التخطي إلى المحتوى

في الثلث الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، تمكن التلسكوب جيمس ويب من التقاط مجموعة مدهشة من التفاصيل لمنطقتين من سماء الليل سُمّيتا “سديم الجبار” و”سديم العنكبوت”. في الصور الجديدة والبيانات المصاحبة لها، تبين للعلماء بدرجة من الدقة لم تحدث من قبل كيف تنشأ النجوم الجديدة من سحب الغاز والغبار الموجودة في السدم، الأمر الذي يُسهم في الكشف عن أصول مجموعتنا الشمسية.

حسنا، دعونا نُذكِّر أن جيمس ويب هو أقوى تلسكوبات البشر الفضائية على الإطلاق، ومن المتوقع أن تصدر بياناته بسرعة كبيرة، ولن يمر أسبوع واحد إلا مع كشف جديد، من ثم سنتعرض للكثير من أخبار هذه القطعة التقنية الفريدة بصورة مستمرة، لذا وجدنا في ميدان أنه من الضروري أن تكون هناك مادة تفصيلية تشرح لك أهداف هذا التلسكوب، وأهميته والطريقة التي يعمل بها على تحقيق أهدافه، وخلفيات كل ذلك. لم نجد في الحقيقة أفضل من هذه المادة التي نشرتها واحدة من أكبر المنصات العلمية وأكثرها رصانة، وهي مجلة “نيو ساينتست” الأميركية.

 

نص الترجمة:

أصدر تلسكوب جيمس ويب الفضائي أول صوره العلمية في 12 يوليو/تمّوز الماضي، وأزاح بذلك الستار عن حقبة جديدة سيشهدها علم الفلك. كان لهذا الحدث وقع شديد لما استثاره من اهتمام وفضول. فبعد سنوات من التأجيل، والانتظار المشوق خاصة خلال تلك الأشهر الطويلة التي قضاها المسؤولون في اختبار التلسكوب قبل إطلاقه، حاز جيمس ويب أخيرا على لقب أقوى تلسكوب صُنِع على الإطلاق، فانطلق في مهمته الجديدة بإرادة متوثبة، وغايته من ذلك كله هي جمع أدلة جديدة لتكون البوصلة التي سنهتدي بها إلى إجابات تتعلق بأسئلة كنا نعتقد أن الإجابة عنها مجرد حلم بعيد المنال، بعدما تعذر على التلسكوبات السابقة الإجابة عنها.

 

سيكون جيمس ويب دليلنا نحو فهم الماضي البعيد للكون فهما أعمق من أي وقت مضى، وذلك بفضل توليفة من قدراتٍ خاصة يتمتع بها. فقدرته على رصد الأشعة تحت الحمراء، وتزويده بمرآة ضخمة تطفو في مدار أوسع من مدار القمر، تمكِّنه من جمع الضوء من أضعف النجوم والمجرات (أي أشدها بَهَتَانا) وأكثرها بعدا عنا، بمعنى أنه قادر على جمع الضوء الذي تمدد ليصل إلى أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء أثناء سفره عبر الفضاء المتسع لمليارات السنين. ونظرا إلى دقة الزاوية التي يتمتع بها التلسكوب، والتي لا يضاهي دقتها شيء، سنتمكن من رؤية هذه الأشياء بتفاصيل بديعة، كما أن تزويده بمطياف الأشعة تحت الحمراء “infrared spectrograph” سيمكِّننا من تمييز خصائص الجزيئات المُتوارية في الغلاف الجوي للكواكب خارج مجموعتنا الشمسية “exoplanets”، والتي يُحتَمل أن تكون صالحة للسكن.

 

إن الدافع الحقيقي الكامن وراء هذا السعي المحموم الذي لم يخمد قط، هو ببساطة فضول الإنسان بأن يفهم ما يدور حوله في هذا الكون الشاسع، وهي حقيقة متأصلة في بني الإنسان. لذا فإن البيانات التي سنستقبلها من تلسكوب بقدرات جيمس ويب، ستساعدنا حتما على إزاحة الستار عن بعض أكبر ألغاز الكون، بدءا من كيفية تشكّل النجوم والمجرات الأولى ومدى سرعة توسع الكون، وصولا إلى مدى احتمالية وجود حياة خارج كوكب الأرض. وفيما يلي سنناقش 7 أسئلة سيُسلِّط جيمس ويب الضوء عليها، بحيث يغير طريقة فهمنا للكون.

