مصطفى عبد العظيم (دبي)
أظهرت المؤشرات الاقتصادية للنصف الأول من العام الجاري، تسجيل القطاعات الرئيسية معدلات نمو إيجابية فاقت التوقعات، وعكست صورة متفائلة بقدرة الاقتصاد الإماراتي على مواصلة الانتعاش، احتواء موجة التباطؤ التي يشهدها الاقتصاد العالمي منذ بداية الربع الثاني. ووفقاً لرصد أجرته «الاتحاد»، حققت 5 قطاعات رئيسة في هيكل الاقتصاد الوطني، شملت قطاعات التجارة الخارجية والسياحة والسفر، والعقارات والاستثمار الأجنبي، أداءً إيجابياً لافتاً، مما رفع توقعات النمو للناتج المحلي الإجمالي لهذا العام لأكثر من 5% وفقاً لتقديرات مؤسسات مالية ومصرفية محلية وعالمية.
ودفعت المؤشرات الإيجابية التي سجلها منذ بداية العام، مصرف الإمارات المركزي لرفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام إلى 5.4% مقارنة مع توقعاته السابقة التي كانت بحدود 4.2%، وذلك بعد أن حقق الاقتصاد الوطني قفزة نوعية في النمو بلغت تقديراتها 8.2% خلال الربع الأول من العام الجاري، نتيجة الزيادة الحادة في إنتاج النفط، إضافة إلى النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي، الذي يتوقع أن يسجل نمواً يزيد على 4.3% هذا العام، ما يعتبر مؤشراً مهماً على دخول الاقتصاد الوطني الإماراتي مرحلة انتعاش قوية.
التجارة الخارجية غير النفطية
واصلت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات مسارها الصاعد، مسجلةً رقماً قياسياً جديداً في النصف الأول من العام الجاري بلغ تريليون و58 مليار درهم، للمرة الأولى في تاريخها، وبنسبة نمو بلغت 17% مقارنةً بالنصف الأول من عام 2021، وبارتفاع نسبته 25% و35% مقارنةً بالفترة نفسها من عامي 2020 و2019 على التوالي.
ويشير تخطي التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات في النصف الأول من عام 2022 لحاجز التريليون درهم إلى نجاح التوجهات والرؤى الاستراتيجية في تسريع التعافي الكامل والعودة للانتعاش الاقتصادي المرجو، بعد تخطي الدولة تداعيات انتشار جائحة «كوفيد-19» السلبية على التجارة الدولية بشكل عام، وتعزز القفزة الكبيرة في التجارة الخارجية النصفية غير النفطية قدرة هذا القطاع على استمرار النمو القياسي هذا العام وتجاوز إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية حاجز تريليونين درهم بنهاية العام، خاصة في ظل توجه دولة الإمارات إلى توسيع شبكة شركائها التجاريين، وترسيخ مكانتها بوابة رئيسية لتدفق التجارة بين أرجاء العالم.
انتعاش السياحة
وبعد التعافي السريع الذي أظهره قطاع السياحة من جائحة «كوفيد – 19» في الربع الأخير من العام الماضي، واصل القطاع انتعاشه هذا العام، عكسته مؤشرات الأداء الرئيسية في فنادق الدولة خلال النصف الأول من العام الجاري، وفقاً لبيانات دوائر وهيئات سياحية وتقارير مؤسسات استشارية دولية.
وأظهرت بيانات وتقديرات المؤسسات ذاتها، ارتفاع إجمالي عدد نزلاء المنشآت الفندقية في الدولة خلال النصف الأول من عام 2022 إلى نحو 10.5 مليون زائر، مقارنة مع 8.3 مليون زائر خلال النصف الأول من عام 2021، وبارتفاع متوقع قدره26.5%، وذلك بعد أن أعلنت كل من أبوظبي ودبي ورأس الخيمة استقبال المنشآت الفندقية بالإمارات الثلاث ما يزيد على 9.5 مليون، منها 7.12 مليون زائر لدبي و1.84 في أبوظبي و521 ألفاً في رأس الخيمة، ما يشير إلى إمكانية تجاوز إجمالي عدد نزلاء المنشآت الفندقية بالدولة مع نهاية العام الجاري حاجز الـ 22 مليون زائر، مقارنة مع 19.2 مليون زائر في 2021.
وأفادت بيانات مؤسسة «كوليرز إنترناشيونال»، المتخصصة في الاستشارات العقارية والفندقية، إلى أن جميع مدن الدولة شهدت تحسناً ملحوظاً في الأداء خلال العام الجاري مقارنة مع عام 2021، حيث سجلت كل من أبوظبي ودبي والشارقة الزيادات الأكبر في معدلات الإشغال وإيرادات الغرف المتوافرة.
