في يوم مشرق، وبعد مرور أشهر على الإغلاق الذي سبّبه فيروس كورونا، وضعت جايد بوموند ابنتها الصغيرة في السرير، أغلقت باب الحمام وبدأت بحلق شعر رأسها.
تعاني هذه الشابة البالغة من العمر 27 عاماً من trichotillomania، أي هوس نتف الشعر القهري، وهي حالة رافقتها منذ الثامنة من عمرها، بحيث كانت تسقط في حالات تشبه الغيبوبة اليومية جرّاء شدّ الشعر من رأسها.
عزّزت جائحة كورونا التوتر والقلق، وهذا حال بومونت التي لجأت إلى حلق شعرها بواسطة الشفرة بعد أسابيع من التوتر الذي رافق عناوين الأخبار المخيفـة، وعلى الرغم من أنها جربت مجموعة من العلاجات على مر السنين، إلا أنها لطالما شعرت أن حلق رأسها بالكامل هو الملاذ الأخير للتخلص من هوس نتف الشعر: “ما الذي أخسره؟ إذا لم يكن لديّ شعر، فيمكنني أن أحاول تدريب نفسي على الخروج من هذه الحلقة المفرغة؟”، وفق ما قالته لصحيفة النيويورك تايمز، مع العلم بأنها سجلت هذه اللحظة ونشرت الفيديو على إنستغرام.
ما هو هوس نتف الشعر؟
بالنسبة لمعظم الناس، فإن عبارة: “أنا متوترة للغاية سوف أنتف شعري”، هو مجرد قول عابر، لكن بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذا هو واقع التعايش مع هوس نتف الشعر أو trichotillomania، المصطلح الذي صاغه طبيب يوناني في العام 1889، وهو مشتق من الكلمات اليونانية trichoالتي تعني الشعر، till تعني النتف و mania تعني الجنون.
قبل وقت طويل من تسمية الاضطراب، كانت حالة نتف الشعر القهري معروفة منذ مئات السنين، ومع ذلك، هناك الكثير من الأمور المجهولة التي تحيط بهوس نتف الشعر على الرغم من تصنيفه رسمياً على أنه اضطراب منذ أكثر من 30 عاماً.
بالنسبة لمعظم الناس، فإن عبارة: “أنا متوترة للغاية سوف أنتف شعري”، هو مجرد قول عابر، لكن بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذا هو واقع التعايش مع هوس نتف الشعر أو trichotillomania، المصطلح الذي صاغه طبيب يوناني في العام 1889
بدأت حالة هوس نتف الشعر القهري لدى ميريم عطالله وهي في الثامنة من عمرها، ولكن في هذه الفترة لم يكن هناك وعي بالحالات النفسية، وكان هذا الاضطراب كسائر الاضطرابات النفسية، عبارة عن “تابو”، بحيث لا يجرؤ أحد على الحديث بأريحية عن مشاكله النفسية، خوفاً من الأحكام المسبقة والعبارات المسيئة.
وكانت هذه الشابة اللبنانية خلال مرحلة الطفولة تشعر وكأنها الوحيدة في العالم التي تقوم بمثل هذا التصرف، أي شدّ الشعر ونتفه: “كنت حسّ أنو عيب، وأنو أنا الوحيدة يلي بعمل هيدا الشي وما حدا رح يفهمني”.
ولكن بعد فترة تطورت الحالة وبدأت الفراغات تظهر في رأسها، فاصطحبتها أمها إلى العيادات الطبية، وكان أطباء الجلد يؤكدون أن فروة الرأس نظيفة، وليس هناك أي مرض جلدي تعاني منه يسبب تساقط الشعر بهذه الطريقة السريعة، غير أن أحد الأطباء نصح الوالدة باصطحاب ميريم إلى أخصائي بعلم النفس، وعن هذه الحادثة، قالت: “ضحكت أمي وقتها وما استوعبت، وأنا كمان ما كنت فهمانة أنو هالشي نفسي”.
وأوضحت ميريم أنه في إحدى المرات التي كانت تقوم فيها بنتف شعرها وهي تكتب الفرض المدرسي، دخلت أمها وأمسكتها “بالجرم المشهود”، وغضبت منها كثيراً لكونها ظنت أن المسألة عابرة ويمكن تخطيها عبر القصاص والتأنيب: “لم تتمكن والدتي من أن تدرك في ذلك الوقت أن هذه المسألة خارجة عن إرادتي، واليوم تشعر بالذنب لكونها أساءت إليّ ولم تتمكن من فهمي”.
في الرابعة عشر من عمرها، كانت عطالله في غرفتها يتآكلها الملل، حاولت أن تبحث عبر غوغل عن نتف الشعر، وحينها تفاجأت أنها تعاني من اضطراب يتم الحديث عنه بشكل علمي: “انفتح عالم بأكمله أمامي، وفجأة لاحظت أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون مثلي من هذه الحالة النفسية التي اتضح لي أن لديها اسماً معيّناً”، وتابعت بالقول: “كنت عم برقص من الفرح أنو منّي لوحدي وفي غيري كمان، وصرت أعرف وأتعلم شو لازم أعمل”.
