التخطي إلى المحتوى

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأحد الحادي عشر من أيلول القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان وألقى عظة بعنوان “خطاياها الكثيرة مغفورة لها، لأنّها أحبّت كثيرًا” (لو 7: 47) وقال “ما أجمل محبة الله الغافرة، مهما كانت كثيرة ديون خطايانا! وما أسعد تلك المرأة لأنها بتوبتها الصادقة والشجاعة الصادرة من عمق قلبها ولأنها بسماع كلمة الرب يسوع الغافرة، شعرت وكأن جبالًا متراكمة سقطت عن كتفيها، وعاشت فرح الحرية الحقيقية، حرية أبناء الله وبناته!”

في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “إنّا معكم ومع سينودس أساقفة كنيستنا المارونية نعرب للشعب البريطاني عن أعمق التعازي بوفاة جلالة ملكة بريطانيا العظمى إليزابيت الثانية التي طبعت أمّتها وعصرها وتاريخها بصفحات مجيدة، وأظهرت أن قوة الحاكم هي بالتزامه الدستور واحترامه القيم وقربه من الشعب وترفّعه عن الخلافات. وقد عملت الملكة الراحلة على تعزيز العلاقات البريطانية / اللبنانية، لاسيما مع البطريركية المارونية. ولطالما أشادت بالتعددية اللبنانية وتمنت أن تنجح في تثبيت الشراكة الوطنية. ونتوجه بالتهنئة إلى الملك الجديد شارلز الثالث ونعلّق كبير الآمال على مواصلة هذه السياسة، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها لبنان وتجتازها أوروبا في ظل الحرب الضروس في أوكرانيا. إننا نعهد بهذه التعازي وبهذه التهاني إلى سعادة سفير المملكة المتحدة البريطانية في لبنان”.

هذا وأشار البطريرك الراعي في عظته إلى أن “قيمة الندامة والتوبة هي في كونهما وسيلة لتغيير مجرى الحياة، على مستوى التفكير والعمل. إنهما تجددان الإنسان، من الداخل، تنقيان ذاكرته، وتجعلانه يطوي صفحة الماضي. الندامة والتوبة فضيلتان ضروريتان للعيش معًا. إنهما مطلوبتان في العائلة الصغيرة كما وفي الكبيرة. ومطلوبتان على مستوى الجماعة السياسية والعائلة الوطنية. فلا يمكن العيش في جو من الأحقاد والكيديّات والاتهامات والإساءات، على صعيد الأحزاب والتكتلات السياسية، كما يجري اليوم، بكل اسف. مثل هذا الجو يسمّ أجواء الحياة بين المواطنين، من دون أن يكونوا مسؤولين عن بخ هذا السم. مأساتنا في لبنان أن كثيرين لا يعترفون بأخطائهم وخطاياهم ولا يندمون عليها، فبتنا نعيش في “هيكليّة خطيئة”. وبلغ هذا الواقع إلى تعطيل الحياة الدستورية والمؤسسات”.

ولذلك – أضاف غبطته يقول -“نحن لا نسكت بل نرفض: لا نسكت بل نرفض شل البلاد. لا نسكت بل نرفض تعطيل الدستور. لا نسكت بل نرفض الحؤول دون تشكيل حكومة. لا نسكت بل نرفض منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لا نسكت بل نرفض فرض الشغور الرئاسي. لا نسكت بل نرفض استباحة رئاسة الجمهورية. لا نسكت بل نرفض الإجهاز على دولة لبنان وميزاتها ونموذجيتها ورسالتها في هذا الشرق وفي العالم. إننا ننتظر من المواطنين المخلصين المؤمنين بلبنان – الرسالة أن يشاركونا في رفض هذه البدع، وأن يقفوا وقفة تضامن حتى تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل، يكون رئيسًا من البيئة الوطنية الاستقلالية ورئيسًا جامعًا”.

وتابع البطريرك الراعي عظته قائلا “من المؤسف أن يصل اللبنانيون إلى حالة اللاثقة التي باتت تشكك في كل نية ولو صادقة، وإلى حالة التسييس التي ترى مسيّسًا كل قرار أو تدبير. وهاتان الحالتان تؤديان إلى التعطيل. هذه حال ما يحصل اليوم بين أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت ووزير العدل. إنه نزاع تبرّره حالتا اللاثقة والتسييس، ويؤدي إلى التعطيل وأصبح إبداء الرأي ولو موضوعي محكومًا عليه بالتشكيك والتسييس. معروف أن قاضي التحقيق طارق البيطار ثابت في منصبه وممسك بملف التحقيق في تفجير المرفأ بحكم القانون، لكنه مكبّل اليدين بسبب رفض وزير المالية عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية فيعطّل تعيين رؤساء غرف التمييز الذين يشكلون الهيئة العامة لمحكمة التمييز فتتمكن هذه من إعادة الحياة القضائية التي بها يرتبط عمل قاضي التحقيق. هذا هو الموضوع الأساس الذي يسمح حلّه بعودة القاضي البيطار إلى عمله. أما القضية التي يطرحها وزير العدل مع مجلس القضاء الأعلى بالإجماع، ولا تؤثر بشيء على صلاحية القاضي بيطار، فتتعلق بمعالجة الموقوفين منذ أكثر من سنتين، ويحق لهم بإخلاء سبيلهم بموجب المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية. ولكن القاضي البيطار لا يستطيع إصدار أي قرار بهذا الشأن بسبب تكبيل يديه. فإنا نقترح سماع رأي رؤساء مجلس القضاء الأعلى السابقين بشأن هذه القضية، من أجل بتّها من جهة، وطمأنة أهالي ضحايا تفجير المرفأ من جهة ثانية. فتبقى العدالة والإنصاف مصونين”.

وختم البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا “نسأل الله أن يلقي بأنواره على الجميع لكي نعيش بطمأنينة وسلام. له المجد والشكر إلى الأبد، آمين”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *