تناولت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الثلاثاء التراجع السويسري عن دعوة العشاء التي كانت وجهتها السفيرة السويسرية لممثلي القوى السياسية الذي أجهضته السعودية “دفاعًا” عن اتفاق الطائف، في حين لا يزال تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس موضع اهتمامات الصحف، خصوصًا بعد زيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، ما اعتبر فرصة أخيرة تسبق “الفراغيْن”.
كذلك، ركّزت الصحف اللبنانية على الاحياء “البارد” لذكرى 17 تشرين في عامها الثالث، وسط تحرك رمزي خجول اقتصر على ترديد بعض الشعارات.
“الأخبار”: تهويل غربي من فوضى تبدأ شمالاً
لم تهدأ بعد العاصفة الكلامية التي افتتحها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري ضد العشاء الذي دعت إليه السفارة السويسرية في بيروت، تمهيداً لمؤتمر حواري يُعقَد حول لبنان في جنيف الشهر المقبل، فيما بدت البلاد مشدودة الأعصاب على وقع تشاؤم مشوب بانتظار ثقيل لإعادة تفعيل الاتصالات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتي باتت ولادتها بالنسبة إلى معظم القوى السياسية «مسألة أيام» قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية الشهر الجاري.
وعلى وقع الفراغين، أجمعت مصادر حزبية ورسمية وأمنية ودولية في لبنان على تناقل سفارات أوروبية عدة، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا، معلومات عن «خشية من حصول فوضى أمنية تنطلق من الشمال، ومن أن يكون هناك من يسعى إلى استخدام الشمال كبؤر متطرفة مؤيدة للتنظيمات الإسلامية التكفيرية لإطلاق موجة أمنية تهدد استقرار البلاد برمّتها».
ومع أن الأجهزة الأمنية اللبنانية على اختلافها تؤكد «عدم وجود مؤشرات واقعية أو معطيات دقيقة تعزّز هذه التحذيرات، إلا أن غالبية القوى السياسية والرسمية تتعامل بحذر شديد وبجدية مع التحذيرات الواردة حول احتمال نشوب فوضى أمنية في أكثر من منطقة وخصوصاً الشمال». وفي حين قالت مصادر سياسية في طرابلس وعكار إن «هناك مبالغات الهدف منها الإساءة إلى الشمال مجدداً»، لفتت إلى أن «القوى الأمنية اللبنانية وغير اللبنانية تعمل بنشاط كبير ويمكنها التثبت من حقيقة التحذيرات»، من دون أن تنفي وجود كميات كبيرة من الأسلحة الفردية أو المتوسطة في أكثر من منطقة شمالية، كما تقر بحصول عمليات تهريب للأسلحة من تجار يعملون بين لبنان وسوريا، لكنها تعتقد أن هذه الأسلحة «غير كافية ما لم يتوافر العنصر البشري، بجانبيه القيادي والمهني». وقالت المصادر إن كل «الحديث عن عودة آلاف من العناصر التي شاركت في القتال إلى جانب المسلحين في سوريا ليس دقيقاً على الإطلاق، بل هناك هجرة معاكسة تحصل الآن باتجاه شمال غربي سوريا أو العراق».
وكانت معطيات أمنية أشارت إلى تعاظم تجارة السلاح المهرب عبر الأراضي السورية إلى لبنان من خلال شبكة تهريب تقوم بأعمال لا تنحصر في تجارة السلاح. وأشارت المعطيات إلى أن تجارة الأسلحة لم تعد تقتصر على رشاشات فردية أو مسدسات حربية بل شملت قاذفات آر بي جي ومدافع هاون وقنابل وألغاماً ومتفجرات. ولفتت إلى أن السلطات السورية عمدت إلى توقيف عدد من التجار السوريين وأقفلت معابر كثيرة مع لبنان، لكن الأجهزة الأمنية تؤكد استحالة إقفال تام للحدود.
