ربما يكون “المسبار المداري الشمسي” أو “سولار أوربيتر” التابع لـ”وكالة الفضاء الأوروبية” (اختصاراً “إيسا” ESA) قد التقط دليلاً يؤكد حدوث انعكاسات في المجال المغناطيسي للشمس، معززاً صحة نظرية حول كيفية حدوث هذه الظاهرة المعروفة جداً إنما الغامضة.
في 25 مارس (آذار) الماضي، مرت المركبة الشمسية المدارية داخل مدار كوكب “عطارد”Mercury لالتقاط صور قريبة للشمس. باستخدام جهاز (لمراقبة طفاوة الشمس) يسمى “كوروناغراف” أو “مرسام الإكليل”، علماً أنه يحجب قرص الشمس تماماً كما يحجبه القمر أثناء كسوف الشمس الكلي، التقطت آلات المركبة الفضائية شكلاً غريباً متعرجاً على شكل الحرف “أس” S بالإنجليزية في التيارات الضعيفة من بلازما الشمس أو ” الهَيُولى” التي شوهدت في “الإكليل” corona، الغلاف الجوي الخارجي للشمس الشديد السخونة.
ربما يكون الارتداد المرصود على شكل الحرف “S” صورة انعكاس المجال المغناطيسي للشمس، المعروف باسم “ارتداد مغناطيسي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
“يهمني أن أقول إن هذه اللقطة الأولى التي تصور ارتداداً مغناطيسياً في إكليل الشمس قد كشفت الستار عن سر نشأة” هذه الظاهرة، قالت دانييل تيلوني، عالمة في الفيزياء الفلكية في “المعهد الوطني للفيزياء الفلكية”- مرصد الفيزياء الفلكية في تورينو بإيطاليا، والباحثة الرئيسة في ورقة بحثية جديدة تتناول هذه الظاهرة نُشرت في مجلة الفيزياء الفلكية “أستروفيزيكال جورنال ليترز” Astrophysical Journal Letters.
في الواقع، منذ سبعينيات القرن العشرين رصدت مسابير فضائية عدة ارتدادات مغناطيسية شمسية، وفق منشور أصدرته “وكالة الفضاء الأوروبية”، بيد أن العملية المسؤولة عن حدوثها بقيت لغزاً غامضاً من دون حل.
في فبراير (شباط) 2020، أُطلق “المسبار المداري الشمسي” وأخذ يحلق في مدار إهليلجي حول الشمس ليمر بشكل دوري قرب الشمس من كوكب “عطارد”، ما يسمح بإجراء دراسات عن قرب للظواهر الشمسية.
خلافاً للأرض، التي تملك مجالاً مغناطيسياً واحداً ذا قطبين، تحتوي الشمس على مجالات مغناطيسية عدة. نظراً إلى أن هذه النجمة تتكون إلى حد كبير من مادة في حالة البلازما (غاز أيوني)، انفصلت البروتونات الموجبة عن الإلكترونات السالبة الشحنة بغاز شديد السخونة، وتوفر هذه المجالات المغناطيسية مسارات يمكن أن تنتقل من خلالها بلازما الشمس.
تترك الحقول المغناطيسية المغلقة سطح الشمس وتعود إليه، كما الأقواس المغناطيسية، وأي بلازما تتدفق على طولها تتحرك ببطء وتعود إلى الشمس. الحقول المغناطيسية المفتوحة، مثل تلك التي تنطلق فجأة في خضم انبعاث كتلي إكليلي [تفجر هائل من الرياح الشمسية]، تمتد إلى المجال المغناطيسي بين الكواكب، ويمكن أن تسمح للبلازما بالهروب إلى الفضاء، وتعمل على تسريعها خلال هذه الظاهرة.
أحياناً، تضرب الجسيمات المشحونة المتسارعة على طول خطوط المجال المغناطيسي المفتوحة كوكب الأرض، متسببةً بعواصف جيومغناطيسية، وشرائط مذهلة من الأضواء الملونة “أورورا” قرب القطبين المغناطيسي الشمالي أو الجنوبي، وحتى اضطرابات في الاتصالات اللاسلكية.
يرد في بعض النظريات التي تتناول أوجه حدوث ارتداد مغناطيسي للطاقة الشمسية، أن حقولاً مغناطيسية مفتوحة وأخرى مغلقة تتلامس في ما بينها، مخلفة انفجاراً من الطاقة ينهي المجال المغناطيسي المغلق، ما يجعله يتحرك نحو الخلف مؤقتاً، قبل أن يعود مرة أخرى مثل سوط إلى اتجاهه الأصلي.
“الصورة الأولى من جهاز “متيس” Metis الخاص بمسبار “سولار أوربيتر” التي كشف عنها دانييل أوحت لي على الفور تقريباً برسوم متحركة رسمناها في تطوير النموذج الحسابي للارتداد”، قال غاري زانك، مدير “مركز بلازما الفضاء والبحوث الجوية” في “جامعة ألاباما”، في هانتسفيل. يُذكر أن الدكتور زانك كان من وضع نظرية العقدة التي تتخذ شكل الحرف “S” لتشكيل الارتداد، وهو باحث مشارك في الدراسة.
واللافت أن تأكيد النظرية الرياضية بشأن تشكل الارتداد المغناطيسي الذي جاءت به عمليات الرصد، يساعد العلماء في التوصل إلى فهم أفضل للرياح والعواصف الشمسية، ولكن لا بد من النهوض بمزيد من البحث بغية ربط عمليات الارتداد بمنشئها على سطح الشمس. تحديداً، يحتاج العلماء إلى مركبة فضائية على شاكلة “سولار أوربيتر”، أو “مسبار باركر الشمسي” التابع لـ”ناسا”، تحلق عبر الارتداد وتقوم بعمليات تقييم إضافية.
ستكون هذه الفرصة متاحة قريباً، إذ ستحلق المركبة الفضائية “سولار أوربيتر” في ممرها التالي القريب من الشمس في 13 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وفي تصريح أدلى به في هذا الشأن، قال دانييل مولر، أحد العلماء في مشروع “سولار أوربيتر” التابع لـ”وكالة الفضاء الأوروبية” إن “هذه تحديداً النتيجة التي كنا نأملها باستخدام “سولار أوربيتر”. إنه أول مرور قريب جداً من الشمس ينفذه “سولار أوربيتر”، لذا نتوقع الحصول على مزيد من النتائج المثيرة في المستقبل.”
التعليقات