- سلمى خطاب
- بي بي سي نيوز – القاهرة
يحاول محمود (اسم مستعار) الأستاذ الجامعي استعادة حياته وإصلاح الأضرار التي طالته هو وأسرته لنحو عامين وأربعة أشهر قضاها في الحبس الاحتياطي على ذمة قضية اتهم فيها بالانتماء إلى جماعة إرهابية.
أُفرج عن محمود بعفو رئاسي منذ عدة أشهر، لكنه فوجئ بقرار فصله من جامعته بعد نحو شهرين من قرار الإفراج، ليجد نفسه أمام أزمة جديدة.
محمود واحد من مئات صدرت قرارات بإخلاء سبيلهم بعفو رئاسي خلال الشهور الماضية بعد سنوات قضوها في الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا ضمن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي.
وعادة كانت توجه لهؤلاء المعتقلين تهم متنوعة مثل الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول العديد منهم إنهم يواجهون صعوبة في العودة إلى أعمالهم ومواصلة حياتهم بشكل طبيعي، نتيجة لعقبات قانونية وإجرائية، كما يواجه بعضهم صعوبات في التنقل والسفر، إضافة إلى استمرار تجميد أموال بعض منهم.
وتعمل لجنة العفو الرئاسي مع الجهات المختصة لبحث الشكاوى المقدمة من الكثير من المفرج عنهم.
“بيروقراطية وتعنت إداري”
في حديثه مع بي بي سي يقول محمود إنه توجه إلى جامعته بعد الإفراج عنه بأيام، مطالبا باستعادة عمله، لكن الجامعة طالبته بخطاب من نيابة أمن الدولة يفيد بموقفه القانوني. أضاف محمود أنه أوضح لإدارة الجامعة أن النيابة لا تخاطب الأفراد، خاصة أن مدة الاحتجاز طويلة.
ويضيف الأستاذ الجامعي “فوجئت بقرار إنهاء خدمتي، على اعتبار أن فترة احتجازي هي فترة انقطاع عن العمل، علما أن زوجتي قدمت للجامعة ما يفيد باحتجازي، وحينها قرر المستشار القانوني أن يعاملني وفقا للقانون، وقرر صرف نصف الراتب الأساسي، والذي استمر صرفه منذ بداية احتجازي لمدة تزيد على ثلاث أعوام وحتى بعد خروجي من السجن بشهر”.
وينص قانون الخدمة المدنية المصري على أن يحصل الموظف الذي يحبس احتياطيا على ذمة قضية أو من ينفذ حكما جنائيا غير نهائيا على نصف أجره، في حين يحرم من كامل أجره إذا تمت إدانته وصدر بحقه حكما نهائيا.
كما يمنع القانون إنهاء خدمة الموظف ما لم يتم الحكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة أو تفقده الثقة والاعتبار، لكنه يجيز إنهاء عمله إذ انقطع عن العمل لمدة 15 يوما متصلة أو 30 يوما منفصلة دون إذن أو عذر مقبول.
يعاني محمود مما وصفه بـ “آثار غير محدودة” على المستوى المادي والمعنوي بسبب توقفه عن العمل بسبب ما يصفه بـ”البيروقراطية والتعنت الإداري”، لكنه يحاول مواجهة التأثيرات التي نتجت عن فترة احتجازه.
تقدم محمود بشكوى رسمية إلى إدارة الجامعة، ويعتزم السير في الإجراءات القانونية للمطالبة بالعودة إلى عمله، لكنه يأمل أن يتم حل هذه المشكلة عن طريق تدخل سياسي حيث يقول “وصلني من أعضاء لجنة العفو أن هناك توجها لحل هذه المشكلة لي ولغيري، نتمنى أن تُحل المشكلة بشكل سريع وأن لا نضطر إلى الذهاب إلى المحكمة”.
المشكلة ذاتها يواجهها حسين (اسم مستعار) الموظف الكبير بإحدى الشركات الحكومية، والذي تم احتجازه لمدة عامين وشهرين للتحقيق معه في اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول حسين لبي بي سي “خرجت من الحجز بعفو رئاسي ولم أتمكن من العودة إلى عملي، لأني مازلت مقيدا على ذمة القضية، وبعض الشركات والجامعات وأماكن العمل لا تفضل إعادة من هم على ذمة قضايا إلى أعمالهم على اعتبار أنهم مذنبون، رغم أننا لم ندان، وقلب القانون يقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته”.
حاول حسين العودة إلى عمله بعد إخلاء سبيله، لكن إدارة عمله رفضت تسليمه مهامه، وطالبته أيضا بالحصول على شهادة من نيابة أمن الدولة العليا تفيد بفترة احتجازه، وحفظ التحقيقات في القضية المتهم فيها، وهو الطلب الذي يصفه الموظف الحكومي بـ”التعجيزي”.
“بما أن الموضوع من بدايته استثنائي، نتمنى أن يكون الحل استثنائي من الإدارة السياسية”، يقول حسين وهو يتساءل عن الطرق التي يمكن عبرها حل الأزمة، “يحتاج الموضوع الى وقت وبالنسبة لي وللعديد من الأشخاص، لن نتحمل لا ماديا ولا نفسيا أن نبقى من دون دخل للأسرة، خاصة وأن مثل هذه القضايا قد تستمر لسنوات، كيف ستتصرف حينها، هل نظل نتقاضى نصف الراتب إلى ما لا نهاية؟ في النهاية ليس بأيدينا إسقاط التهم أو غلق القضايا”.
“ممارسات بعيدة عن القانون“
يصف المحامي الحقوقي نجاد البرعي هذه الإجراءات بأنها “ممارسات بعيدة عن القانون” حيث يؤكد أنه لا يوجد قيود قانونية تمنع عودة المتهم الذي اٌحتجز على ذمة قضية إلى عمله بعد الإفراج عنه، لأنه حين يصدر القرار، بحبسه، تقوم أسرته بإجراء يسمى “حفظ وظيفة”، حيث تحصل العائلة على شهادة من النيابة تقدمها لجهة العمل حتى لا يعتبر منقطعا عن العمل ويتم فصله.
ويضيف البرعي “المشكلة تحدث حين يخرج الشخص من الاحتجاز ويرغب في العودة إلى عمله، حينها تطلب جهة العمل شهادة تثبت المدة التي قضاها الشخص قيد الاحتجاز، وعادة ما ترفض النيابة إصدار مثل هذه الشهادات، لأنه في بعض الحالات يقضى المتهم مدة أكثر من الحد القانوني للحبس الاحتياطي، أكثر من عامين”.
ويطالب البرعي باتخاذ إجراءين أساسيين لحل هذه الأزمة، الأول هو تسهيل إصدار الشهادات التي تثبت المدة التي قضاها الشخص في السجن، والثاني هو أن يبت في القضايا المعلقة، وأن تغلق هذه القضايا وتمنح شهادات بإغلاقها لمن انتهت بالنسبة إليهم.
“خدمة ما بعد العفو لإزالة وصمة السجن”
منذ بدء تنفيذ قرارات إخلاء السبيل، وتزايد الشكاوى حول صعوبة عودة من يفرج عنهم إلى أعمالهم أو لممارسة حياتهم الطبيعية، أعلنت لجنة العفو الرئاسي التي شُكلت في آيار/ مايو الماضي والمختصة ببحث حالات المسجونين احتياطيا أنها تعمل على إعادة دمج المفرج عنهم، وحل الأمور الإجرائية الاخرى التي تواجههم، مثل المنع من السفر أو التحفظ على الأموال.
في حديثه مع بي بي سي، يقول عضو لجنة العفو الرئاسي كمال أبو عيطة إن خروج الأشخاص من السجن وحده لا يفي بالغرض لأن “وصمة السجن” تظل تلاحق من حُبسوا وسُجنوا احتياطيا، حتى على المستوى الاجتماعي.
ويضيف أبو عيطة أن لجنة العفو الرئاسي وصلها العديد من الشكاوي التي تبحثها مع الجهات المختصة، مشيرا إلى أن اللجنة تمكنت من إعادة بعض الأشخاص إلى العمل، ورفع قرارات المنع من السفر والتحفظ على الأموال خاصة إذا كانت هذه القرارات “غير قانونية”.
يصف أبو عيطة هذه التحركات بـ”خدمة ما بعد العفو”، التي يؤكد أنها لا تقل أهمية عن قرارات إخلاء السبيل.
ورغم أن لجنة العفو الرئاسي لم تحصر إلى الآن عدد الطلبات التي تقدم بها من أخلي سبيلهم لإعادتهم إلى أعمالهم، إلا أن أبو عيطة يؤكد أنها “كثيرة جدا”.
ويرجع أبو عيطة أصل الأزمة إلى أن “الجهات الإدارية في مصر لا تفرق بين إخلاء السبيل على ذمة القضية وبين العفو الرئاسي”، ويقول إن “العفو هو محو الذنب من الأساس، والعفو الرئاسي هنا هو إنهاء المسألة برمتها، وأن لا يتم تعقب من تم العفو عنه بأي شكل، بالعكس، يجب إزالة الخطأ الذي تم بحقه، سواء كان السجن أو غيره”، لافتا إلى أن اللجنة تعمل على إعداد مشروع قانون تناقشه في إطار الحوار الوطني، يساهم في حل هذه المشكلة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد دعا في إبريل/ نيسان الماضي إلى عقد حوار وطني بحضور ممثلين عن جميع أطياف المجتمع المصري لوضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة والاتفاق على أولويات العمل الوطني.
وكبادرة إيجابية لهذا الحوار، شُكلت لجنة العفو الرئاسي لبحث حالات الأشخاص المحبوسين على ذمة قضايا، وإعداد قوائم بأسماء من لم يتورط في أحداث عنف منهم وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية لإصدار قرارات بالعفو الرئاسي.
وخلال الأشهر الماضية، أطٌلق سراح نحو 700 شخص، بينهم معارضون بارزون، لكن مؤسسات حقوقية مازالت تطالب بإطلاق سراح المزيد من السجناء، وتسريع وتيرة العفو الرئاسي، وتسهيل إعادة إدماج من يٌفرج عنهم في المجتمع.
التعليقات