في موازاة ذلك، بدا أن القلق المحلي من احتمال حصول إشكالات يسيطر على جميع القوى من دون استثناء، بمن فيها تلك التي تخشى أن تكون هناك جهات خارجية تريد توتير الوضع في لبنان في سياق الضغط للإتيان بقائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. فضلاً عما نقلته مصادر رفيعة المستوى، عن أن «إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة لا يعني أن البلاد ستدخل مرحلة مستقرة، بل على العكس فإن الأميركيين والإسرائيليين مستمرون في مخططهم ضد حزب الله»، وأن «هناك معطيات تؤكد أننا مقبلون على مرحلة أخطر بكثير من الفترة السابقة»، مستغربة «تجاهل الكلام عن شبكات التجسس وعدد العملاء الكبير بالآلاف بالتزامن مع المعطيات التي تتحدث عن أعمال تخريبية سيشهدها البلد». وبناء على ذلك، جرت مشاورات بين أطراف عدة لإشاعة مناخات توافقية تمنع أي توتر يقود إلى إشكالات أو يسمح لعواصم إقليمية وغربية باستغلال الشحن السياسي للقيام بفوضى أمنية.
وتبين أن اتصالات مكثفة جرت بين حزب الله والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ركزت على هذا الجانب، وكان لافتاً بالنسبة لبري وحزب الله كلام الحزب الاشتراكي عن ثوابت رئيسية لديه في المرحلة المقبلة في ما يتعلق بالتعامل مع الملفات الشائكة.
ونقل عن مصدر مطلع قوله إن جنبلاط أعرب صراحة أمام بري وحزب الله عن هواجسه من حصول فوضى أمنية متنقلة في لبنان، وأنه يعمل على تنفيس الاحتقان في المناطق التي يتمتع فيها بنفوذ كبير. وشدّد على أن قراره نهائي بعدم الدخول في أي جبهة تحرّض على سلاح المقاومة، وأنه يتعامل مع هذا الملف على أساس أنه متصل بأوضاع إقليمية ودولية، كما أكد انه قرر الابتعاد عن الحلبة السورية ولن يتعاطى في الشأن السوري إلا في ما خص محاولات التضييق على دروز منطقة السويداء، وأنه في المقابل يركز على ضرورة مواجهة مخططات تقوم بها إسرائيل لبث الفتنة في أكثر من منطقة. وشدد جنبلاط على أن التوتر في العلاقة مع القوات اللبنانية سببه الخشية من تهوّر يقود البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، لكنه شدد على أن علاقاته الخارجية تخصه وحده، وأن علاقته مع السعودية ثابتة ولن تتغير، وأنه يريد علاقة هادئة مع حزب الله، أي «لا تحالف ولا معركة»، بينما يظهر الحزب حريصاً أيضاً هذه الفترة على «هدوء العلاقة ونزع أي فتيل تفجير».
“البناء”: طار العشاء السويسري
كان الحدث الأبرز سياسياً هو زيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على رأس وفد من التكتل لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما وصفته مصادر نيابية بأول كسر جليد حقيقيّ يفتح الباب لإحداث اختراق ممكن قبل نهاية المهلة الدستورية المتاحة أمام مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون بعد أسبوعين. وتقول المصادر إن تفاهم بري وباسيل إذا تحقق، يفتح الطريق لبحث جدي بين بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبين بري ونواب كتلة الاعتدال العشرة، بحيث يتوافر المجال لتوفير نصاب الـ 86 نائباً المطلوب لانعقاد جلسة انتخاب يفوز فيها مرشح متفق عليه بـ 65 صوتاً على الأقل، وهو ما كان لافتاً تذكير النائب باسيل به كمقدّمة لشرح الحاجة الملحة لتفاهمات لا تتناسب مع الخطاب التعبويّ الصداميّ الذي شكل سمة المرحلة السابقة في علاقة التيار الوطني الحر مع حركة أمل، بما يعزز فرضية الواقعية السياسية التي يتقنها باسيل، ويجد صعوبة في إسقاطها على الحسابات الرئاسية، حيث تفاهمه مع الرئيس بري مفتاح التقدم خطوة جدية، لرئيس صنع في لبنان، قبل أن تدخل الأيادي الخارجية على مطبخ صناعة الرئيس الجديد.