قبل قرار حلق الرأس بالكامل، حاولت ميريم اللجوء إلى عدة حلول، بخاصة وأنها كانت متكتمة عن الموضوع ولا أحد يعرف به سوى أهلها، فكانت تحاول قص شعرها بطريقة معيّنة لاخفاء الفراغ في رأسها، وتضطر أحياناً للزعم بأن شعرها تعرّض للحرق، ما أجبرها على قصّه بهذه الطريقة، ولكن في العام 2015، تفاقمت الحالة، ولم يعد بإمكانها إخفاء الفراغات كالسابق، وساعدتها المعالجة النفسية على تخطي حاجز الخوف وتقبل الموضوع وإظهاره للعلن دون خجل أو حتى وضع “باروكة” لتغطية الرأس، لكونه يقلل من ثقتها بنفسها، كما أشارت.
وهكذا أطلقت ميريم حملة أسمتهاfree as my hair أي “حرة مثل شعري”، وقررت أن تستفيد من كل طاقاتها للتحدّث بجرأة وإيجابية عن هوس نتف الشعر: “في البداية، لم أتعرّض لانتقادات بل كانت معظم التعليقات إيجابية، ولكن بالطبع وصلتني بعض الانتقادات السلبية والجارحة مثل: روحي تحجّبي واقري القرآن، ارجعي لربك، الله يشفيكي”، كاشفة أن البعض ربط بين الشعر القصير وميولها الجنسية.
من الناحية المهنية، لم تواجه هذه الشابة أي مشكلة، بخاصة وأنها تعمل مع المنظمات الأجنبية التي تهتم بحقوق الإنسان، ولكن من الناحية العاطفية، مرّت بالعديد من التجارب السيئة: “في كتير شباب كانوا يفكرونيlesbian (مثلية) فما بقربوا منّي من الأول، وفي البعض الآخر بكونوا منافقين وبيدّعوا أنو نحن معك، بس بالآخر بيمشوا، وفي شباب بيعتبروا أنو قص شعري بهالطريقة يعني ستايل وإنو راسي مليون وبس بهمني طق حنك، وكأنو ما في قيمة لشخصيتي ولكياني”.
من يراقب منشورات ميريم عطالله وفيديوهاتها على السوشال ميديا، يظنّ أنها تخلصت من هوس نتف الشعر القهري، ولكن في الحقيقة لم تتغلب عليه بل تقبّلته: “ما عندي الحبة السحرية للتغلب على الموضوع، لأنو علمياً ما عندو علاج ويختلف من شخص لآخر، بس أنا ما خليت هيدي الحالة النفسية تأثر عليي بطريقة سلبية”.
وفي هذا السياق، نصحت ميريم كل شخص يعاني من هوس نتف الشعر القهري بأن يلجأ إلى العلاج النفسي السلوكي لتقبّل الموضوع والتعايش معه: “كل واحد لديه شخصية معيّنة، فالبعض قد يحب التحدث عن الحالة في العلن والبعض الآخر لا، وبالتالي يجب أن يتصرف المرء بما يريحه”.
وفي الختام، شددت ميريم عطالله على أهمية التصالح مع النفس والوصول إلى مرحلة تقبّل الموضوع عبر مساعدة المعالج/ة النفسي: “لا يجب أن يبذل الشحص المعني المجهود على كيفية التوقف عن نتف الشعر، بل كيفية تقبّل الموضوع والتعايش معه”.
حالة تشبه النشوة
خلال السنوات الأخيرة، توصل الخبراء إلى الاعتقاد بأن هوس نتف الشعر القهري ناتج عن مجموعة من العوامل الجينية والبيولوجية والسلوكية، وعليه لا يوجد علاج واحد يناسب الجميع، بل يمكن أن تتراوح الحلول من العلاجات السلوكية المعرفية وعلاجات عكس العادات إلى حضور مجموعات الدعم، أو حتى محاولة استبدال نتف الشعر بعمل آخر، مثل ربط شريط مطاطي على المعصم.
تظهر الدراسات أن هوس نتف الشعر يصيب حوالي 2% من سكان العالم، وهذا يعني أن هناك أكثر من 150 مليون شخص على مستوى العالم عرضة لنتف الشعر القهري في أي مكان من فروة الرأس والحواجب والرموش وصولاً إلى منطقة العانة.
