أخيراً، تم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بعدما كان متعثراً لفترة 10 سنوات من خلال الحكومات المتعاقبة، واليوم باتت الأنظار متجهة إلى ما بعد الترسيم، وتحديداً إلى بنود الاتفاق التي صيغت بأنامل أميركية، ووافق عليها الطرفان اللبناني والإسرائيلي، برعاية أممية.
واشنطن التي استعجلت المضي قدماً بهذا الاتفاق، أرادت قطع الطريق على الدبّ الروسي، بهدف الاستغناء عن سيطرة موسكو الغازية على الأسواق الأوروبية، فجاءت اللحظة المؤاتية للإدارة الأميركية كي تسرّع عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الحليف الرئيسي لواشنطن، ليكون بديلاً عن الغاز الروسي بالتعاون مع دول أخرى صديقة لبلاد العام سام.
لكن الأهم، بنظر الإدارة الأميركية، هو أن أي اتفاق مع إسرائيل يخفّف التوتر في المنطقة، ويقلِّل من مخاطر حزب الله ويضعف قوته، بالتالي ضغطت باتجاه إنجاز الترسيم في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن.
تشير مصادر مقربة من الإدارة الأميركية، إلى أن “اتفاق الترسيم ثلاثيّ، بين لبنان وإسرائيل وأميركا، أي أنه لولا موافقة جميع أطراف هذا الثلاثي لما نجح الاتفاق. فمنذ 10 سنوات طرح موضوع الترسيم، وكانت الحكومات السابقة تعمل على هذا الملف والبحث في إمكانية أن يكون هناك 10 بلوكات في المياه اللبنانية تحتوي على الغاز. وآنذك كانت دول المنطقة تبحث عن حقول النفط في مياهها الإقليمية”.
وتلفت، في حديث عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الخلافات اللبنانية الداخلية أعاقت مسألة الترسيم كثيراً، خصوصاً في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، إذ إن الحكومة اللبنانية لم تسر في هذا الاتفاق، كما أن قضية الاتفاق على الخطوط البحرية أخّر البت بالمفاوضات، إضافة إلى عدم الاعتماد على خطّ معين”.
وتعتبر المصادر، أن “الاستعجال في المفاوضات أتى من الجانبين اللبناني والاسرائيلي. فرئيس الجمهورية ميشال عون لا يريد انتهاء العهد قبل تحقيق ما يعتبره بمثابة انجاز يُحسب له. وبدورها إسرائيل تريد تحقيق المكاسب النفطية، في ظل أزمة الغاز العالمية. بالتالي، كل هذه العوامل جعلت من أميركا وسيطاً أساسياً في عملية الترسيم، والراعي الأول لهذا الاتفاق عن طريق كبير مستشاريها لأمن الطاقة أموس هوكشتاين”.
وتوكد أن “لأميركا دور أساسي، كون كل رئيس أميركي يريد أن يحصل على اتفاق اسرائيلي عربي في مكان ما، وهذه طريقة متّبعة منذ زمن بعيد. بالتالي أصرَّ الرئيس بايدن على إبرام اتفاق الترسيم الذي كان يخطِّط له منذ عهد أوباما عندما كان نائباً للرئيس. ومن الطبيعي أن تحصل ضغوط أميركية باتجاه أي اتفاق عربي إسرائيلي، على قاعدة أن أي اتفاق سيؤدي حكماً إلى تخفيف التوتر على إسرائيل، ويضعف حزب الله كثيراً. لذلك رحّب بايدن بالاتفاق واعتبره انتصاراً للإدارة الأميركية، وما يهمّ أميركا هو الترسيم أكثر منه وجود النفط في البحر أم لا”.
وتوضح المصادر، أن “الإدارة الأميركية مهتمة أيضاً على المدى البعيد، في حال تم التنقيب وعثر على كميات من الغاز، بتركيب الخط النفطي الذي يؤدي إلى أوروبا، وهذا كان مدار بحث بين واشنطن والدول الخليجية، بهدف الاستغناء عن الغاز الروسي. علماً أن هذه العملية بحاجة إلى الوقت، لكنها كانت أساسية في عملية دفع مفاوضات الترسيم إلى الأمام. كما أن المصلحة الاستراتيجية الأميركية لعبت دوراً في صياغة البنود ووضع الشروط، ليكون لبنان من ضمن البلدان الحليفة لأميركا، خصوصاً أنه بلد مجاور لإسرائيل، وأي عملية استخراج ستخضع للشروط التي تتعامل معها أميركا في المنطقة، لأن في ذلك مصلحة لكافة الدول التي تدور في فلكها، أي الدول الحليفة التي تعتمد عليها واشنطن لإبرام العمليات النفطية وتكون بديلاً للغاز الروسي، وهذا يعزّز قوة أميركا مع حلفائها”.