ما يلاحظه المراقبون للوهلة الأولى، وفي قراءة سريعة لمشهدية جلسة الأمس وما قبلها، أن ثمة خفّة واضحة من قبل أغلبية النواب مع إستحقاق بهذه الأهمية. وهذه الخفّة ناتجة عن حال الضياع، الذي يعيشها في الدرجة الأولى كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والنواب الجدد ممن يسمّون أنفسهم “تغييريين” أو غيرهم من الأسماء، والذين صوتّوا هذه المرّة لـ”لبنان الجديد” بـ 22 صوتًا، فيما إختار “حزب الله” و”التيار الوطني” مرّة جديدة خيار “الورقة البيضاء”، وذلك في محاولة منهما للهروب إلى الأمام. وهذا الأمر يفسّر حال التخبط السائدة حاليًا على جبهة محور “الممانعة”، نتيجة عدم التوصّل إلى إقناع النائب جبران باسيل بالسير برئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية.
الواضح من خلال ما يدلي به باسيل من تصريحات علنية، وما يقوله في السرّ، أنه لا يريد السير بفرنجية ولا بقائد الجيش العماد جوزاف عون، وبالطبع لا بميشال معوض. وعندما يُطرح عليه إسم من خارج المنظومة يقلب شفتيه إستهزاء.
ما بات واضحًا كعين الشمس أن باسيل، بما يتمتع به من فائض في النرجسية، لا يرى أحدًّا مؤهلًا لخلافة الرئيس ميشال عون سوى من تمرّس بهذه المسؤولية على مدى ست سنوات. فلا رئيس للجمهورية سوى رئيس واحد إسمه جبران باسيل. هذه هي قناعة ثابتة لدى الرجل. وهي ثابتة أكيدة لدى نوابه وجمهوره.
فمن كان طوال السنوات الست الرئاسية رئيس ظلّ يستحقّ أن يكون رئيسًا أصيلًا. هذا هو المنطق السائد لدى “النيوعونيين”، أي “الباسيليين”، ولأن هذا المنطق هو الذي يتحكّم بمسار الأمور الرئاسية ستكون الجلسة الرابعة وما سيليها من جلسات متشابهة من حيث النتائج السلبية، بإعتبار أن “حزب الله” المحرج “باسيليًا” لم يقرّر بعد خطواته التالية، وهو على ما يبدو غير مستعجل على حسم خياراته النهائية، وذلك خوفًا من إنعكاسات الإقدام على أي دعسة ناقصة، وهو حريص بالتالي على عدم شرذمة اصوات “محور الممانعة”، خصوصًا أنه يعتقد أن هذا المحور قادر على الإقتراب من حاصل الـ 65 نائبًا أكثر بكثير من حظوظ المحور الآخر، الذي تبيّن أن أصواته مشتّتة، وأنه غير قادر على تجميع أكثر من 44 صوتًا لمرشحه النائب ميشال معوض، وأن النواب الذين صوتّوا لـ”لبنان الجديد” لا يزالون، على رغم خفّته” يتحكمون بمسار الأمور.
المهمّ بالنسبة إلى “حزب الله” ألا ينفرط عقد تحالفات محورهم الثلاثي الأضلع، مع نواب فرنجية والنواب السنّة الذين يؤيدون “الخط المقاوم”. ولكي لا يفرط هذا العقد يرى كثيرون في “الحزب” على خلاف ما يراه الرئيس بري، أن الحلّ الذي لا بدّ منه في النهاية يكون يبتبنّي ترشيح باسيل للرئاسة. ودون الوصول إلى هذا الخيار “المرّ” صعوبات وعقبات يأخذها “حزب الله” في الإعتبار، وأهمها إقناع كل من الرئيس بري وفرنجية بالسير به، مع الإعتراف الضمني بإستحالة هذا الأمر.
فجبران باسيل يعمل في تحركاته السياسية وفق مقولة “أنا أو لا أحد”. وهذا ما يقودنا إلى الإستنتاج أن الرجل بنرجسيته المفرطة يبقى العقبة الرئيسية في أي حوار للوصول إلى رئيس لا يشبه أي رئيس آخر هذه المرّة.
فباسيل، لم يترك للصلح مكانا،فهو على خصومة تاريخية مع رئيس مجلس النواب، وعلى تباعد في الرؤية مع فرنجية. ولذلك فإن مهمة “حزب الله” ليس سهلة، إن لم نقل مستحيلة.
التعليقات