فيما يمضي مجلس القضاء الأعلى في تنفيذ قرار وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال هنري الخوري تعيين قاض رديف للمحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار، تستمر الحملة السياسية والإعلامية والشعبوية ضد القرار، ما أفشل توصل مجلس القضاء الأعلى في جلسته أمس إلى أي اتفاق.
وعلمت “الأخبار” أن اتصالات تجرى مع عدد من القضاة للقبول بهذه المهمة، لكن من الواضح أنهم يرضخون لحملات الترهيب ويرفضون تعيينهم. ومن بين الأسماء التي جرى التواصل معها القضاة فادي عنيسي ومارون أبو جودة ونقولا منصور وسامر ليشع، الذين لم يتجاوب أي منهم مع المبادرة، فيما لا تزال المساعي مستمرة للوصول إلى حل.
البيطار
ولم ينجح “مجلس القضاء”، خلال جلسة مطوّلة عقدها أمس، في اختيار القاضي الذي يراه مناسباً لتكليفه، وأوضح مصدر قضائي بارز أن أعضاء المجلس “لم يتفقوا بعد على اسم المحقق الجديد، والأمر يحتاج إلى مزيد من النقاش والتشاور”. وقال لـ”الشرق الأوسط”: “ما يهمّ مجلس القضاء تسمية قاضٍ مشهود له بالعلم والكفاءة والنزاهة والتجرّد، وأن يكون محصناً من التدخلات السياسية، ولا يقلّ كفاءة عن المحقق العدلي الأصيل طارق البيطار”، مجدداً التأكيد على أن “مهمّة المحقق الرديف مؤقتة ومحددة بمواضيع ملحّة، والبيطار سيستأنف عمله فور إزالة التعقيدات القانونية التي تعترضه”.
وبالتزامن مع إصرار “مجلس القضاء الأعلى” ووزير العدل على الإسراع في خطوة تعيين المحقق الإضافي، تستمر حالة الاعتراض داخل الجسم القضائي على هذا القرار، والتي عبّر عنها “نادي قضاة لبنان” ومراجع قضائية وقانونية، وجددت مصادر مقرّبة من القاضي طارق البيطار، تأكيدها على أن الأخير “لن يستسلم لقرار تعيين قاضٍ عدلي رديف، ويعدّه منعدم الوجود ولن يسلّمه الملف”.
وكشفت لـ”الشرق الأوسط” عن أن “أي قرار يتخذه المحقق الرديف بإخلاء سبيل الموقوفين، سيلغي البيطار مفعوله فور عودته إلى العمل وسيعيد توقيفهم جميعاً، على أن ينظر البيطار في طلبات إخلاء سبيلهم التي تقدّم إليه لاحقاً”، عادّةً أن “أي قرار يتخذ بهذا الملفّ خلافاً للقانون سيعرّض صاحبه للملاحقة الجزائية”.
ويبدو أن فريق الادعاء الشخصي الذي يمثّل أهالي ضحايا انفجار المرفأ، بدأ يعدّ العدة لمواجهة المحقق العدلي العتيد، ومنعه من اتخاذ أي قرار يقوّض دور البيطار ويشكل التفافاً على مهمّته. وعلمت “الشرق الأوسط” من مصادر حقوقية أن وكلاء الادعاء “سيسلكون في مواجهة هذا الخيار مسارين متوازيين: الأول هو الطعن بقرار تعيين المحقق الجديد أمام المرجع المختص (مجلس شورى الدولة)، والثاني تقديم دعاوى لردّه أمام محاكم التمييز، مما يؤدي حكماً إلى تكبيل يديه، ومنعه من اتخاذ أي إجراء لا يتناسب مع رغبة جهة الادعاء الشخصي وأهالي الضحايا”.
وبموازاة الخيارات المتضاربة، يبدو أن المراجع القضائية تأخذ في الحسبان كلّ هذه السيناريوهات، وأعلن مصدر مقرّب من “مجلس القضاء الأعلى” أن الأخير “يتحسس حرج المرحلة، ويدرس كلّ الاحتمالات”. وأكد لـ”الشرق الأوسط” أن المجلس “يبحث عن مخرج يعيد القاضي طارق البيطار إلى الملفّ”. وقال: “لقد أعطى مجلس القضاء الوقت الكافي لتوقيع مرسوم تعيين رؤساء محاكم التمييز (المجمّد عند وزير المالية يوسف الخليل)، لكن في نهاية المطاف، سيجترح الحلّ المناسب لذلك، ويعتمد آلية قانونية تساهم في استكمال نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي عليها البتّ في عدد من الدعاوى التي كبّلت البيطار وعطلت التحقيق بملفّ المرفأ”، عادّاً أن “الخطوة المرتقبة ستكون متأنية ومدروسة وتخدم مسار العدالة”.
التعليقات