سياسياً، تابعت القيادات السياسية والوسط الإعلامي مسار التراجع السويسري عن دعوة العشاء التي كانت وجهتها السفيرة السويسرية لممثلي القوى السياسية، حيث بدا أن التراجع، الذي شمل أيضاً مدعوين للمشاركة اعتذروا عن غيابهم، لم يكن نتيجة احترام سويسريّ للسيادة اللبنانية، ولا لتمسك المعتذرين بها، بل لضغوط سعودية عبر عنها السفير وليد البخاري، الذي غرّد بعبارات ظهرت كرد على دعوة السفيرة السويسرية، التي قيل إنها تتضمن فتح حوار بحثاً عن بديل لاتفاق الطائف، بقوله، “وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيكٌ لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبدالهُ بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ”، وكان لافتاً تلويح السفير السعودي بزوال الوطن الموحّد إذا تمّ المساس باتفاق الطائف.
وطغى الاستنفار الدبلوماسي السعودي ضد «العشاء السياسي» في السفارة السويسرية، على المشهد السياسي وملأ مع جولة تكتل لبنان القوي على رؤساء الكتل النيابية، الفراغ حتى موعد الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل.
ولم يكد السفير السعودي وليد بخاري يبدأ جولته الرئاسية، حتى أعلنت السفارة السويسرية إرجاء الدعوة الى إشعار آخر.
وجال بخاري بين بعبدا وعين التينة، وأكد بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي، انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمّنت الاستقرار فيه»، وشدّد على «أهمية انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها».
ولفت بخاري الى ان الرئيس عون «أكد حرصه على تفعيل العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين».
وبعدها، زار السفير السعودي عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وكانت السفارة السويسرية في لبنان وسورية أصدرت بياناً، أكدت فيه أنّه «خلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار». وأضافت «من التقاليد السويسرية بذل مساعٍ حميدة عندما يطلب منها ذلك، تأتي هذه المناقشات المزمع عقدها نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الأطياف السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني».
وأشارت السفارة في بيانها إلى أن «العشاء غير الرسمي الذي كان من المفترض أن يُقام هذا الثلاثاء في منزل السفيرة السويسرية، يهدفُ إلى تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية»، وأردفت «الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً، مع هذا، فقد جرى تأجيل العشاء إلى موعدٍ لاحق».
وإذ علمت «البناء» أن السفارة السعودية طلبت من بعض القوى المدعوة للقاء عدم تلبية الدعوة، أشارت مصادر سياسية لـ»البناء» الى أن السعودية تستشعر خطراً على اتفاق الطائف الذي شكل الغطاء للنفوذ السعودي في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية، لذلك ترى السعودية في أي دعوة خارجية للحوار بين الأطراف اللبنانية بأنها مصدر خطر وتستهدف حضورها ومكاسبها في لبنان، وبالتالي تلمست خطراً من أن يتحول العشاء في السفارة السويسرية الى لقاء في الخارج ومنصة للحوار اللبناني – اللبناني ينتج تسوية للأزمة اللبنانية تكون بديلاً عن اتفاق الطائف في ظل الخلاف الأميركي – السعودي الأخير، ويتعزز الخوف السعودي وفق المصادر بعدما خسرت حلفاء تاريخيين لها في لبنان كالرئيس سعد الحريري وآخرين وبعد تشظي القوى السنية الى كتل صغيرة مشتتة، ولذلك حاول السفير السعودي مؤخراً جمع أشلاء القوى السنية النيابية في كتلة واحدة للتأثير على قرار الطائفة السنية في الاستحقاقات المقبلة لا سيما رئاسة الجمهورية.
“النهار”: سباق الأيام الأخيرة للفرصتين الرئاسية والحكومية
13 يوماً من يوم غد تفصل البلاد عن نهاية ولاية الرئيس #ميشال عون، تبدو مقبلة على ترسيخ المعطيات والوقائع التي تثبت ان #لبنان ينزلق نحو تجربة جديدة من الشغور الرئاسي بكل ما قد تستبطنه وتحمله من مزيد من السلبيات والاخطار والانهيارات. مرت البارحة الذكرى الثالثة لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وسط رمزيات مفعمة بالقتامة التامة ليس اقلها ان الانتفاضة التي كان مفجرها المباشر على الأقل زيادة ستة سنتات على المكالمات الخليوية، قفز الدولار في نهاية عامها الثالث سقف الـ 40 الف ليرة، ولا يرف جفن سلطة سياسية او نيابية او مالية او مصرفية، ولا يتحرك الناس في الشارع الا في تظاهرة رمزية متواضعة الحجم سارت من ساحة الشهداء الى ساحة النجمة.