سديم العنكبوت

سديم العنكبوت (مواقع التواصل)

 

أين تشكلت النجوم الأولى؟ ومتى حدث ذلك؟

تلا الانفجار العظيم ما يسمى بـ”العصور الكونية المظلمة”، وتشكَّل الكون في هذه المرحلة إما من مادة مظلمة لا ينبعث منها ضوء ولا تعكسه، أو مادة مكونة من مزيج من غازَي الهيدروجين والهليوم. وعلى مدار بضع مئات من ملايين السنين، بدأ الغاز في الالتحام مكوّنا النجوم الأولى، ومن هنا تشكَّل الوميض الأول للضوء في الفضاء. أدى الإشعاع الصادر عن هذه النجوم الأولى إلى تأيين الغاز المُحايد المحيط بها، ولذلك سميت “فترة إعادة التأيُّن”، انتقل الكون بعدها من حساء بدائي متجانس إلى مجرات ونجوم وربما حتى كواكب مُصطَفة في وضع غاية في الترتيب والاتساق (بعد الانفجار العظيم، كان الكون عبارة عن حساء بدائي فائق الحرارة والكثافة من الجسيمات الأساسية، خاصة الكواركات والغلونات). صحيح أننا على دراية بحدوث ذلك كله، لكننا لم نجد سبيلا نهتدي إليه لتفسير كيفية حدوث ذلك.

 

قضت “جيهان كارتالتيب” من معهد روتشستر للتكنولوجيا في نيويورك نحو 256 ساعة للإشراف على جيمس ويب، وهذه من بين أطول الفترات في دورة المراقبة الأولى للتلسكوب، وغايتها من ذلك كله أن تكون قادرة على الإجابة عن طيف واسع ومتنوع من الأسئلة المُتَعلّقة بالفجر الكوني، على غرار: ما أنواع النجوم الأولى التي شهدها الكون؟ وفي أي نوع من المجرات تشكَّلت؟ وعند أي مرحلة مبكرة حدثت إعادة التأيُّن؟ وكم من الوقت استغرق ذلك كله؟

 

إنها حكاية الفضول إذن الذي يدفع الإنسان منذ آمادٍ مضت حتى يومنا هذا إلى التوغل في أعماق الكون في محاولة لسبر أغواره، بيد أن أسلاف جيمس ويب من التلسكوبات لم تُشبِع هوس البشرية في معرفة المزيد عن أسرار الكون، وعن هذا تقول كارتالتيب: “إذا استخدمنا تلسكوب هابل على سبيل المثال للكشف عن مجرة بدائية، فإن التلسكوب لن يُظهِرها بوصفها مجرة بقدر ما سيُظهرها كلطخة أو بقعة صغيرة في الصورة، وكل ما يمكنك فعله فقط هو تحديد مدى سطوعها، إلا أن الأمور تبدلت الآن مع جيمس ويب، إذ سَيُمكِّننا الأخير من قياس كتل النجوم الموجودة في هذه المجرات، وتحديد بنيتها، ومن ثَم سيأتي دور الفيزياء في مساعدتنا لفهم طبيعة الكون المُتقَلِّبة”.

 

وكما نرى، فإن مشروع كارتالتيب سيسمح لنا بإلقاء نظرة شاملة على عملية إعادة التأيُّن، وتعليقا على ذلك تقول: “إن عملية إعادة التأيُّن لم تحدث دفعة واحدة في جميع أرجاء الكون، بل بدأت في صورة بؤر صغيرة، ثم امتدت مع الوقت لتغدو فقاعات كبيرة متأينة”. في السياق ذاته، يقول روهان نايدو من جامعة هارفارد إنه تمكَّن من تحديد إحدى هذه البؤر الصغيرة التي يعتقد أنها المكان الذي اندلع فيه الفجر الكوني لأول مرة بقوله: “نعتقد أن ما رصدناه هو المجرات الأولى التي تَشكّلت بعد الانفجار العظيم”.

(مواقع التواصل)

يمكننا قياس مسافة الأجسام في الفضاء السحيق عن طريق ظاهرة تُسمى “الانزياح نحو الأحمر” (red shift). تصف هذه الظاهرة كيف يتحول الضوء نحو أطوال موجية أقصر أو أطول بينما تتحرك الأجسام النجوم أو المجرات في اتجاهنا أو بعيدا عنا. هذا الانزياح يتحرك نحو اللون الأحمر كلما كانت المجرات أبعد وأقدم، (وتبتعد المجرات عن الأرض لأنَّ نسيج الفضاء نفسه يتوسع).

