإنجليزية Capital City وتختصر إلى سي سي).
مبنى البرلمان الجديد بالعاصمة الإدارية جاهز وكذلك مباني الوزارات، إضافة إلى آلاف من الشقق السكنية، فالمدينة الصحراوية مصممة لاستيعاب ستة ملايين ونصف مليون نسمة، يفترض أن يبدأ الآن الأوائل منهم في الانتقال إليها.
في مواقع البناء بالعاصمة الإدارية يجري العمل على قدم وساق، عشرات الآلاف من العمال يعملون بجد لإنجاز المهمة. وفي الموقع الذي سيكون في المستقبل “الحي التجاري” تم الانتهاء من بناء عشرين مبنى شاهقا. المهندس المعماري الشاب هاني محمد يتحدث بكل إعجاب ويقول: “العاصمة الإدارية ستكون منارة الحياة هنا في مصر والجميع سيتمنون القدوم إلى هنا ولو ليوم واحد. ستكون رائعة”.
يقف هاني محمد في أعلى نقطة في موقع البناء، على شرفة المشاهدة، التي ستكتمل قريبًا بالبرج الأيقوني، وهو اسم أطلق على أعلى ناطحة سحاب في العاصمة الجديدة، ارتفاعه 385 مترًا، مما يجعله أعلى مبنى في أفريقيا.
في وقت مبكر من العام المقبل، سينتقل رجال الأعمال والسياح إلى فندق 5 نجوم في “البرج الأيقوني”، أو ينتقلون مباشرة إلى شققهم الخاصة – بأسعار تبدأ من حوالي 350 ألف يورو.
آلاف العمال يكدحون من أجل إتمام مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي يعتبره الرئيس المصري “مشروع هيبة”.
“مدينة الأحلام.. كل مصر ستكون هنا”
وعندما تنظر من أعلى البرج، في الطابق 78، ستشاهد المباني الضخمة للمدينة الضخمة تحت قدميك: مبنى البرلمان الجديد به أعلى سارية علم في العالم، وبجانبه أكثر من عشرين مبنى ضخما للوزارات المختلفة على طول شارع واسع تمتد على جانبيه أشجار في منظر بديع.
وفي مدخل العاصمة الإدارية افتتح في السادس من يناير/ كانون الثاني 2019 مسجد “الفتاح العليم”، الذي يتسع لنحو 20 ألف مصل. وفي نفس يوم افتتاحه افتتح الرئيس المصري أيضا “كاتدرائية ميلاد المسيح”، والتي تعد الأكبر حجما في العالم العربي.
وتمتد في الحي الحكومي صفوف لا نهاية لها من المباني السكنية – المكونة من ستة أو ثمانية أو عشرة طوابق؛ عمارات سكنية تمتد في الأفق، وكلها في وسط الصحراء. ومن المتوقع أن يعيش ستة ملايين ونصف مليون شخص هنا يومًا ما. مهندس البناء هانى محمد يعتقد أن “العاصمة الإدارية” هي مدينة الأحلام ويقول: “أي شخص لن يعيش في العاصمة الإدارية الجديدة في المستقبل سيشعر وكأنه ليس في مصر أبدا، لأن كل مصر ستكون هنا”، حسبما يأمل محمد.
لكن العاصمة الجديدة لا تزال مدينة أشباح، إذ لا توجد متاجر ولا مطاعم، ومراكز التسوق فارغة، ورياح الصحراء تعصف بالرمال والغبار في كل مكان وهي تتسبب بالفعل في تآكل واجهات المباني.
العاصمة الجديدة لا تزال مدينة أشباح ورياح الصحراء تعصف بالرمال والغبار في كل مكان وتتسبب في تآكل واجهات المباني
مشاكل فنية وعيوب في البناء
يقال إن أول خمسة سكان قد انتقلوا بالفعل إلى المنطقة السكنية المسماة R 3، على الرغم من أن المصاعد لم تعمل بعد. ولكن ربما تكون هذه مجرد واحدة فقط من الكثير من المشاكل الأخرى: إذ يصور أحد السكان الجدد أوجه القصور في شقته الجديدة ويضع مقاطع الفيديو على الانترنت: ويقول الصوت في الفيلم “هنا، تتدفق مياه الصرف الصحي عبر الطابق السفلي (القبو) لأن أنابيب (المياه) معزولة بشكل سيئ”، ويتابع: “إذا قاموا بري الحديقة بالخارج، فإن الماء يتسرب عبر الجدران”.
ويسأل المقيم الجديد في مقطع الفيديو الخاص به “ماذا نتوقع مع هذا الكم الكبير من الفساد”، وبهذا يتجرأ على توجيه الكثير من الانتقادات، والتي قد يقع بسببها في مشاكل مع الشرطة.
في النهاية، فإن العاصمة الجديدة هي”مشروع هيبة” بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي. إذ يقال إن مصر استثمرت 60 مليار يورو في عاصمتها الجديدة، معظمها من خلال القروض. 60 مليار يورو – مبلغ لا يمكن تصوره – ألم يكن بالإمكان استخدامه لبناء شقق جديدة في القاهرة، حيث يعيش ملايين الأشخاص في أحياء فقيرة؟ وبذلك ربما كان سيكون هناك دائما مليارات متبقية؟
أسئلة لا يطرحها المرء في مصر إلا خلف الأبواب المغلقة فقط، كلّا، فالمواطنون في مصر يجب أن يفخروا بعاصمتهم الإدارية الجديدة، حتى وإن لم يكن لدى معظم العائلات المصرية قدرة على شراء شقة هناك.
توماس بورمان (راديو ARD، القاهرة)/ ص.ش
التعليقات