وسط العد العكسي لنهاية العهد العوني وللشغور شبه الحتمي الذي سيخلفه، يعيد مجلس النواب اليوم انتخاب لجانه بما يذكر بتوزع القوى والكتل فيه على نحو عجز معه تحالف من هنا عن إيصال مرشحه الى بعبدا، او تحالف من هناك عن الاتفاق على مرشح. وجلسة انتخاب اللجان التي يفترض ان تليها جلسة تشريعية يفترض ان تكون الأخيرة خارج الاطار الانتخابي اذ ستعقد الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية بعد غد الخميس في العشرين من الحالي إيذانا ببدء مهلة الأيام العشرة الحاسمة الأخيرة من المهلة الدستورية والتي يتحول فيها المجلس هيئة انتخابية دائمة حكما.
وفي جلسة اليوم، والذي يفترض ان يقر فيها قانون السرية المصرفية، علمت “النهار” ان مشروع القانون ظل حتى ساعة متقدمة من الليل مثار اخذ ورد، اذ تراجع فريق صندوق النقد الدولي عن القبول بتعديلات كانت ادخلتها عليه لجنة المال والموازنة برفضها اعطاء الادارة الضريبية صلاحية رفع السرية عن الحسابات المصرفية، ما يعرض الخصوصية للاستباحة من موظفين اداريين دون الرجوع الى القضاء، ويجعل المودعين الكبار يهربون حساباتهم الى الخارج، ولا يشجع اي مودع على التعامل مع المصارف اللبنانية مما يشكل ضربة اضافية للقطاع المصرفي. وتردد ليلا ان صندوق النقد ابلغ الجهات المعنية في لبنان عدم موافقته على التعديلات، وبالتالي باتت النسخة النهائية من المشروع بحاجة الى تعديلات اضافية غير مضمونة في الجلسة التشريعية اليوم، خصوصا ان حركة الاتصالات استمرت حتى الليل، ولم تطلع عليها الكتل النيابية.
من جهة ثانية، توقعت أوساط سياسية ونيابية بارزة ان تشهد الساحة السياسية في الآتي من الأيام حركة كثيفة بكل الطابع الاستثنائي الذي تستلزمه محاولات ما يسمى الفرصة الأخيرة المتاحة للحؤول دون وقوع لبنان في محظور الشغور الرئاسي اذ يخشى ان تجاربه السابقة في الفراغ لن تقاس تداعياتها ونتائجها السلبية بالمقارنة مع التجربة الجديدة اذا حصل الشغور، لان لبنان لم يكن ولا مرة سابقا في واقع انهياري كالذي يعيشه راهنا، والذي سيتفاقم على نحو شديد متى صار الفراغ عنوان المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها البلاد. وكشفت الأوساط نفسها ان المهلة الأخيرة الفاصلة عن 31 تشرين الأول ستشهد كذلك ما يمكن ان يشكل المحاولة الأخيرة أيضا لبت الملف الحكومي علّ الانفراج على هذا المحور يخفف التوتر السياسي الذي يخشى ان يرافق نهاية الولاية الرئاسية ويتسبب بمزيد من التعقيدات والترددات السلبية. ويبدو ان الحركة التي يقوم بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم تنطلق من هذا الواقع مع عدم تكبير الرهانات على هذا التحرك قبل اتضاح ما اذا كانت ملامح مرونة طرأت على خط بعبدا – السرايا.
“الديار”: «كسر جليد» دون أوهام بين بري وباسيل
ذكرى 17 تشرين «باردة» ودون «روح»، بعد 3 سنوات «ماتت الثورة» ولم تجد من يرثيها، تحرك رمزي خجول في الشارع، وكأن لا ثورة ولا ثوار ولا من يحزنون، والنتيجة ان اللبنانيين يقبعون في قعر «جهنم».
