في رأي مصادر سياسية مراقبة أن الملف الحكومي كان يجب أن يُبتّ به منذ اليوم الأول، الذي قدّم فيه الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي الصيغة الحكومية، التي رأى أنها قد تكون مناسبة لمثل الظرف الذي يعيشه لبنان. وهو لم يقصد بهذه الحركة أن يضع رئيس الجمهورية أمام الأمر الواقع، ويحشره في “زاوية” القبول أو الرفض، لأنه يعرف تمامًا ما هي حدود صلاحياته، وما هي حدود صلاحيات رئيس الجمهورية.
إلاّ أن “الغيارى” على صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، وبالتالي على “حقوق المسيحيين”، سارعوا إلى تسريب هذه الصيغة إلى بعض وسائل الإعلام، كرسالة واضحة موجّهة إلى الرئيس المكّلف، ومفادها “أن من يشكّل الحكومة هو في الدرجة الأولى رئيس الجمهورية، لأنه هو صاحب التوقيع الأول على مراسيم تشكيلها”. وبهذا المنطق، الذي تصفه مصادر دستورية، بـ”الإلغائي”، والإستئثاري بإمتياز، لا تستقيم الشراكة الوطنية الصافية والبعيدة عن الغايات والمصالح.
وعلى رغم هذه الأجواء السلبية في حينه لم يقطع الرئيس ميقاتي الأمل في التوصل إلى صيغة “لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم”، وهو الذي ترك لرئيس الجمهورية، ومن على درج الديمان، حرية إختيار الأسماء البديلة للوزراء الذين لم ترد أسماؤهم في “الصيغة الميقاتية”. وقد قوبلت إيجابيته يومها بحملة لها أول وليس لها آخر من بعض “الباسيليين”، الذين أدّعوا أن في كلام الرئيس المكّلف إفتئات على صلاحيات الرئيس المسيحي. وبقيت الأمور على حالها من المراوحة والتعقيد، إلى أن لاحت في الأفق بعض المؤشرات الإيجابية، التي يجب التعاطي معها بكثير من الحذر، وذلك إستنادًا إلى التجارب السابقة، مع ما يمكن أن تطلع به “الغرف السوداء” من شروط تعجيزية، وأهمّها حصول رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على الثلث المعطِّل.
فهذه الإيجابية المستجدة لدى “حزب الله” إزاء الملف الحكومي كانت شديدة الوضوح في الكلام الأخير للسيد حسن نصرالله، إذ أعرب عن “أمله في أن يتمكن عون وميقاتي من تشكيل الحكومة في وقت قريب، واليوم لدينا آمال كبيرة في هذا المجال، ويجب حكمًا أن تتشكل حكومة إذ لا يجوز أن نصل إلى وقت لا سمح الله يكون هناك فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال وندخل في نوع من أنواع الفوضى”، وهو موقف استند إلى الجهود التي قام بها الحزب مع المعنيين، مؤكدا وجوب تأليف حكومة في أسرع وقت، ليس من باب النصيحة إنما من باب التشديد على هذا الأمر، وقاد وساطة بين الرئيسين عون وميقاتي للتقريب في وجهات النظر وإقناع الأول بخفض شروطه، والتأكيد على أن بقاء هذه الحكومة هو الحل الأنسب في هذه الفترة ولا بأس من إجراء بعض التعديلات، على أن يجري التوافق على الأسماء واستبعاد الأسماء الإستفزازية. وأثمرت جهود “حزب الله” لدى الرئيس عون لدفعه لتليين موقفه والتراجع عن مطالبه الحكومية، لا سيما حول إضافة ستة وزراء دولة من السياسيين، والقبول بالصيغة الحالية مع تعديلات محدودة يطال أحدها وزير المهجرين. لكن الرئيس عون قد يكون يأمل بمكسبين في مقابل تراجعه عن شروطه وفتح الطريق أمام منح الحكومة الثقة النيابية من جديد:
المكسب الأول، هو تتويج نهاية عهده بإنجاز الترسيم البحري، بعدما ركزت الهجمات السياسية عليه من أخصامه ّ بأن عهده كان خاليًا من أي إنجاز في مقابل إنهيار مؤسسات الدولة بالجملة وتحللها.
المكسب الثاني، وهو ما يأمله، بأن يستطيع الإستعانة بـ”حزب الله” لرد الجميل له ومساعدته في تمرير تعيينات ستصب في خانة تعزيز أوضاع النائب باسيل بعد مغادرته قصر بعبدا.
وكشفت مصادر عن رسالة أوصلها “حزب الله” الى رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر”، مفادها أن الحزب يتفهم مطلب تشكيل حكومة جديدة تتولى مهمات رئيس الجمهورية، في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية، وهو سيعمل ما في وسعه مع الحلفاء والأطراف السياسيين المعنيين لتحقيق ذلك، إلا أن الحزب يرفض الدعوات الى الفوضى والتهديد بخيارات غير دستورية في هذا الظرف الصعب بالذات، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول المقبل، ولا بد من إلتزام الدستور بهذا الخصوص، لأن الوضع العام وتفاعل الأزمة الضاغطة، لا يحتمل مزيدًا من التصعيد والتأزم السياسي والأمني.
التعليقات