يؤشر ارتفاع معدل الوفيات وأعداد المصابين بـ”الكوليرا” في مناطق نفوذ النظام السوري خلال الأيام القليلة الماضية، الى ان تفشي المرض بدأ يخرج عن السيطرة، وبدأ الإعلان عن تفشيه بطريقة أكثر وضوحاً بعد أسابيع من الإنكار ومحاولات التعتيم الإعلامي.
وتسجل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” في شمال وشرق البلاد، ارتفاعاً في حالات الوفاة وأعداد المصابين بمرض “الكوليرا” منذ أسابيع، في ظل تزايد التحذيرات من وصول المرض إلى مرحلة الوباء، نتيجة تدهور الواقع الطبي في سوريا وحالة اللامبالاة التي أظهرتها حكومة دمشق في التعاطي مع الجائحة.
وقال بيان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي “أوتشا” إنه “بناء على تقييم سريع أجرته السلطات الصحية والشركاء، يُعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بشرب مياه غير آمنة من نهر الفرات، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، مما يؤدي إلى تلوث الغذاء”.
تشكيك بالأرقام
وأعلنت وزارة الصحة في حكومة دمشق عن وصول إجمالي عدد الإصابات المثبتة بمرض الكوليرا إلى 53 حالة، 41.5 منها في مدينة حلب التي سجلت 22 إصابة، إضافة إلى تسجيل أربعة حالات وفاة في المدينة من أصل سبع حالات مسجلة حتى اللحظة، تلتها دير الزور بحالتي وفاة والحسكة حالة واحدة.
وحولت مديرية صحة حلب مستشفى الرازي إلى مركز عزل تام مخصص لمرضى “الكوليرا” ومتابعتهم، كما كان الوضع عليه قبل عامين خلال فترة تفشي جائحة “كورونا”، حيث توقف المستشفى عن استقبال المرضى وأغلقت أقسام العمليات الباردة.
وقال مصدر طبي في مستشفى “الرازي” لـ”المدن” إن “المدينة قد انتقلت فعلاً إلى مرحلة التعامل الوبائي مع المرض، جراء ارتفاع معدل الإصابات وأعداد المراجعين المشتبه بانتقال العدوى إليهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية”، معتبراً أن “الأرقام المعلن عنها أقل حتى من الحالات الحرجة أو التي دخلت مرحلة الخطر”.
وأضاف: “تستقبل المستشفى بين 30 إلى 50 حالة بشكل يومي منذ مطلع الشهر الحالي، يعاني أصحابها أعراض الإصابة بالكوليرا مثل آلام شديدة في البطن وإسهال حاد وارتفاع حرارة وقيء، لكن الحالات التي تحجر هي فقط الخطيرة، أما الحالات التي تظهر تحسناً وتجاوباً مع الأدوية فتواصل العلاج في المنزل مع إلزامية متابعة العلاج”.
ويرجح المصدر تأخر الإعلان عن المرض في المدينة، الى تشابه أعراض الإصابة بمرض الكوليرا مع أنواع من الحمى والالتهابات المعوية التي شهدت هي الأخرى ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الإصابات منذ بداية فصل الصيف، خصوصاً وأن الكوليرا لا يتم الكشف المبكر عنها دون إجراء فحص مخبري، أو ظهور أعراض الإسهال المائي مصحوباً بجفاف الجلد، وهي أعراض متقدمة للمرض تستدعي الحجر والتدخل الطبي العاجل.
لماذا حلب؟
يعدّ نهر “قويق” الذي يمرّ من مدينة حلب باتجاه ريفها الجنوبي، موئلاً رئيسياً للجراثيم المعوية على وجه الخصوص، منذ تحوله إلى مصب لمجاري الصرف الصحي ومخزناً للمخلفات العضوية، خصوصاً بعد توقف محطة تنقية مياه الصرف في منطقة الراموسة عن العمل، حيث يعتبر النهر المصدر المائي الوحيد لريّ الأراضي الزراعية لقرى منطقة ريف حلب الجنوبي.
ويرى الطبيب عبد الرحيم في مدينة حلب، أن انتشار مرض “الكوليرا” كان متوقعاً في المدينة، في ظل زيادة استهلاك المياه غير الصالحة للاستخدام البشري، واعتماد السلة الغذائية للمدينة، والخضروات منها على وجه الخصوص على مجرى نهر قويق لريّ المزروعات.
ويقول: “تمثل الحشائش الخضراء مثل البقدونس والنعنع والريحان وغيرها مصدراً للمرض، لاعتمادها على مياه الصرف في زراعتها، وإهمال غسلها جيداً بالماء والصابون قبل تناولها، إضافة إلى السوائل والأطعمة الملوثة، وبالتالي تدخل جرثومة الكوليرا عن طريق الفم وتستقر في الزغابات المعوية فترة بين يوم إلى خمسة أيام قبل ظهور الأعراض”.
ويشير عبد الرحيم إلى سبب آخر ساهم بتسريع تفشي المرض، متمثلاً بزيادة استخدام الآبار المحفورة داخل الأحياء السكنية للشرب والاستخدام المنزلي، حيث ترتفع مخاطر تعرضها للتلوث نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إليها خلال أعمال الحفر.
ويتخوف الأطباء والأهالي في المناطق الخاضعة لنفوذ النظام من تحول المرض إلى جائحة يصعب التعامل معها، بالنظر إلى محاولات التكتم عن المرض وعدم الإستجابة له منذ بداياته، وإهمال الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات الوقائية، والتساهل مع الحالات الخفيفة وعدم فرض حجر وبائي لها، فضلاً عن الواقع الطبي الهش الذي لم يتعافَ أصلاً من تبعات جائحة كورونا.
مناطق الادارة الذاتية
في المقابل، أعلنت الإدارة الذاتية التي تسيطر على مناطق شمال شرق سوريا، تسجيل ثلاث وفيات بالكوليرا، مؤكدة انتشار المرض في مناطق نفوذها، دون تقديم أرقام بأعداد المصابين.
ومع ارتفاع أعداد المصابين وتفشي “الكوليرا” في مختلف المناطق السورية، حذرت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة من خطر انتقال الوباء إلى مناطق شمال غرب سوريا، دون الإعلان عن تسجيل أي إصابات حتى اللحظة.
ودعت الوزارة العاملين في القطاع الطبي شمال غرب سوريا الى الاستعداد للاستجابة في المنشآت الطبية، من خلال توفير السوائل العلاجية وتدريب الكوادر على عمليات تصنيف وعزل المرضى، ومراقبة مصادر مياه الشرب في المنطقة، وإبلاغ نظام الترصد الوبائي بالحالات المشتبهة وتقديم تسهيلات التحقق، وتكثيف حملات التثقيف والتوعية حول مخاطر المرض.
التعليقات