خلال محاضرة في كلية الإعلام طرح أحد الطلبة الشباب سؤالاً لم يخطر لي كل هذه السنين. كان الموضوع حول دور العسكريين في الشرق الأوسط. وفجأة تدخل هذا الشاب سائلاً: لماذا كان معظم الانقلابيين من رتبة واحدة، هي عقيد؟
قلت إنني للأسف لم أنتبه إلى ذلك من قبل. ولكنني أعتقد أن المصادفة واحدة والظروف متعددة. ربما كان السبب الأعم الذي يتراءى لي هو «ضرورات الرتبة. فالجنرال أو اللواء يكون عادة متقدماً في السن، والمقدم يكون صغيراً في السن، ولم يبنِ بعد ما يكفي من الاحترام بين رفاقه، لذلك زادت حظوظ العقيد، أو الكولونيل، أو البكباشي. وذلك قبل أن نكتشف أن أي رتبة قليلة على عسكرنا، فأعطي السيد عبد الله السلال صفة مشير، وهي المرتبة التي اتخذها فيما بعد علي عبد الله صالح، الذي لم يمر برتبة ملازم، لانتفاء الأسباب.
تلك شكليات لا تستوجب التوقف عندها. لذلك، حدث مرات كثيرة أن كان الرئيس، الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، أقل رتبة من ضباطه، لا يهم.
ما هو الفارق بين المدني والعسكري؟ الرجل، فقد يكون العسكري ملازماً مثل نابوليون، ولا يقبل بأن يصبح أقل من إمبراطور. وقد يكون جنرالاً مثل ديغول، ويرفض تجاوز القانون أو الدستور أو الأعراف لحظة واحدة. وقد يكون ملازماً مثل القذافي، ويعين نفسه عقيداً، ثم ملكاً لملوك أفريقياً، ومنقذاً لجميع القارات.
أعطى السودان العالم نموذجين في مشيرين: سوار الذهب، الذي كان ماسي السلوك، وعمر البشير. المسألة ليست في البزة، وإنما في صاحبها. نحن في لبنان عرفنا أربعة جنرالات في الرئاسة كان أولهم فؤاد شهاب. وكان أهم رجل في الإصلاحات المدنية وأصولها وأركانها. مثل سوار الذهب لم يبق يوماً بعد موعد التقاعد. الجنرال إميل لحود بقي ثلاث سنوات. الجنرال ميشال سليمان لم يمدد لحظة. الجنرال ميشال عون عين نفسه رئيساً للحكومة ولم يخرج إلا بقصف الطائرات السورية، وعاد في حمايتها. وخلال نصف قرن شغل من الحقائب والمناصب ما لم يشغله مدني أو عسكري.
كان الجنرال عون عقيداً هو الآخر عندما رقي قبل الموعد لكي يسلم قيادة الجيش. تجلت ظاهرة العقداء في أسوأ مهازلها في اليونان عندما استولى ثلاثة منهم على السلطة العام 1967، ثم انقلبوا على بعضهم البعض، ثم انتهت مرحلتهم المضحكة بعد عشر سنوات.
أسوأ وآخر ديكتاتور في البرتغال، أنطونيو سالازار، لم يكن عسكرياً، بل كان أستاذاً في الاقتصاد. وقد ترك بلاده فقيرة مثل جاره في إسبانيا، الجنرال فرانكو. عسكري ومدني ونموذج واحد.
أكبر عرض عسكري من الحكام كان في أميركا اللاتينية. والأسوأ كان في التشيلي، أجمل وأرقى بلدانها، حيث تجاوز أغوستو بينوشيه كل متخيلات الفاشية والعقم الإنساني. المدني جوزيف ستالين، القادم من المدرسة الرهبانية، لم يكن أفضل، ولا المدني بنيتو موسوليني، المثقف والقادم من الصحافة. ويا مولانا منذ نيرون حتى اليوم، المسألة في الرجل، لا في البزة.
التعليقات