يُعتَقد أن الفجر الكوني بدأ عندما بلغ الانزياح الأحمر 10 درجات، حينها كان عمر الكون تقريبا 500 مليون سنة، غير أن نايدو يعتقد أننا قد نجد دليلا على أن النجوم الأولى تشكّلت في فقاعة مُؤَينة يمكننا رصدها الآن إذا انزاحت هذه الفقاعة نحو الأحمر بمقدار 9 درجات، وتُعدُّ هذه البقعة الصغيرة من السماء موقعا مميزا للغاية، لأنها تحمل بين طياتها ربع المجرات المُرَشحة لأن تبلغ درجات مرتفعة من الانزياح الأحمر. تعليقا على ذلك، يقول نايدو: “لقد بلغ مني الحماس مبلغه، ولا أستطيع الانتظار لأرى هذه المجرات التي بلغتْ درجات مرتفعة من الانزياح الأحمر، لأن ذلك قد يُتيح لنا في النهاية رؤية أول النجوم التي تشكّلت في الكون”.

 

ما أصل الثقوب السوداء العملاقة؟

الثقب الأسود

الثقب الأسود (مواقع التواصل)

تُعَد الثقوب السوداء أحد أغرب الأجرام الكونية على الإطلاق، فهي مناطق في الزمكان شديدة الكثافة والالتواء وتتمتع بقوة جاذبية شديدة، تلقف ما تلقاه، وتلتهم ما يتصدى لها، لدرجة أن شعاع الضوء نفسه يفشل في التملص من قبضتها. ثمة أنواع مختلفة من الثقوب السوداء، منها الثقوب السوداء النجمية التي تنشأ عند انهيار النجوم الضخمة، وتصل كتلتها إلى بضع مئات من كتلة الشمس، ومنها الثقوب السوداء العملاقة، تلك التي تستقر في مراكز معظم المجرات، وتبلغ كتلتها ملايين إلى مليارات المرات من كتلة الشمس.

 

تلعب هذه الوحوش السحيقة التي لا تهدأ شراستها دورا في تطور المجرات، لأنها تتجمع مع بعضها لتطلق نفاثات أو دفقات قوية من الإشعاع تزعزع استقرار كل شيء حولها. وتُعَد إحدى أشد الأمور مدعاة للحيرة في الفيزياء الفلكية هي رؤيتنا لثقوب سوداء عملاقة بلغت كتلتها بالفعل مليارات المرات من كتلة الشمس عندما كان عمر الكون نفسه أقل بكثير من مليار سنة، فحتى لو كانت هذه الثقوب السوداء تتمدد بسرعة هائلة -تتجاوز حتى استيعابنا- عن طريق التهامها النجوم والغازات، فلا بد من أنها بدأت بضخامة آلاف الشموس، ولا نملك مع الأسف أي فكرة عن كيفية حدوث ذلك جراء افتقار نماذجنا الحالية إلى القدرة اللازمة لبلوغ أهدافنا المنشودة في تفسير ما يحدث.

 

وضع العلماء فرضيتين رئيسيتين لتفسير كيفية تشكُّل الثقوب السوداء العملاقة في بدايات الكون. تشير الفرضية الأولى إلى أن الثقوب السوداء تشكلت إما من انهيار سحابة غاز ضخمة على ذاتها، فتحولت مباشرة إلى ثقب أسود عملاق، أو أن هذه السحابة تحولت في البداية إلى نجم هائل، ثم انهار هذا النجم فيما بعد مخلِّفا وراءه ثقبا أسود عملاقا. أما الفرضية الثانية فتشير إلى أن الثقوب السوداء تَشكَّلت من عناقيد أو كوكبة كثيفة من النجوم التي اندمجت مع بعضها، ومع زيادة حجمها واستمرارها في التمدد، انتهى بها المطاف بأن تحولتْ إلى ثقب أسود.

لمعرفة المزيد عن الثقوب السوداء العملاقة، قرر البروفيسور “شياوهوي فان”، من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة، رصد الكوازارات البعيدة (Quasars) (أو ما يُعرَف باسم النجوم الزائفة)، وهي أجسام شديدة السخونة والسطوع تحيط بالثقوب السوداء العملاقة، وتتولد جرّاء تدفق الغاز بسرعات عالية في هذه الثقوب السوداء، مُطلِقا دفقات مهولة من الجسيمات والإشعاع.

لذا، في حال راقب “فان” وزملاؤه عن كثب ثلاثة من أبعد الكوازارات التي نعرفها، واستطاع قياس سرعة سحابة أو قرص من الغاز الذي يدور حول نفسه دورانا حلزونيا أثناء سقوطه في الثقوب السوداء، فسيتمكن حينها على الفور من قياس كتلة الثقوب السوداء. أما إذا جمعنا ذلك مع مقياس لمعان تلك الأجرام، فسنحصل أيضا على معدل تراكم المادة التي يتكون منها الثقب الأسود، وسيتيح ذلك للعلماء معرفة الكتلة الأولية للثقب الأسود، ومتى تشكلت هذه البذور الضخمة الأولية التي نمت لتصبح ثقوبا سوداء عملاقة مع بدايات تشكل الكون.

