عادت المدارس إلى نشاطها السنويّ، وبدأ جدل الأقساط والتجاذب ما بين أهالي الطلاب والإدارات، حيث الواقع الصعب مفروض على الجميع. والمدرسة، كسائر القطاعات، تدفع نفقاتها بالدولار، وتسعى للاستمرار وتأمين رواتب أساتذتها.
في المقابل، الموظف، لا سيما موظف القطاع العام، لا يزال راتبه على حاله، فمن أين يأتي بالأقساط التي تدَولَرَ جزءٌ منها هذا العام؟
ففي الوقت الذي أكّد فيه وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، قبوله إنشاء صندوق في المدارس الخاصّة لتغطية التكلفة التشغيليّة، طالب بإعفاء أبناء كلّ العاملين في القطاع العام من دفع أيّ مبلغ بالدولار، مهدّداً بأنّه “في حال مخالفة أيّ مدرسة، لدينا أدوات قانونيّة لأخذ أقصى العقوبات بحقها”.
لكن القانون 515 ينصّ على استيفاء المدارس أقساطها بالليرة اللبنانية حصراً، لكن في ظلّ الوضع الاستثنائي الذي يمرّ، فرضت معظم المدارس على تلامذتها زيادة على أقساطها بالدولار، إلى جانب الزيادة بالليرة.
الأقساط هذا العام “بتقصّ الظهر”
إحدى الأمّهات تروي أنّ ابنتها تتابع دراستها في مدرستها منذ الحضانة، وقد باتت في الصف الثانوي الثالث اليوم، وستخضع للامتحانات الرسمية هذا العام، ولا إمكانية لتبديل المدرسة بأخرى. لكن مدرستها طالبت العائلة هذا العام بـ350 دولاراً، إضافة إلى 16 مليون ليرة، بعد أن كان المبلغ 10 ملايين العام الماضي؛ فـ”المبلغ عالٍ جداً، وزوجي لديه فرنٌ صغيرٌ لا يكفي مردوده لتأمين هذا القسط، وجميع المدفوعات أصبحت بالدولار”.
كذلك، يشرح سليم (أب لولدين في الصفوف الإعداديّة) بأنّ قسط ابنه الأكبر كان بقيمة 5 ملايين ليرة، العام الماضي، وقسط ابنه الأصغر بلغ 4 ملايين ونصف مليون ليرة. وقد فرضت المدرسة زيادة قيمتها 3 ملايين ليرة على كلّ ولد. أمّا هذا العام، وبسبب الوضع الخاصّ لأحد أبنائه، قرّر سليم نقل أولاده إلى مدرسة أخرى. لكن هذه المدرسة طلبت هذا العام 10 ملايين ليرة و300 دولار كقسط، ومليون ليرة بدل تسجيل كلّ ولد.
يقول سليم: “لو كان المبلغ المطلوب بالليرة، لكان تأمينه سهلاً، أمّا تأمينه بالدولار فدونه صعوبات؛ فراتبي وراتب زوجتي بالليرة، وجزء قليل جداً منه بالدولار، وحساباتنا في المصرف محجوز عليها”.
يتحدّث سليم بأسفٍ أنّه سيسجّل أولاده في بداية العام، من دون أن يعلم “كيف سنستمرّ في هذا العام الدراسي، فالأقساط بـ”تقصّ الظهر””.
في سياق مواقف الأهالي، توضح المستشارة القانونية لاتحاد هيئات لجان الأهل في المدارس الخاصة، المحامية مايا جعارة، لـ”النهار”، بأنّ الزيادات التي ستلحق بالأقساط تتجاوز قدرات عدد كبير من الأهالي، لأن المدارس من جهة، والأساتذة من جهة أخرى، قرّرا التنصلّ من عبء الأقساط، وفضّلا رمي القسم الأكبر من هذا العبء في ملعب الأهالي المتروكين لمصائرهم”.
