التخطي إلى المحتوى

لم تفعل جلسة مجلس النواب الرئاسية، أمس الأول،
سوى تأكيد المؤكد حول استمرار الفشل في إنتاج رئيس جديد للجمهورية وولوج الفراغ الرئاسي
الطويل حتى نضوج التسوية الخارجية التي ستتمظهر داخلياً.. بعد حين.

على صعيد مجريات الجلسة، وبغض النظر عن توزع
أصوات النواب في الجلسة التي تميزت بعوامل ثلاثة، تعزيز حاصليّ المرشح ميشال معوض
و”لبنان الجديد” ثم تراجع الأوراق البيضاء في شكل ملحوظ، إلا أن لا
تغيير حقيقيا عن نتائج الجلسة الأولى.

هذا الأمر يدفع الى تعزيز المناخ السلبي حول
الشغور الرئاسي بينما تتركز الجهود على تشكيل حكومة من دون نجاح حتى اللحظة، ما يعني
أن لبنان مقبل على مرحلة فراغ مصحوبة بتوترات سياسية كبيرة مع رفض جزء وازن من
المسيحيين، أي “التيار الوطني الحر”، تسلُّم حكومة تصريف الأعمال مقاليد
الرئاسة المسيحية، مع أنه لا مانع لذلك دستورياً.

لبنان أمام مرحلة
جديدة

على أن الجانب الإيجابي في كل ما يحدث يتمثل في إقبال
لبنان على مرحلة جديدة مغايرة للسابق تبدو إرهاصاتها منذ الآن وإن كانت غير قريبة
بالمعنى الزمني.

ذلك ان الخرق الكبير الذي تحقق في مهمة ترسيم
الحدود البحرية بين لبنان والكيان الإسرائيلي تحت رعاية أميركية حثيثة، يعني أن
البداية وهي دوما الأصعب، قد تحققت.

هذا الأمر
الذي تتقاطع عليه رؤى متناقضة في الاصطفافات السياسية الداخلية يعني أن تسوية
مقبلة دوليا وإقليميا سيكون لبنان من اكبر المستفيدين منها وطبعا سيكون لها الأثر
الهام على الملفات بالغة الاهمية التي يُعنى لبنان بها ومنها رئاسة الجمهورية.

الخرق الذي تحقق، من دون نضوجه حتى اللحظة، هو
ما يفسر فشل التجربة الرئاسية في الجلسة الأخيرة وفشل ما بعدها في المدى المنظور
على أقل تقدير.

هل يعني التأجيل
تغيٌّرا في حظوظ المرشحين؟

من المرجح أن تستمر موازين القوى على ما هي الآن
من دون قدرة أي فريق على الحسم.

ففي الفريق المعارض لـ”حزب الله” لا
قدرة على إيصال رئيس لكن ثمة قدرة على التعطيل، وذلك سيستمر حتى لو اتحدت كل
المكونات المعارضة ومعها التغييريين، ولن يتمكنوا جميعا من تأمين ثلثي اصوات
المجلس النيابي.

ولدى الفريق المقابل أيضا، لا قدرة على الأرجح
على إيصال رئيس ناهيك عن فيتو غير قابل للنقاش اليوم وضعه “التيار الوطني
الحر” على وصول المرشح الفعلي لهذا الفريق، أي زعيم “تيار المردة”
سليمان فرنجية.

هنا لدى التيار الحر والمقربين من رئيسه جبران
باسيل رؤيتهم الخاصة حول حظوظ الأخير. فهي وان كانت صعبة اليوم لكنها غير مستحيلة
وستتعزز مع الوقت العام المقبل. وبالنسبة إليهم فإن ما بعد الترسيم الذي بذل باسيل
ورئيس الجمهورية ميشال عون كل قوتهما لإنجازه، لن يكون كما قبله. وليس على باسيل
اليوم أكثر من شراء الوقت والرهان على الزمن مع بذل الجهود لرفع العقوبات عنه
توازياً مع شد عصب فريقه مع تركه السلطة.

موقف باسيل بات معروفا عند “حزب الله”
وهو السبب في عدم تبني فرنجية الذي تزداد معارضة باسيل له مع الوقت وليس العكس.

كل ذلك يعني أن لا رئيس للجمهورية في ظل
الموازين الحالية حتى وان كان الجميع يدعو الى تسوية حول رئيس وفاقي يعلم الاقطاب
كافة حتميته في ظل الظروف غير المرشحة للتبدل اليوم.

هنا تبرز وجهة نظر تروج لنظرية استحالة وصول
رئيس ممانع في ظل الفيتو السعودي العلني والأميركي الضمني غير المعلن الذي سبق
و”سلّف”، حسب وجهة النظر هذه، الفريق الاقليمي الممانع، أي إيران
والحلفاء، تسهيلات في التسوية العراقية، الأهم استراتيجيا من لبنان.

تعزيز الطائف
وليس تعديله

وهو ما يشير حسب هؤلاء الى ان للبنان تسوية
مغايرة تقوم على حفظه بشخصية متمرسة وقادرة على نيل ثقة الغرب والإقليم من دون
استفزاز “حزب الله”. بمعنى آخر هي شخصية قائد الجيش جوزف عون الذي يشير
متعاطفون معه الى ان فيتو الحزب (الذي لم يثبت في كل الأحوال) لم يعد قائما، لا بل
ان التنسيق قائم بين الحزب والجيش في اكثر من ملف ومنطقة لا سيما في الجنوب كما في
الضاحية الجنوبية حيث الثقل الشعبي لـ”حزب الله”.

تتقدم وجهة النظر هذه على أية وجهة نظر أخرى،
لكن ذلك لا يعني ترجيحها، أقله في اللحظة السياسية الحالية.

من هنا ينتظر الجميع نضوج التسوية الكبرى التي سترتكز لبنانيا على تعزيز اتفاق الطائف وتطبيق ما لم يطبق منه وليس
بطبيعة الحال الاتفاق على تعديلات فيه ناهيك عن نظام سياسي بديل، وسيكون من
الطبيعي حينها انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليكون دور الحكومة إطلاق ورشة إعادة عجلة
الاقتصاد وجلب المساعدات الدولية.. على طريق التنقيب البحري.