تسببت حرب أكتوبر نوعا من التلاحم الشعبي مع مؤسسات الدولة، حيث توحد الجميع خلف قواتنا المسلحة لاستعادة الأرض وتحقيق النصر، وفي سبيل ذلك ارتفعت الروح المعنوية، وخلت البلاد من وقوع أية جرائم خلال فترة الحرب.
وفي هذا الإطار، يقول اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق، لم تسجل دفاتر قيد الأحوال والقضايا أية قضايا، خلال هذه الفترة، حيث اختفت الجريمة تماماً وسادت أجواء المحبة بين الجميع.
وأضاف الخبير الأمني، في حديثه لـ”اليوم السابع”، أن الأمور داخلياً كانت هادئة، وأن الشرطة كانت تؤمن الجبهة الداخلية والمنشات.
أغلقت الأبواب الحديدية لمركز عمليات القوات المسلحة المصرية، واستبدلت بخرائط التدريب، خرائط خطط العمليات، وكان ذلك إيذانا باقتراب ساعة بدء الحرب ضد إسرائيل، حسبما يذكر فى مذكراته «حرب أكتوبر 1973»، المشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات الجيش المصرى وقتئذ، ووزير الدفاع فيما بعد.
يؤكد «الجمسى»: من المتابعة المستمرة لنشاط العدو بمعرفة إدارة المخابرات الحربية، وصلنا إلى قناعة بأن العدو لم يكشف نوايانا الهجومية حتى تلك اللحظة، إلا أن الساعات القليلة الباقية تعتبر فترة حساسة قد يلجأ العدو فيها إلى استخدام سلاحه الجوى ضدنا أو ضد سوريا، يضيف الجمسى: «فى قرابة الساعة الثانية عشرة ظهر هذا اليوم، 5 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، سألنى الفريق أول أحمد إسماعيل، وزير الحربية، وكان السؤال هو الثالث خلال اليوم نفسه عن موقف العدو، وأتذكر أننى قلت له: «سبق السيف العزل بالنسبة لإسرائيل، فقد أصبح الوقت متأخرا كى يتمكن العدو من القيام بعمل عسكرى مؤثر».
أما الرئيس السادات، فكان النوم عصيا عليه فى ليل 5 أكتوبر، وتناول مهدئا حتى يستطيع أن يغفو ولو لساعات، لأن «أمامنا فى الغد يوم رهيب.. رهيب»، بتعبيره الذى ينقله محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73- السلاح والسياسة»، وهرب النوم من السادات، بعد اجتماعه الأخير مع القيادة العسكرية فى مقر العلميات وهو المركز رقم 10 ووفقا لهيكل، فإن الرئيس
تلقى فى هذا الاجتماع صورة مشجعة من الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى زار منذ الصباح 5 أكتوبر مواقع الجيش، ليتأكد من أن كل شىء يسير على ما يرام، وكانت الصورة مشجعة لأنه لا يوجد أى إشارة من إسرائيل تدل على شعورهم بأن الحرب قادمة بعد ساعات.
يذكر الشاذلى فى مذكراته «حرب أكتوبر»: «دخلت على اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث فى مركز قيادته، فوجدته يراجع الكلمة التى سيلقيها على جنوده عند بدء القتال، فعرضها على وطلب رأيى فيها، كانت كلمة قوية ومشجعة حقا، قلت له: «إنها ممتازة ولكنى لا أتصور أن أحدا سيسمعها، إن هدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أوينصت لأحد، فما بال بهذه الخطبة الطويلة؟»،
يضيف الشاذلى: «لمعت فى ذهنى فكرة بعثها الله تعالى لتوها ولحظتها. إن أفضل شىء يمكن أن يبعث الهمم فى النفوس هو نداء الله أكبر، لماذا لا نقوم بتوزيع مكبرات للصوت على طول الجبهة وننادى فيها «الله أكبر، الله أكبر سوف يردد الجنود بطريقة آلية هذا النداء، وسوف تشتعل الجبهة كلها به. إن هذه هى أقصر خطبة وأقواها»، وافق «واصل» على ما ذكره الشاذلى، لكنه أخبره بأنه ليس لديه العدد الكافى من مكبرات الصوت، لتغطية مواجهة الجيش الثالث، فقام الشاذلى بالاتصال بمدير إدارة الشؤون العامة من مكتب الفريق واصل، وطلب منه تدبير 50 مكبر صوت ترانزستور، وتسليم 20 منها إلى الجيش الثالث و30 إلى الجيش الثانى، على أن يتم ذلك قبل الساعة العاشرة من صباح الغد «6 أكتوبر».
أخطر السادات القيادات العسكرية فى اجتماعه معهم بـ«المضى قدما على خيرة الله»، وفقا لتأكيد هيكل، مضيفا أنه أبلغهم عزمه على عدة نقاط وهى «أنه هو شخصيا سيحضر معهم غدا مراحل العملية الأولى ليطمئنه على نجاحها، ثم إنه بعد ذلك سيتركهم ليشوفوا شغلهم وفق خططهم وعلى أساس علمهم، ولن يتدخل فى مجرى العمليات، وليس لهم أن يتوقعوا تكرارا لمثل ما حدث من قبل، خصوصا فى معركة سنة 1948 من ناحية الاستجابة لقرارات بوقف إطلاق النار قبل الآوان، تعقبها عودة إلى إطلاق النار ثم هدنة، وهكذا، وأكد الرئيس: هذه الصورة لن تتكرر ولن تكون هناك «هدنات» من أى نوع».
أضاف السادات: «أنه مع إدراكه لأهمية أن يتواكب العمل الدبلوماسى مع العمل العسكرى، لكنه مؤمن بأنه لا يمكن قبول أى مبادرة دبلوماسية، إلا بعد أن يكون العمل العسكرى وصل إلى حد يسمح بإزالة آثار العدوان كاملة عن التراب المصرى والتراب السورى، وأن القوات المسلحة بجهدها وتضحياتها خلال الأيام المقبلة، هى التى ستعطيه الأرضية السياسية التى يستطيع أن يتحرك عليها لإزالة آثار العدوان بالكامل وإعادة بناء مصر من جديد».
خرج السادات بعد الاجتماع متوجها إلى قصر الطاهرة، الذى اختاره مقرا لقيادته فى الحرب، ويذكر هيكل فى كتابه «الطريق إلى رمضان»، أنه خلال هذا الاجتماع فى المركز «رقم 10» حدث مشهد مؤثر بدأه الفريق إسماعيل، بحضور الرئيس السادات، فقد طلب من جميع الحاضرين أن يقسموا على القرآن الكريم القسم التالى: «نقسم بالله العظيم على هذا القرآن، أن يبذل كل منا ما فى وسعه حتى النفس الأخير، لننجز المهمة الملقاة على عاتقنا».
التعليقات