“لا يجب أن يبذل الشحص المعني المجهود على كيفية التوقف عن نتف الشعر، بل كيفية تقبّل الموضوع والتعايش معه”
على الرغم من وجود خصائص متشابهة مع اضطراب الوسواس القهري أو O.C.D، إلا أن هوس نتف الشعر هو نوع من اضطراب التحكم في الانفعالات الذي ينتمي إلى مجموعة السلوكيات المعروفة باسم السلوكيات المتكرّرة التي تركز على الجسم. تميل الدوافع القهرية، التي تشمل قضم الأظافر وكذلك نتف الشعر، إلى الشعور بالهدوء في الوقت الحالي، ونادراً ما يعاني المصابون بها من الأفكار الوسواسية. يصف الكثيرون دخولهم في حالة “تشبه النشوة” حيث لا يدركون تماماً الوقت عندما ينتفون شعرهم.
وقد أفادت دراسة نشرتها المجلة الأميركية للطب النفسي، أن عدد النساء اللواتي ينتفن شعرهنّ يفوق عدد الرجال بنسبة أربعة إلى واحد، مع وجود بعض الروابط المرتبطة بهرمونات البلوغ بالإضافة إلى القلق والذكاء العالي.
كيف تبدو الإصابة بهوس نتف الشعر؟
في بعض الحالات، يؤدي نتف الشعر إلى الشعور ببعض الراحة العاطفية، أو وسيلة للتركيز على نوع مختلف من الألم. بالنسبة للبعض، فإن نتف الشعر يؤدي إلى الإشباع أو المتعة، مع العلم بأنه ليس كل من يقوم بنتف الشعر يفعل ذلك بوعي.
وفي حين أن قلّة من المرضى يبلغون عن شعورهم بألم جسدي من النتف، فإن تكراره آلاف المرات يمكن أن يؤدي إلى النزيف والتهابات الجلد، وصولاً إلى تساقط الشعر الدائم والندوب. قد يكون إخفاء هذه العواقب باستمرار مرهقاً أيضاً.
هناك أكثر من 150 مليون شخص على مستوى العالم عرضة لنتف الشعر القهري في أي مكان من فروة الرأس والحواجب والرموش وصولاً إلى منطقة العانة
بمعنى آخر، فإن نتف الشعر القهري هو اضطراب مرهق، غالباً ما يتم إخفاؤه عن العائلة والأصدقاء. تترافق دورة من المشاعر السلبية مع السلوك بما في ذلك الشعور بالذنب والعار والإحراج. يفضّل الكثير من الأشخاص الذين يعانون من نتف الشعر القهري العزلة خوفاً من الحكم عليهم، وبالتالي، قد يتعامل الشخص المعني مع الاضطراب بمفرده، واستيعاب المشاعر السلبية، وغالباً ما يجعله ذلك يعاني من الاكتئاب والقلق، ما قد يتسبب في تفاقم نشاط نتف الشعر.
غالباً ما تتضمن علامات هوس نتف الشعر وأعراضه ما يلي:
-نتف الشعر بشكل متكرر، عادةً من فروة الرأس أو الحاجبين أو الرموش، ولكن أحياناً من مناطق أخرى بالجسم.
-شعور متزايد بالتوتر قبل النتف، أو عند محاولة مقاومة شد الشعر.
-الشعور بالمتعة أو الراحة بعد نتف الشعر.
-تفضيل أنواع معيّنة من الشعر والطقوس التي تصاحب نتف الشعر أو أنماط نتف الشعر، كعض أو مضغ أو أكل الشعر الذي تم اقتلاعه.
-اللعب بالشعر الذي تم شدّه أو فركه على الشفاه أو الوجه.
وبالرغم من كل ذلك، هناك ضوء في نهاية النفق لأولئك الذين يعانون من هوس نتف الشعر، إذ إن هناك طرق فعالة يمكن أن تساعد المرء في مثل هذه الحالة، من بينها العلاج السلوكي المعرفي الذي يعلّم الناس مهارات جديدة لتغيير الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تؤثر على نتف الشعر، كما يوصي بعض الأطباء ببعض أدوية القلق والاكتئاب، مثل كلوميبرامين أو فلوكستين، دون أن ننسى أهمية حملات التوعية حتى لا يشعر الشخص الذي يعاني من نتف الشعر القهري بأنه لوحده في هذه “المعركة”.
في نهاية المطاف، إن العلاج بمختلف أشكاله وأنواعه قد يكون فعالاً، لكنه يتطلب عملاً شاقاً وممارسة يومية للحصول على نتائج مثمرة.
!function(f,b,e,v,n,t,s) {if(f.fbq)return;n=f.fbq=function(){n.callMethod? n.callMethod.apply(n,arguments):n.queue.push(arguments)}; if(!f._fbq)f._fbq=n;n.push=n;n.loaded=!0;n.version='2.0'; n.queue=[];t=b.createElement(e);t.async=!0; t.src=v;s=b.getElementsByTagName(e)[0]; s.parentNode.insertBefore(t,s)}(window,document,'script', 'https://connect.facebook.net/en_US/fbevents.js'); fbq('init', '1029614057072712');
fbq('track', 'PageView');
fbq('track', 'ViewContent', {
content_ids: ,
content_type: 'product', });
التعليقات