لكن في مقابلة خاصة مع “سكاي نيوز عربية” ضمن برنامج “مواجهة” بثت، الخميس، نفى كبير مستشاري الرئيس التركي إلنور شفيق، وجود تقارب بين بلاده وسوريا، وإن أقر بوجود وقائع جديدة يجب أخذها في الاعتبار والتعايش معها، وهو ما أعتبره خبراء ومراقبون أنه قد لا يعكس بالضرورة الموقف التركي الرسمي المستجد من سوريا.
بداية التحول التركي
التحول المعلن في مواقف أنقرة حيال دمشق جاء في 11 أغسطس الماضي، جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، حيث قال :”علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم، يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا”.
بعدها بنحو أسبوع في 19 أغسطس قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه “لا يمكنه استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا في المطلق”، وليضيف ردا على سؤال عن إمكانية إجراء محادثات مع دمشق، إن “الدبلوماسية بين الدول لا يمكن قطعها بالكامل”.
الرئيس التركي أضاف بإن بلاده لا تهدف لهزيمة الرئيس السوري بشار الأسد، إذ قال “يتعين الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا من أجل إفساد مخططات ضد المنطقة”، مضيفا أن بلاده “ليست لديها أطماع في سوريا، وهي تولي الأهمية لوحدة أراضيها، وعلى النظام إدراك ذلك”.
منتصف شهر سبتمبر الجاري، كشفت وكالة “رويترز” استنادا لأربعة مصادر في دمشق وأنقرة أن رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان، ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك، التقيا في العاصمة السورية دمشق في أواخر شهر أغسطس الماضي، والتي هي حسب تلك المصادر تمهيد لعقد اجتماعات على مستوى وزيري خارجية البلدين في مرحلة لاحقة.
تقارب ملحوظ
يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة رائد العزاوي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هناك طبعا تناقض بين ما يجري في الغرف المغلقة ووراء الكواليس وبين تصريحات بعض المسؤولين الأتراك العلنية كما هي الحال مع تصريحات كبير مستشاري الرئيس التركي هذه، النافية لوجود تقارب مع سوريا، في حين أن الواقع يشير إلى أن ثمة بالفعل ملامح تنسيق أمني قيد التبلور بين البلدين ومنذ نحو 6 أشهر هناك اتصالات ولقاءات بين أجهزة مخابرات الجانبين حول العديد من الملفات ومنها ملف عودة النازحين واللاجئين السوريين من تركيا، كما ثمة تنسيق بينهما فيما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرتها”.
وأضاف: “ولهذا فنفي التقارب والحوار بين دمشق وأنقرة هو غير دقيق، حيث ثمة حوارات تجري بين العاصمتين تارة برعاية روسية وتارة برعاية إيرانية، وهناك حتى دور عراقي وعربي عام في تسهيل هذه اللقاءات بعد طول قطيعة وعداء”.
ملف سري
“واضح أن مستشاري أردوغان لا يملكون معلومات كافية عن هكذا حوارات وقضايا حساسة، وهو أمر طبيعي كونها ملفات تتسم عادة بالسرية وبالتكتم الشديد عليها دون تسريبات، حيث تعقد لقاءات وحوارات جادة خاصة بين الجهات الأمنية من كلا البلدين وعلى أعلى المستويات”، كما يرى العزاوي.
“كما يلوح في الأفق طرح ملف تطبيع العلاقات التركية السورية كجزء من السعي العربي العام لإيجاد حل للأزمة السورية بعد أكثر من عقد على اندلاعها، وهو مسعى سيكون محورا رئيسيا على أجندة مباحثات القمة العربية المرتقبة في الجزائر”، وفق أستاذ العلاقات الدولية.
حسابات براغماتية
من جهته، يقول أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات حسن المومني لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الأمر لا يتعلق بتقارب عاطفي ناجم عن هيام متبادل، بل هو إعادة تأهيل لعلاقة مقطوعة بدوافع مصلحية وبراغماتية، حيث أن السياسة التركية وخاصة على مدى السنوات القليلة الماضية اتسمت عامة بالواقعية السياسية في علاقاتها مع معظم دول المنطقة”.
وأردف: “وهكذا شاهدنا عدة استدارات تركية في الآونة الأخيرة، وهي من السمات الأساسية لسياسة أنقرة الخارجية فمثلا كانت علاقاتها تتسم بالرمادية مع موسكو ووصلت حد التصادم لكن فيما بعد تم إعادة تأهيلها، فالمصالح التركية هي المحرك الرئيسي لسياسات أنقرة الخارجية، لكن ثمة أيضا ولا شك حسابات داخلية وحزبية وراء مثل هذه الاستدارات تتعلق بشعبية الرئيس التركي وحزبه وحظوظهما الانتخابية”.
المسألة الكردية
“العلاقة التركية السورية تاريخيا لطالما كانت مضطربة لكن الواقع الجيوسياسي يفرض منطقه، فيما يخص مثلا مسألة أمن الحدود، لكن العامل الأهم وراء تحول الموقف التركي هنا هو المسألة الكردية التي تشكل بالنسبة لتركيا مسألة وجودية، وهكذا فالعامل الكردي كان ولا زال هو المحدد الأساسي لتوجهات أنقرة وسياساتها ليس في سوريا فقط، بل وفي العراق كذلك”، كما يرى الخبير الأمني والاستراتيجي.
“وهكذا فالتدخل التركي في سوريا أتى أساسا وبحجة ما يسمى حماية الأمن القومي لتركيا، لإخضاع أكراد سوريا وعدم السماح لهم بتطوير ظروف قد تدفع بهم لتشكيل كيان مستقل، وهو ما سيحفز الأكراد في تركيا على المطالبة بحقوق مماثلة”، وفق المومني.
دوافع “الاستدارة” التركية
ويضيف المتحدث: “أنقرة لم تستطع فرض واقع مؤثر جدا في سوريا، حتى في الشمال السوري فإن مسألة إدلب مثلا تحولت لعبء ثقيل على كاهل تركيا، وبالتالي ومع وصول جو بايدن للبيت الأبيض ومجمل التغيرات الدولية والإقليمية توالت الاستدارات التركية، فما يحدث إذن هو إعادة تأهيل وترميم لعلاقات تركيا مع سوريا وهو ما تعمل عليه مع إسرائيل كذلك”.
“فالتقرب التركي من دمشق دوافعه محض براغماتية وهو مرتبط بالمصالح الأمنية الاستراتيجية لأنقرة وخاصة تلك المتعلقة منها بمسألة الأكراد، وهكذا فالبعد الأيديولوجي أصبح بلا تأثير في تحديد المقاربة التركية للملف السوري ولمجمل ملفات المنطقة”، كما يختم أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات.
التعليقات