 

السؤال المتعلق بمن نشأ أولا، الثقوب السوداء أم المجرات؛ يُعَد لغزا أزليا أشبه بمعضلة الدجاجة والبيضة، بيد أنه من الصعب الإجابة عنه بوسيلة دقيقة يُعوَّل عليها، لذا فعوضا عن التساؤل عمن نشأ أولا، يتعيّن على فان وزملائه أن يسلِّطوا الضوء على كيفية اتساع تلك الثقوب، وكيف يؤثر اتساعها على تطور المجرات. نحن نعلم أن أعظم المجرات ضخامة تحمل في جعبتها أكبر الثقوب السوداء، لكن أيهما جاء أولا، وما إذا كان أحدهما مسؤولا عن الآخر، لا يزال لغزا كونيا. غير أن تلسكوب جيمس ويب جاء ليحمل لنا عزاء عميقا بفضل إمكانياته ودقته وحساسيته المتناهية، إذ سنشهد للمرة الأولى الضوء الصادر من النجوم الموجودة في المجرات التي تحمل بين طياتها هذه الثقوب السوداء، كما أن قدرة التلسكوب على رصد الأشعة تحت الحمراء سَتُمكِّننا من تحديد أعمار هذه الثقوب السوداء، ومن ثَم سندرك متى تشكلت النجوم والمجرات عند مقارنتها بتمدد الثقوب السوداء.

 

هل المادة المظلِمة باردة؟

نأتي الآن إلى ما يعرفه العلماء بـ”المادة المظلمة”، وهي مادة مراوغة وغامضة تتسرب في أرجاء الكون، ولا يمكن الاستدلال على وجودها إلا من خلال آثارها الجاذبية. خَلُصَ العلماء إلى أن “المادة المظلمة” تمثل نحو 85% من غالبية المادة الموجودة في الكون، لكننا نجهل أنواع الجسيمات التي تتألف منها هذه المادة، وما إذا كانت بالفعل تتألف من جسيمات (إذ ليس من المحتم أن تتألف المادة من ذرات، بل يمكن أن يتألف السواد الأعظم منها من شيء مختلف تماما).

ما نعلمه حتى الآن أن المادة المظلمة “باردة”؛ ما يعني أنها تتحرك ببطء، فيسمح ذلك للكتل الصغيرة بأن تتجمع وتتمدد إلى بُنى أضخم تُعرَف باسم “الهالات”، وما نملكه بحوزتنا الآن باعتباره أفضل صورة حالية لكيفية تطور الكون، يشير إلى أن المادة المظلمة لعبت دورا حاسما في تشكيل الكون وتطوره، فقد اجتذبت هذه الهالات الغاز الذي تجمع مع بعضه ثم انهار ليشكِّل النجوم والمجرات، وذلك يعني أن المادة المظلمة هي المُجمَل والمُنتهى لكل ما يتشكل منه الكون.

 

تتفاوت أحجام المادة المظلمة من نوع إلى آخر، فثمة أنواع تصل كتلتها إلى ملايين المليارات من كتلة الشمس، في حين يصل حجم أنواع أخرى إلى أقل من كتلة الأرض. لكن إذا أولينا بعض الاهتمام لهالات المادة المظلمة، فسنكتشف أنها لكي تجذب ما يكفي من الغاز لتشكيل المجرات، لا بد أن تزيد كتلتها عن 10 ملايين ضعف كتلة الشمس. وفقا لفهمنا للتطور الكوني، فإن كوننا ينطوي على جيوب خفية تواري ما لا تراه أعيننا، ومن هنا يُفتَرض أننا محاطون بالعديد من هذه الجيوب التي تحمل في جعبتها المادة المظلمة.

 

في تلك الأثناء، قررت البروفيسورة “آنا نيرنبرغ” -من جامعة كاليفورنيا- وزملاؤها إجراء نموذج محاكاة لاختبار ما إذا كانت المادة المظلمة باردة وبطيئة فعلا أم أن ذلك محض افتراضات. وبمراقبة الفريق للكوازارات (النجوم الزائفة)، سينعكس الضوء المنبعث منها أو ينحني بفعل جاذبية هالة المادة المظلمة التي لا تحوي بين طياتها مجرات. في هذه الحالة، سينحرف الضوء بطريقة تجعله يخلق صورا متكررة في التلسكوب، وهذا هو بالضبط الهدف المنشود من تجربة نيرنبرغ وزملائها. ومن يعلم؟! فربما تتحول هذه التجربة إلى دليل نحو فهم العالم بصورة أدق وأشمل. تعليقا على ذلك تقول نيرنبرغ: “إن اكتشاف هذه الهالات الصغيرة سيغدو حدثا يستثير الانتباه، وسَيخُط نجاحا ساحقا لهذا النموذج، لكننا مع ذلك مُعَرضون في أي وقت لأن يخيب مسعانا، فغياب تلك الهالات الصغيرة سيعني أن المادة المظلمة لا يمكن أن تكون باردة، بل يغلب على طابعها سمة أشد غرابة، وقد يُفصِح ذلك عن أن افتراضات العلماء حول المادة المظلمة تحفل بثغرات من الخطأ”.