ويستعد القطاع لموسم سياحي مزدهر، يبدأ في منتصف سبتمبر الجاري ويستمر حتى أبريل من عام 2023، وسط مؤشرات إيجابية على استقبال تدفقات سياحية كبيرة.
90 مليون مسافر
حققت مطارات دولة الإمارات الرئيسية الثلاثة في أبوظبي ودبي والشارقة انتعاشه قوية في الحركة التشغيلية منذ بداية العام الجاري تضاعفت معها أعداد المسافرين خلال النصف الأول من العام الجاري لتصل إلى 42 مليون مسافر، وهو ما يعادل إجمالي أعداد المسافرين في عام 2021 بأكمله، وسط توقعات بأن يصل إجمالي عدد المسافرين بنهاية العام الجاري إلى أكثر من 90 مليوناً.
وتشير التقديرات الأولية إلى استعادة حركة المسافرين عبر مطارات الدولة أكثر من 70% من مستويات الحركة المسجلة قبل جائحة «كوفيد – 19»، والتي بلغت نحو 128 مليون مسافر عام 2019، مع توقعات استمرار الانتعاش القوي في حركة السفر، بعد تخفيف القيود التي فرضتها كافة دول العالم بسبب جائحة «كوفيد – 19»، والارتفاع القياسي في الطلب على السفر من وإلى دولة الإمارات.
العقارات صعود متواصل
شهد القطاع العقاري في الدولة خلال النصف الأول من العام الجاري صعوداً متواصلاً في المبيعات والصفقات العقارية، مستفيداً وفقاً لتقرير وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية من المبادرات الحكومية التي أطلقتها الحكومة خلال الفترة الماضية، فضلاً عن الانتعاش الاقتصادي جراء ارتفاع أسعار النفط بشكل قوي في عام 2022.
كما أكدت شركة «أستيكو» للاستشارات العقارية، بدورها استمرار الأداء القوي للقطاع العقاري في الإمارات خلال الربع الثاني من العام الجاري، على الرغم من التداعيات غير المسبوقة والمخاوف المتصاعدة المتعلقة بالتضخم على نطاق عالمي.
وأوضحت «أستيكو» في تقرير لها بعنوان «سوق العقارات في الإمارات العربية المتحدة» للربع الثاني من عام 2022، أن التوترات الجيوسياسية التي شهدها العالم أدت إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات كوجهة آمنة للسياحة والعيش والعمل والاستثمار والتعليم، كما ربط التقرير الطلب المتزايد على العقارات بالإصلاحات الحكومية الاستباقية، بما في ذلك طرح الإقامة الذهبية، والمضي قدماً نحو الاقتصاد الرقمي.
زخم الاستثمار الأجنبي المباشر
على صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، تشير التوقعات إلى تسجيل نمو كبير في حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدولة خلال النصف الأول من العام الجاري، في القطاعات الاستثمارية المختلفة، بفضل المحفزات والمزايا الجديدة والاستثنائية التي رسخت من خلالها الدولة جاذبيتها الاستثمارية، والتي في مقدمتها تعديل قانون الشركات التجارية الذي سمح للتملك الكامل للأجانب بنسبة 100% في جميع القطاعات، باستثناء القطاعات ذات الأثر الاستراتيجي.
رفع توقعات النمو
أسهمت المؤشرات الإيجابية في دفع المؤسسات الدولية المختلفة لتعديل توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات هذا العام، رغم تزايد حالة عدم اليقين بالنسبة لآفاق نمو الاقتصاد العالمي وإمكانية دخوله لنفق الركود، حيث رفع صندوق النقد الدولي في يونيو الماضي، توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات للعام الجاري إلى 4.2% مقارنة مع توقعاته السابقة التي كانت بحدود 3.5% كما في فبراير الماضي. كما رسم صندوق النقد الدولي في أحدث تقريرين أصدرهما خلال الفترة الماضية وهما: تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، وتقرير الراصد المالي، آفاقاً إيجابية لمؤشرات اقتصاد دولة الإمارات خلال الفترة من 2022 وحتى عام 2027، عدل معها كافة توقعاته السابقة الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي والمالية العامة. كما أكد البنك الدولي بدوره قدرة اقتصاد الإمارات على مواصلة زخم النمو، بعيداً عن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي، متوقعاً أن يحقق اقتصاد الدولة نمواً هذا العام عند 4.7%، مع استفادة دولة الإمارات من ارتفاع أسعار النفط.
التعليقات