في هذا الوقت وبعد ساعات على اعلانها «النفير» العام دفاعا عن اتفاق الطائف، اجهضت سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت عشاء السفارة السويسرية بشبهة التآمر على وثيقة الوفاق الوطني اللبناني. حملة اعلامية مبرمجة، بيان تهديد من العشائر العرب للنائب «التغييري» ابراهيم منيمنة، سبقه انسحاب غير مفاجئ لـ «القوات اللبنانية»، وتلاه تحرك «ماراثوني» من السفير السعودي الوليد البخاري بين بعبدا وعين التينة امس، لتعلن بعدها السفارة السويسرية تأجيل العشاء «غير الرسمي» الذي كان من المفترض أن يُقام اليوم الثلاثاء في منزل السفيرة السويسرية ماريون ويشلت إلى موعدٍ لاحق.
في هذا الوقت وبالتوازي مع تجاوز الدولار عتبة الـ 40 الفا، وتحليق اسعار المحروقات، اعاد «الوسيط» الحكومي اللواء عباس ابراهيم تشغيل محركاته في محاولة اخيرة لاستيلاد الحكومة في «الربع الساعة» الاخير قبل انتهاء الولاية الرئاسية، بدعم من خلف «الستار» من حزب الله الذي يعمل على تقريب وجهات النظر بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي لا يبدو مستعجلا على حسم الامور، مستفيدا من عامل الوقت الضاغط على العهد وفريقه السياسي.
رئاسيا تبدو «الحركة دون بركة» حتى الآن قبيل الجلسة الثالثة المقبلة. وفي هذا السياق، يبدو حراك تكتل «لبنان القوي» على القوى السياسية شكليا حتى الآن، في ظل «النوايا» المبيتة بينه وبين خصومه في السياسة التي لا يمكن اخفاؤها بتصريحات عامة حول ضرورة الحوار للوصول الى اتفاق على رئيس «توافقي». وما تحقق بالامس مجرد «كسر جليد» شكلي بين عين التينة وميرنا الشالوحي!
«اجهاض» العشاء
فبعد ساعات من الجدل حيال الدعوة السويسرية، ووسط حديث عن التحضير لمؤتمر في جنيف الشهر المقبل، اعلنت السفارة تأجيل العشاء الى اجل «غير مسمى»، مع ترجيح الغائه نهائيا، وقالت في بيان أنّ سويسرا «تعمل بنشاط في لبنان منذ سنوات عدة، بما في ذلك في مجال منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام. وخلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس لمؤتمر حوار. ولفتت إلى أنّ من التقاليد السويسرية بذل مساع حميدة عندما يُطلب منها ذلك، وهذه المناقشات المزمع عقدها، تأتي نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الأطياف السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، في ظلّ احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني. وأشارت إلى أنّ العشاء «يهدف إلى تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية، وأنّ الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام لا تتضمّن أسماء المدعوّين فعلياً».
الرياض كانت «تعلم»؟
وفيما اكدت اوساط ديبلوماسية ان الرياض كانت في اجواء هذا الحراك السويسري قبل اكثر من شهر، وانقلابها عليه كان مستغربا وغير مبرر بعدما قدمت سويسرا كامل التوضيحات، وعلم ان ابرز المدعوين إلى هذا العشاء هم: النائب وائل أبو فاعور عن الحزب «التقدمي الاشتراكي»، النائب ملحم رياشي عن «القوات اللبنانية»، النائب علي فياض عن حزب الله، النائب آلان عون عن «التيار الوطني الحر»، النائب إبراهيم منيمنة عن «تكتل التغيير»، ومستشار الرئيس نبيه بري علي حمدان عن «حركة أمل»، والوزيرة السابقة ريا الحسن، فيما لم تتم دعوة ممثل عن حزب «الكتائب».
وبعد ساعات على تغريدة للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري يحذر فيها استبدال اتفاق الطائف بكيانات لا تُشبه لبنان الرسالة، قام بزيارتين الى قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون، وإلى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأوضحت رئاسة الجمهورية، في بيان، أنّ الرئيس عون بحث مع بخاري «العلاقات اللبنانية- السعودية وسبل تطويرها في المجالات كافة، والدعم الذي تقدّمه المملكة للبنان لا سيّما على الصعيدين الاجتماعي والإنساني، وتطرّق البحث إلى الأوضاع العامة والتطوّرات الأخيرة». وأشارت إلى أنّ «بخاري جدّد التأكيد على حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكّل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمّنت الاستقرار فيه»، كما أكد على «أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها».