 

كيف تتحول النجوم الضخمة إلى “سوبرنوفا”؟

Supernova (مستعر أعظم)

مستعر أعظم (شترستوك)

في مكان ما في الكون، حينما يصل نجم في حجم شمسنا إلى نهاية حياته، فإنه يتلاشى بهدوء في نسيج الكون المظلم، غير أن هذه العملية لا تسير بهذا النسق الهادئ مع النجوم الأضخم، إذ لا تقبل الأخيرة بأن تتردى في الهاوية بسلام وكأنها لم تكن يوما، بل تنفجر بعنف في أوج مجدها في مشهد مهول مُخلِّفة وراءها سطوعا لا مثيل له، وكَمّا هائلا من الطاقة في محيطها، وتُسَمى هذه العملية بـ”انفجار المستعر الأعظم” أو “السوبرنوفا” الناجم عن انهيار النواة النجمية (core-collapse supernovae). ونتيجة لموجات الصدمة الناتجة عن حرارة الانفجار، تولد أجيال جديدة من النجوم.

 

عندما تنفجر السوبرنوفا فإنها تطلق العنان لفيض من جميع أنواع العناصر الكيميائية والتفاعلات النووية، وتلك العناصر هي المسؤولة عن إثراء السحب الغازية التي تصنع الكواكب على غرار كوكبنا. صحيح أننا نرى السوبرنوفا طوال الوقت، لكن لكي يُلقي النجم بنفسه في تيار زاخر بالانفجارات العنيفة، لا بد أن يكون حجمه على الأقل ثمانية أضعاف كتلة الشمس، وبمجرد وصوله إلى هذا الحجم ينتهي به المطاف مُنفجِرا. في مرحلة ما من حياة النجم، تكون نواته غير قادرة على تحمل وزن طبقاته الخارجية، فتخونه قدرته على الاستمرار، فينهار وينفجر مخلِّفا وراءه مستعرا أعظم. ربما نفطن إلى ذلك كله، لكن الآلية التي تتبناها هذه الانفجارات هي ما يقف وعينا حيالها حائرا لا يدري من أمرها شيئا.

 

يمكن للنجم أن يتحول إلى مستعر أعظم بطريقة من اثنتين؛ إما بـ”التقاط الإلكترون”، وفي هذه الحالة يحمل النجم في جعبته نواة مكونة من الأكسجين والنيون والمغنيسيوم، تتماسك هذه المواد مع بعضها بفعل ضغط إلكترونات هذه الذرات، وما إن تزداد كثافته للغاية حتى تمتص نواة ذرات النيون والمغنيسيوم إلكتروناتها فيما نسميه بـ”تفاعل التقاط الإلكترون (an electron -capture reaction)”. هذا التفاعل يُقلل من الضغط، فيؤدي بدوره إلى انهيار الجاذبية للطبقات الخارجية للنجم، ونتيجة لهذا الخلل في التوازن، يجد النجم نفسه يضرب في جوانب الكون لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فينتهي به الأمر مُنفَجِرا.

(مواقع التواصل)

أما الطريقة الثانية فيُطلَق عليها “انهيار النواة الحديدية (iron-core collapse)”. في هذه الحالة، تتشكل نواة النجم من الحديد، ولأن الحديد عنصر شديد الاستقرار، فيتعذر عليه الاندماج مع عناصر أخرى لإطلاق الطاقة، وجرّاء ذلك تفقد التفاعلات النووية قدرتها على موازنة الجاذبية؛ ما يؤدي في النهاية إلى انهيار النجم. من المستحيل معرفة ما يحدث داخل النجم لحظة انفجاره، لأن الطبقات الخارجية تغشى اللب الداخلي وتحجب عنا الرؤية، لكن في الوقت ذاته تحاول عالمة الفلك “تيا تميم” -من جامعة برينستون الأميركية- الاستفادة من جيمس ويب بإزاحة الستار قليلا عما يحدث داخل نواة النجم عند انفجاره، وذلك من خلال مراقبة “سديم السرطان (Crab nebula)” عن كثب، وهو بقايا انفجار سوبرنوفا لنجم تبلغ كتلته 8-10 أضعاف كتلة الشمس.