برأيها: “دولرة الأقساط متّجهة للارتفاع من دون سقف منظور. فقد عجزت وزارة التربية عن إيقاف هذا الواقع المستجِدّ، حتى أصبح الأمر واقعاً، بالرغم من أنّه بموحب القوانين المرعية الإجراء، لا سيّما القانون ٥١٥/٩٦، تُحصّل الأقساط بالليرة اللبنانية، على الرّغم من وجوب التقدّم باقتراح قانون لتعديل هذا القانون لوضع ضوابط واضحة وسقوف على الأقساط”.
ويُطالب الأهالي الوزارةَ، بلسان جعارة، بتوزيع الأعباء بشكل عادل على الأسرة التربوية، وباحتساب الأموال المحوَّلة من حساب الأهل إلى حساب المدرسة على أنّها أموال نقدية تُدفَع لغاية التعليم الذي هو حقّ أساسي من حقوق الإنسان.
ولا يقبل الأهالي التمييز في أن يُعفى أولاد موظفي القطاع العام من الزيادات، وفق جعارة، “في حين نعلم أنّ إجراءً كهذا سيحمِّل فرقَ القسط لبقيّة الأهالي، الذين أصبحوا بأغلبيّتهم السّاحقة، معدَمين، وبالكاد يعيشون”.
المدارس كسائر القطاعات…إلى الدولرة دُر
“نحن ملتزمون بالكامل بالقانون 515، وبتقاضي الأقساط بالليرة، لكنّنا نمرّ بظروف استثنائيّة تستدعي إجراءت استثنائية. فالأستاذ لم يعد يكفيه راتبه في ظلّ الغلاء الفاحش، إضافة إلى غياب استقرار سعر صرف الدولار، والاقتصاد في لبنان يتدولر. لذلك، فلنكن شفّافين تجاه الأهالي بشأن الأكلاف التي ندفعها بالدولار!”. هذا ما يؤكّده منسِّق اتحاد المؤسّسات التربوية الخاصّة، الأب يوسف نصر، في حديث لـ”النهار”.
في الوقت عينه، لا يُمكن تحديد النسبة المفروضة بالدولار على القسط، لأن الأمر يختلف في ما بين المدارس؛ فهناك مدارس مجانيّة لن يسعها تقاضي أيّ مبلغ بالدولار – وفق نصر – لكن يتراوح المبلغ ما بين 90 و800 دولار تبعاً لاختلاف المدارس.
وقد أكّد نصر أنّ “موازنة الاتحاد لا تزال بالليرة اللبنانية، لكن هناك فكرة إنشاء صندوق دعم بالدولار خارج الموازنة، أي لا علاقة له باستيفاء الأقساط، يُغذّى من جانب الأهل والمساعدات، ويكون هدفه أولاً دعم المعلّمين بالدولار الفريش ليعيشوا بكرامتهم. وثانياً، هناك المصاريف التشغيليّة للمؤسّسة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، كما أنّ المدرسة المجانية تعاني الأمَرّين. هناك 330 مدرسة مجانيّة محكومة بالإعدام في الواقع الراهن، إن لم تتمّ مساعدتها، ولا يجوز أن تبقى مقيَّدة بالقوانين”.
ويُشدّد الأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل قسطا، في حديث لـ”النهار”، على أنّ المشكلة الكبرى هذا العام هي الحاجة إلى الأساتذة، “فالمدرسة بحاجة إلى تقديم دعم لهم بالدولار لكي يستمرّوا ويبقوا”.
ويتراوح معدّل أقساط المدارس الإنجيلية هذا العام ما بين 10 ملايين إلى 12 مليون ليرة، إضافة إلى جزء سيتم تقاضيه بالدولار يتراوح ما بين 250 إلى 600 دولار.
يستغرب “قسطا” موقف البعضِ من الأهالي تجاه زيادات الأقساط، لكنّه يقدّر في الوقت نفسه تجاوب البعض الآخر، ويقول: “في بعض مدارسنا هناك أعداد من الأهالي شكرت الإدارات على هذا الإجراء حفاظاً على تربية أولادهم”. فأعلى قسط – وفق قسطا – لا يزيد عن 90 – 100 دولار شهريّاً، إذا ما شملنا جزئَي القسط بالليرة وبالدولار، ويُضيف أنّه – مبدئياً – “ليس من مسؤولية المدارس الخاصّة، ولا هي ملزَمة بإعفاء أهالي الطلاب العاملين في القطاع العام من الزيادة بالدولار”، ليؤكّد تالياً الاستعداد “لمساعدة الأهالي من الجيش وقوى الأمن الداخلي بسرور، وعدا ذلك، سندرس أوضاع الأهالي حالة بحالة”.
