مما لاشك فيه أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ألقت بظلالها على معظم دول العالم وطوقته بسلسلة من التحديات الاقتصادية التي قد تخلف وراءها أزمة عالمية غذائية.
ويبدو أن آثار هذه الحرب طالت أخيرا قطاع تربية الدواجن في مصر، أو هذا على الأقل ما أظهره مقطع فيديو تم تداوله بكثافة خلال الساعات الماضية في البلاد.
فقد أقدم عدد من مربي الدواجن في مصر على إعدام عشرات الصيصان، مما أثار موجة غضب شعبية دفعت بالبعض إلى إطلاق وسم “إعدام الكتاكيت”.
وعلى مدى الساعات الماضية، انتشرت مقاطع مصورة تظهر “إعدام الكتاكيت الحية خنقا عبر وضعها داخل حقائب بلاستيكية كبيرة”.
“أزمة خطيرة” أم “مجرد زوبعة”
وقال نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن في مصر، ثروت الزيني، في مداخلة متلفزة إن “منتجي الدواجن يلجؤون لإعدام آلاف الكتاكيت بسبب شح الأعلاف وارتفاع أسعارها في الأسواق”.
وأضاف الزيني أنه “لا يمكن فعليا حصر أعداد الكتاكيت التي تم التخلص منها لأن مصر تنتج يوميّا نحو 4 ملايين دجاجة”.
وكاقتراح لحل الأزمة، طالب الزيني بضرورة الإسراع “بالإفراج عن الأعلاف والمواد الخام المتكدسة منذ شهرين في الموانئ المصرية”.
وحذر الزيني من أن استمرار الأزمة “سيتسبب في ارتفاع أسعار الدواجن والبيض بشكل جنوني لن يتحمله المواطن المصري”.
وفي خطوة أثارت مخاوف البعض، نشر الزيني تدوينة مرفقة بصورة نعى فيها “صناعة الدواجن”.
فقد تؤدي الأزمة إلى “توقف إنتاج قطاع الدواجن مما قد يؤثر على الأمن الغذائي في البلاد”، بحسب ما ذكره رئيس اتحاد منتجي الدواجن.
أما وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، السيد القصير، فقد وصف لقطات إعدام الكتاكيت بأنها “حالات فردية لمربي أو اثنين”.
ورغم إقراره بالأزمة، إلا أنه حذر من تضخميها، وقال إن “أهل الشر يتعمدون نشر الذعر بين الناس وتهويل المسألة”.
وأشار إلى أن “الوزارة تسعى إلى حل الأزمة وتوفير المواد المطلوبة”.
من المسؤول: “الأشرار أم الدولار أم الحرب”؟
أما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تباينت تعليقات وتحليلات المصريين للمشهد وتداعياته، لكن أغلبهم أعرب عن صدمته لدى رؤية فيديو إعدام الصيصان.
فمن المعلقين من وصف ما حدث بأنها “جريمة تستوجب العقاب”.
كما اقترح البعض “توزيع تلك الصيصان على الناس في القرى والأرياف للاستفادة منها بدلا من إعدامها”.
وثمة من أنحى باللائمة على التجار ومربي الدجاج في “تدمير ثروة حيوانية لتحقيق جملة من المكاسب الخاصة” على حد قولهم.
وفي هذا السياق كتبت المعلقة إيمان عبد الرحيم: “يجب أن تتدخل الحكومة فورا لحل هذه الكارثة. لا يتحمل البلد أزمات أخرى. إهدار ثروة لعدم توفر الأعلاف يدل على وجود مشكلة وكارثة كبيرة. فما الأسباب وما هي الحلول؟”.
تبريرات وتفسيرات متباينة
في المقابل، حاول آخرون تبرير موقف مربي الدواجن، واعتبروا أن “نقص الحبوب والأعلاف سيجبر أي مزارع على إعدام تلك الطيور الداجنة”.
وانخرط العديد من المزارعين في النقاش الدائر عبر مواقع التواصل.
فمنهم من عبر عن قلة حيلته، مشيرا إلى أنه “اضطر للتخلص من تلك الكتاكيت الصغيرة بعد عجزه عن دفع الفواتير وتوفير الحبوب اللازمة لإطعامها”.
كما أرجع بعض المربين أسباب الأزمة إلى “ارتفاع أسعار الحبوب” وقالوا “إنها زادت قرابة الضعف جراء الحرب الروسية في أوكرانيا”.
في حين عزا آخرون المشكلة إلى عوامل طويلة الأمد بعضها ليس وليد الحرب الروسية الأوكرانية.
فثمة من رأى في “أزمة الجنيه واعتماد الدولة المفرط على الاستيراد مقابل ضعف الإنتاج” عوامل رئيسة وراء أزمة الدواجن في مصر.
كما أشار فريق إلى أن “بعض الفلاحين استطاعوا استيراد كميات كبيرة من الحبوب والذرة، إلا أنها ظلت حبيسة الموانئ نظرا لعدم وجود اعتمادات دولارية لسداد ثمنها”.
ومن جهة أخرى، يعتقد فريق من المعلقين أن سبب الأزمة مرده “تهاون الدولة في إعداد خطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الاستراتيجية وانصرافها إلى بناء مشاريع لن تحمي المصريين من عواقب الحروب والأزمات الدولية”.
على صعيد آخر، ثمة من رأى في الأزمة أبعادا خطيرة وطالب الحكومة بالتعامل معها بمنتهى الجدية حتى لا تنتج عنها أزمات مركبة.
بينما رأى البعض في ما يحدث مؤشرا على “وجود صراع بين الدولة والمنتجين في قطاع الدواجن”.
وتوقع البعض أن تتدخل الدولة لإنهاء الأزمة عبر استيراد قطع الدجاج المجمد بسعر أرخص، ما قد يحدث تعارضا فعليا أو محتملا في المصالح بين الحكومة والمربين.
وإثر انتشار المقاطع المثيرة للجدل، تقدم بعض البرلمانيين بطلب لاستجواب رئيس الوزراء ووزير الزراعة حول الأزمة.
أما وسائل الإعلام الخاصة والمملوكة من الدولة فقد سعت إلى التهوين من وطأة الأزمة، وأنحى بعضها بالائمة على الاتحاد العام لمنتجي الدواجن.
وبعيدا عن الجدل، اكتفى مغردون بمتابعة الحدث، مستعينين بمشاهد من مسرحيات ومسلسلات تعبر عن أحوالهم في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة و”انغلاق الأفق”.
قطاع الدواجن في مصر
وتشير إحصاءات إلى أن حجم الاستثمار في قطاع الدواجن في مصر يبلغ 100 مليار جنيه مصري، أي ما يقارب 5.5 مليارات دولار.
وشهدت أسواق الدواجن المصرية ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار، مما أثر على ميزانية الأسر.
وقد استقرت أسعار الدواجن يوم الاثنين، بين 32 و34 جنيها للكيلو في المزارع، فيما تراوحت أسعار الكتاكيت بين 5 إلى 9 جنيهات.
وبحسب تقديرات غير رسمية، تحتاج كل مزرعة إلى 25 ألف طن من الذرة والصويا يوميا حتى تتمكن من إطعام الدواجن لديها.
لكن ارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج جراء الحرب باتت تهدد هذا القطاع الذي يوفر فرص عمل لحوالي 3 ملايين مصري.