 

رصد علماء الفلك سديم السرطان لأول مرة عام 1054، ويُعَدّ هذا السديم أحد أكثر الأجسام الفلكية التي كرَّس العلماء جهدا لدراستها بدقة في جميع العصور. إذا تفحصنا هذا السديم جيدا، فربما نتمكن من معرفة كيفية انفجاره، لأن كلّا من آليتَي الانفجار المحتملتين ستترك بصماتها، وتظهر هذه البصمات على هيئة نسب مختلفة من عنصري الحديد والنيكل المستقرين في المادة التي قذفها النجم عقب انفجاره. ومن جانبها، تقول تميم إن سديم السرطان يتمتع ببنية تأيُّن شديدة التعقيد، ولحسن الحظ، فإن جدارة جيمس ويب تقتضي حتما تمييز الطريقتين المُحتملتين لانفجار النجم.

 

من أين تحصل كواكب مثل الأرض على مياهها؟

نحن محظوظون كفاية لأن نحظى بكوكب مُشبَع بمياه مصدرها المحيطات والبحيرات والأنهار والشلالات، لكن وفقا لفهمنا الحالي لتاريخ نظامنا الشمسي، فإن كوكبنا المُتَجلي كنقطة زرقاء باهتة في هذا الفضاء الشاسع، لم يكن مُفعَما بهذه الزرقة على الإطلاق في بداية تشكله، فعندما تشكَّلت الأرض منذ حوالي 4.5 مليارات سنة من مزيج من الغاز والغبار، كانت تقع عند “خط الثلج (snowline)”، وهو نصف القطر الذي تكون درجة الحرارة خارجه منخفضة بما يكفي لتحويل الماء كله إلى جليد.

 

في ذلك الوقت، كانت الشمس تُطلِق كميات طاقة مهولة تفوق ما تُطلِقه اليوم، فضلا عن ضغط الإشعاع الذي دفع أي بخار ماء بالقرب من الأرض إلى ما وراء خط الثلج، ما يعني أن المادة التي شكَّلت الأرض لم تحمل بين طياتها أي مصدر للماء. وتعليقا على ذلك، تقول “إيزابيل ريبوليدو”، من معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ماريلاند بأميركا: “ما توصلنا إليه من استنتاجات يؤكد لنا أن مياه الأرض قد أتت من مكان ما خارج نطاق كوكبنا”.

المياة على الارض

يرى علماء الكواكب أن مصدر المياه على كوكبنا ربما جاء لاحقا من الكويكبات أو المذنبات في فترة تُعرَف باسم “القصف الشديد المتأخر”. ما قد نسهو عنه أحيانا أن التأثيرات الثانوية لحركات الكواكب الغازية العملاقة في النظام الشمسي الخارجي ربما لعبت دورا في دفع الحطام المُكَوَّن من الجليد إلى داخل نظامنا الشمسي؛ ما أدى إلى إرسال المياه إلى الأرض، إضافة إلى خلق العديد من الفوهات القمرية (وهي فوهات صدمية موجودة على سطح القمر، عبارة عن حفر ناتجة عن اصطدام عنيف لكتل صخرية مثل النيازك). للتأكد من هذه النظرية، قررت “ريبوليدو” مراقبة 5 أنظمة كوكبية خارج نظامنا الشمسي في مرحلة مماثلة من التطور، وهي المرحلة التي تكون عندها الكواكب الغازية العملاقة قد تشكلت بالفعل، وتسببت حركاتها في زعزعة استقرار المواد من حولها.

 

على المنوال ذاته، تقول “ريبوليدو”: “إن أحد التفسيرات المحتملة لمصدر الغاز الذي نكتشفه في المناطق الداخلية لأنظمة الكواكب هو أن الأجسام الصلبة والجليدية المُرسَلة من المناطق الخارجية تتبخر”. ما يعني أنه يمكن بالفعل نقل الأجسام الجليدية من المناطق خارج النظام الشمسي إلى الكواكب الصخرية داخل خط الثلج، فيضفي ذلك على العوالم القاحلة لونا أزرق يشي بوجود مياه على سطح الكوكب.