اسباب الهلع؟
ووفقا لزوار السفارة السعودية، جاء التحرك السعودي الرافض على خلفية التوقيت والمضمون، ولفتت الى ان البخاري يتحدث عن توقيت غير بريء لانه يناقش امورا اساسية ويدخل الفرقاء اللبنانيين بمناقشات تهدد السلم الاهلي، بينما التركيز الآن يجب ان يكون على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، وهو ابلغ الرئيسين عون وبري «بهواجس» المملكة. وكان لافتا ان «التعليمة» السعودية الموحدة للمعتذرين والمنتقدين ركزت على رفض المؤتمر التأسيسي وعادت «نغمة المثالثة» الى الواجهة من جديد. وقد برر رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب «القوات» الوزير السابق ريشار قيومجيان، اعتذار حزبه عن حضور العشاء قبل الغائه بالقول «أن الدعوة كانت موجهة من منظمة «هيومن دايلوغ» وليس عن طريق السفارة، بهدف تبادل الآراء حول الاوضاع العامة في لبنان، إلا أنها اخذت منحى حوار بين المكونات اللبنانية ومقدمة لمؤتمر حوار في سويسرا، وموضوعه البحث عن طائف جديد»، واضاف نحن «كحزب قوات لبنانية لسنا في هذا الوارد»..
وفي دلالة على «خرق» الرياض لتكتل «التغيير» خرج النائب وضاح الصادق عن طوره احتجاجا على دعوة النائب منيمنة الى العشاء، وهدد بفرط تحالف النواب الـ 13، رافضا اي كلام عن مؤتمر تأسيسي في هذه الظروف.!
حركة «بلا بركة» رئاسياً
رئاسيا، لا جديد عمليا يمكن ان يوصل الى انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ووفقا لمصادر مطلعة فان كل الاطراف السياسية باتت تسلم بهذا الامر، وتعدّ العدّة لجولة «كباش» قاسية بعد الفراغ الرئاسي. وفي الوقت المستقطع، وفيما رفضت «القوات» الحوار رئاسيا مع «التيار الوطني الحر»، كسر تكتل لبنان القوي «جليد» العلاقة مع الرئيس نبيه بري دون «اوهام» كبيرة، «بردم الهوة» بين الطرفين، حيث لا تزال الاختلافات كبيرة، حيث زار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على رأس وفد عين التينة امس، في اطار الجولة على الأطراف السياسية في لبنان لعرض «ورقة الأولويات الرئاسية»، وسلّم برّي «ورقة الأولويات».
بري يتعهد بالدعوة «للحوار»
ووفقا للمعلومات، فان بري وعد ببذل كل جهد لعدم وقوع الفراغ، وقال انه سيدعو لجلسات متتالية، كما تعهد بالدعوة الى حوار جامع للتوافق على اسم رئيس للجمهورية اذا وقع الفراغ. وأعلن باسيل بعد اللقاء أنّه لمس لدى بري كلّ التفهّم والاستعداد والإيجابية للقيام بالحوار، وأشار إلى أنّ أنّ الرغبة في الحوار موجودة ليس فقط على البرامج، بل على الأسماء أيضاً. أضاف باسيل أنّ «نظامنا يحتّم علينا التوافق بالحدّ الأدنى لانتخاب رئيسٍ للجمهورية»، معتبراً أنّ «الحريص على عدم الدخول في الفراغ يجب أن يتكلّم مع الآخرين». ورأى أنّ «من الطبيعي أن يكون هناك تواصل، وإلا كيف سننتخب رئيس جمهورية إن لم نتواصل مع بعضنا»؟ مضيفاً: «إنّنا نسعى للاتفاق على آفاق العهد الجديد ونحاول أيضاً التوافق في ما بيننا كقوى سياسية لتجنب الفراغ».
لبنانالصحف
التعليقات