د. عائشة عبدالله النعيمي
من هو الإماراتي؟ سؤال تم طرحه من طرف أكاديمي إماراتي في إحدى وسائل الإعلام الأجنبية.
بعض الأسئلة تحمل في طياتها إشكالية ذات سمة واقعية ومهمة وتمثل إضافة جذرية للتحليل والفهم والتفسير، وهناك أسئلة غير واضحة المغزى والهدف وبالتالي تكون الإجابة عنها غير واضحة أيضاً. خصوصاً أن هذا السؤال يطرح في الزمان الخطأ.
إن الحديث عن الهوية والتحديات التي تواجهها المجتمعات المحافظة شيء، والحديث عن ما هو الإماراتي شيء مختلف تماماً.
لسنا في ظرف مرحلي يدعونا إلى البحث عن الأصول لأهل الإمارات وفتح الساحة لحوار سيؤدي إلى جدل ليس فقط عقيماً (والردود في تويتر تشي بذلك). بل وحوار تجاوزناه منذ زمن ليس بالقصير.
لن نكون إيجابيين كأفراد نحمل مسؤولية وطنية إذا ذهبنا ولو بشكل غير مباشر إلى تفكيك العلاقات الاجتماعية الوشائجية التي تعايش معها أهل الإمارات بسماحة وقبول اجتماعي تاريخي.
إن مجتمع الإمارات متعدد، وتنتمي إليه أصول قد تكون متباينة بعض الشيء من حيث النشأة، ولكنها متشابكة ومتجانسة ولا يجوز التشكيك في ولائها وانتمائها وحبها لهذه الأرض الطيبة، ومن زاوية أخرى، ما الذي يمكن أن يستفيده المجتمع من خلال جعل شرائحه تتجادل حول أهلية هذا أو ذاك لأن يكون إماراتياً أم لا؟
هذا التصنيف العرقي غير مقبول ويدعو إلى القلق. صحيح ربما لا تكون الدعوة إلى التصنيف ظاهرة بشكل مباشر في صيغة السؤال، ولكنها كامنة في ماورائه، وليس من الشائك على أحد اكتشاف ذلك. إنها في الحقيقة أزمة كبيرة إذا لم يكن كاتب السؤال مُدركاً لهذه المسألة.
إن السؤال عن من هو الإماراتي؟ لم يكن هو جوهر الحوار الذي تم طرحه على شبكات التواصل الاجتماعي.
السؤال: كان حول التحديات التي تواجه الهوية الإماراتية والنسق الاجتماعي الذي يربط بين مواطنيها وسمات وخصوصية هذا النسق، وهذا الموضوع كان مطروحاً للنقاش منذ الثمانينات، وكُتبت فيه الكثير من المقالات والدراسات العلمية وعُقدت الكثير من المؤتمرات والندوات. الحوار قديم واستراتيجي وليس وليد معطيات جديدة أو كما يرى البعض أن المجتمع / بدون تعميم / يفتقد المرونة ويرفض التغيير أو التفاعل مع فكرة الحداثة والحريات الشخصية.
المسؤولية الاجتماعية الوطنية فعل يتطلب منا الارتقاء إلى مستوى التحديات وطرحها بشفافية وموضوعية ومسؤولية، وليس طرح أسئلة يغيب عنها فهم البنية الديمغرافية المركبة للمجتمع الإماراتي.
إن الاستقرار الاجتماعي يعتبر صلب الاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به الإمارات.
وإضافة إلى البعد المحلي البالغ الحساسية في طرح سؤال يحمل في الإجابة عنه احتمالية تفكيك ركائز مهمة؛ نشأت عليها لحمة الوحدة الأهلية الوطنية فإن السؤال لا يتسق أيضاً مع السياسات المؤسسية الرسمية لحكومة الإمارات والتي تؤكد قيماً إنسانية نبيلة مثل التسامح وقبول الآخر والانفتاح الذي يجب أن يكون مقروناً في الوقت ذاته بالوعي بأهمية الحفاظ على خصوصية البعد الاجتماعي/ الثقافي.
إن التناقض في المواقف إشكالية كبيرة تقع في فخها بعض الأقلام، التي تعتبر نفسها من عناصر قادة الرأي العام في الإمارات، ويبدو أن السؤال حول بعض القضايا المصيرية مثل الهوية وتحدياتها يُزعج بعض المثقفين؛ ما يسقطهم في دائرة التناقض ويدعوهم لطرح أسئلة في غير محلها.
[email protected]
التعليقات