 

هل توجد حياة على كواكب أخرى؟

ما لبث أن أسَر هذا السؤال عقل الإنسان، وظل يحوم على غير هدى في رأسه تاركا إياه حائرا لعدة قرون. وللإجابة عن هذا التساؤل، لجأ العلماء إلى البحث عن “البصمات الحيوية” أو آثار للحياة في الغلاف الجوي للكواكب خارج مجموعتنا الشمسية “exoplanet”. تظهر هذه الآثار على هيئة مجموعات معينة من الجزيئات، على غرار الميثان وثاني أكسيد الكربون، فيشي وجودهما بإمكانية وجود حياة على هذه الكواكب، غير أن ذلك كله يعتمد في الأساس على وجود غلاف جوي من عدمه.

(مواقع التواصل)

للتعرف على الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، يستعين الخبراء بـ”تقنية العبور (transit technique)”. عندما يمر كوكب أمام نجمه المُضيف، تتفاعل الجزيئات المختلفة في غلافه الجوي مع ضوء النجم، وتنبعث منه الأشعة تحت الحمراء أو يمتصها بأطوال موجية مُحَدَدة تشكِّل البصمات الكيميائية لجزيئيات هذه الكواكب، والتي تشي بما إذا كانت هذه الكواكب صالحة لتأوي حياة بداخلها. لحسن الحظ، يتمتع جيمس ويب بـ”راسم طيف (spectrograph)” حساس للغاية إزاء البصمات الكيميائية لجزيئات الكواكب. تعليقا على ذلك، تقول “ميغان مانسفيلد”، عالمة الفلك بجامعة أريزونا الأميركية: “سيشكِّل تلسكوب جيمس ويب ثورة في علم الفلك، لأن التلسكوبين هابل وسبيتزر كانت لهما نطاقات أطوال موجية محدودة نسبيا، لذا كانت معلوماتنا عن الغلاف الجوي للكواكب الخارجية شحيحة بعض الشيء”.

 

ولكن حتى مع القدرات غير المسبوقة لجيمس ويب، فأغلب الظن أنه لا يستطيع العثور على البصمات الحيوية أو آثار الحياة سوى على كواكب تدور حول نجوم باردة منخفضة الكتلة تُسمَّى “الأقزام الحمراء” أو “الأقزام من المرتبة إم (M dwarfs)”؛ ما يعني أن مجموعة جذابة ومميزة للغاية من الكواكب الخارجية ستقع ضمن نطاق رؤيتنا. ومن بين آلاف النجوم المعروفة باستضافتها لكواكب خارجية، يبرز نجم رائع يُعرَف باسم “ترابيست-1″، وهو نجم صغير تدور حوله 7 كواكب صخرية اكتشفها العلماء عام 2016. وكما نرى، فإن هذا النجم يضم في كنفه عددا كبيرا من الكواكب التي تتمتع بدرجة حرارة مناسبة للاحتفاظ بالمياه السائلة على سطحها أكثر من أي نظام آخر نعرفه.

 

على الجانب الآخر، ترى مانسفيلد أنه على الرغم من ذلك كله، فإننا ما زلنا نجهل ما إذا كانت الكواكب التي تدور حول النجم ترابيست، أو أي عوالم أخرى تدور حول الأقزام الحمراء، يمكنها الاحتفاظ بغلافها الجوي لفترة كافية لتطور حياة فيها، وذلك لأن الأقزام الحمراء تتمتع بنشاط أكبر بكثير من نجوم أخرى مثل شمسنا، فضلا عن أن الكمية الغزيرة من الإشعاع عالي الطاقة التي تطلقها يمكن أن تُجَرِّد الكواكب من غلافها الجوي، ومن هنا يأتي أحد أهم الأدوار التي سيلعبها جيمس ويب، وهو البحث عن حياة خارج كوكب الأرض بتحديد ما إذا كانت الكواكب الخارجية التي تدور حول الأقزام الحمراء تتمتع بأغلفة جوية أم لا.

 

من جهة أخرى قرر “كيفن ستيفنسون” -من جامعة جونز هوبكنز بولاية ماريلاند الأميركية- مراقبة 5 كواكب خارجية تدور حول أقرب نجم من الأقزام الحمراء، منها كوكب واحد من نظام ترابيست، وعن هذا يقول: “إذا لم يكن لأي من الكواكب الخمسة غلاف جوي، فهذا يخبرنا أن الأغلفة الجوية في الكواكب التي تدور حول القزم الأحمر نادرة، وحينها سيتوجب علينا أن نوجه جهودنا نحو مراقبة كواكب تدور حول أنواع أخرى من النجوم”.

 

لكن إذا اكتشفنا على الجانب الآخر أن هذه الكواكب تتمتع بغلاف جوي على سطحها، فسيكون لدينا مرشحين جيدين لمراقبتهم، غير أن الوصول إلى هذه الخطوة ليس بالأمر اليسير حتى مع إمكانيات جيمس ويب الخارقة. لذا، تعليقا على ذلك، يقول ستيفنسون: “صحيح أنني لا أملك أدنى فكرة عما إذا كنا سنحقق أهدافنا المنشودة خلال السنوات العشر القادمة بمساعدة جيمس ويب أم لا، لكننا لا نملك خيارا آخر سوى الاستمرار في المحاولة”.