وبرأيه: “القانون 515 هو قانون بالٍ، وبحاجة إلى إعادة تشريع مع قانون حديث، فهو أُقِرّ في التسعينيّات والعملة حالياً تغيّرت.
وستعمل المدارس الإنجيلية، كما جرت العادة، على تخصيص تسهيلات في الأقساط لمَن لديه عدة أولاد في المدرسة نفسها، أو في حال كان الطالب متفوّقاً أو بارعاً في الرياضة”.
لكنّه يأسف لأنّه “لم نعد نتحدّث بالتربية في صروحنا التعليمية، إنّما بات الحديث عن الدولار والمازوت والكهرباء، ممّا ينعكس سلباً على تلاميذنا”.
في إحدى مدارس كفرشيما، تعتمد المدرسة صندوق دعم بالدولار، حيث على الأهالي وضع مبلغ 300 دولار ليحصلوا على خصم يبلغ 15 إلى 20 في المئة، بحسب عدد التلاميذ الإخوة في المدرسة، وفي حال كان للأهالي وضع خاص، سيُنظَر فيه.
ويبلغ معدّل الأقساط في هذه المدرسة نحو 11 مليون ليرة، إلى جانب المبلغ المفروض بالدولار. وتعفي المدرسة أهالي الطلاب، المنتسبين إلى الجيش، من تسديد مبلغ الدولار، في الوقت الذي يخضع فيه موظفو القطاع العام لحسم فقط وليس للإعفاء.
أمّا مدير مدرسة القديس جاورجيوس في الحدث، أحمد علامة، فيؤكّد لـ”النهار” أنّ “المدارس غير ملزَمة بإعفاء أهالي القطاع العام من تسديد الزيادة بالدولار، فنفقات المدارس كلّها بالدولار، كباقي القطاعات كافة. لكن هناك خصومات للأهالي غير القادرين على تسديد هذه المبالغ، وذلك ضمن سياسة المدرسة”. وبنظره: “إن أرادت الدولة دعم أهالي الطلاب في القطاع العام، فعليها رفع المنح التعليميّة لهؤلاء الموظّفين”.
وقد ارتفع القسط بالليرة في المدرسة المذكورة، كما في جميع المدارس، مع ارتفاع رواتب الأساتذة، ليُصبح بمعدل 9 ملايين إلى 10 ملايين ليرة، يُضاف إليها مبلغ 250 دولاراً للصفوف الأساسيّة، و300 دولار للحلقات العليا، “فالبلد تدولر، والأهالي يتفهّمون هذا الواقع، بالرغم من أنّ هذا العام سيكون عام عدم الرضا من أيّ طرف في الأسرة التربوية، لأن الواقع صعب”، وفق تعبير علامة.
إلى ذلك، رفعت ثانوية راهبات المحبّة القسط بالليرة ليُقارب الـ7 ملايين ليرة والنصف، لكنّها لم تطلب جزءًا بالدولار إنّما خصّصت صندوق دعم بالدولار للأساتذة حصراً بمبلغ 250 دولاراً في العام، ويكون مقسَّماً على 3 فصول.
في هذا الصدد، توضح مديرة المدرسة، الأخت ندى أبو فاضل، لـ”النهار”، بأنّ “إعفاء الأهالي العاملين في القطاع العام من تسديد المبلغ المتوجِّب بالدولار أمرٌ صعب علينا، لأنّ 60 في المئة من أهالي طلابنا هم إمّا من الموظفين في القطاع العام أو في قوى الأمن الداخلي”.
وتُضيف أنّ عدم فرض جزء من القسط بالدولار ليس التزاماً بالقانون أبداً، لكنّه يأتي “إيماناً منّا بمساعدة أهالي الطلاب، فأقساط المدرسة لا تزال مقبولة جداً مقارنة بمدارس أخرى، ومَن ليس قادراً سيُنظر بوضعه”.
التعليقات