 

هل معدل تمدد الكون يفسِد أفضل نموذج كوني لدينا؟

إننا نعيش في كون ذي طبيعة ديناميكية تُحتِّم عليه أن يكون في حالة من الحركة والتمدد المستمرين، إذ تبتعد المجرات عن بعضها بمعدل يُعرَف بـ”ثابت هابل (Hubble constant)”. يمكن للعلماء قياس هذه المسافات إما بطريقة مباشرة، من خلال تحديد المسافات التي تفصل بيننا وبين الأجسام الفلكية البعيدة، أو بطريقة غير مباشرة بمقارنة الملاحظات التي بحوزتنا عن الكون في مراحله الأولية مع أفضل نظرية لدينا عن كيفية تطور الكون، لكن تظل المشكلة الأساسية هي عدم اتساق القياسيين، بمعنى أن النتائج النهائية للطريقتين تنافي بعضها.

تلسكوب هابل

تلسكوب هابل (شترستوك)

يفترض نموذجنا الكوني الحالي (وهو وصف كلي للشكل الحالي للكون وتطوره عبر الزمن) أن الكون يتألف من الإشعاع والمادة (بما في ذلك المادة المظلمة الباردة)، بالإضافة إلى الطاقة المظلمة، وهي شكل محيّر من الطاقة يُعتَقد أنه مسؤول عن التوسع الذي نلاحظه. لقياس معدل توسع الكون، استعان العلماء ببيانات من إشعاع بقايا الانفجار العظيم المعروفة باسم “إشعاع الخلفية الكونية الميكروي أو الخلفية الميكروية الكونية”، ثم أضافوا هذه البيانات إلى النموذج الحالي للكون، وتوصلوا إلى أن الكون يتوسع بمعدل 67 كيلومترا في الثانية لكل ميغا فرسخ (التي تساوي 3.26 مليون سنة ضوئية). لكن المشكلة التي واجهت علماء الفلك عند قياسهم لثابت هابل هي اكتشافهم أن قيمة توسع الكون تعادل 73 كيلومترا في الثانية لكل ميغا فرسخ.

 

هذا التضارب بين القيمتين، الذي يُعرَف بـ”معامل توتر هابل (Hubble tension)”، يمكن أن يشير إلى وجود خطأ خطير في فهمنا للتطور الكوني. ورغم ذلك لا يزال النموذج الكوني القياسي ناجح للغاية، لأنه قادر على تفسير جميع أنواع الملاحظات والتساؤلات، لذا فالتخلي عنه ليس بالأمر اليسير على الإطلاق، ويلعب جيمس ويب دورا في حسم هذا الجدل. لكي نحصل على قيمة لثابت هابل، يستخدم علماء الفلك “سلم المسافة الكونية” (وهو سلسلة من الطرق لتحديد المسافات بين الأجرام السماوية)، يستند هذا السلم إلى النجوم المعروفة باسم “النجوم القيفاوية (Cepheids)”، وهي نجوم شديدة اللمعان، ويتغيّر لمعانها بمعدل مرتبط بمدى سطوعها في المطلق، ما يسمح لنا بقياس المسافة بيننا وبينها. وبانتقالنا إلى الدرجة التالية من السلم باستخدام “الشموع القياسية أو المعيّارية” الأخرى، على غرار المستعرات العظمى (السوبرنوفا)، يمكننا حساب المسافات بدءا من تلك التي تفصلنا عن المجرات القريبة، وصولا إلى حافة الكون المرئي.

 

على الرغم من ذاك كله، فإن الكثير من الشكوك ما زالت تحوم حول تلك القياسات. ولانتشالنا من دوامة الشكوك هذه، قررتْ “ويندي فريدمان”، أستاذة علم الفلك والفيزياء الفلكية بجامعة شيكاغو، قياس المسافة باستخدام مجموعة متنوعة من “الشموع القياسية”، فمثلا “النجوم القيفاوية” غالبا ما تكون محاطة بنجوم شابة أخرى، وستساعد دقة الصور التي يوفرها جيمس ويب على قياس مدى توهج هذه النجوم القيفاوية بالنسبة إلى جيرانها، فضلا عن الحساسية العالية التي يتمتع بها التلسكوب إزاء رصد هذه النجوم في المجرات البعيدة. ولأن الإنسان فُطِر على أن يجد لذة فريدة في الفهم، ومحاولة إخضاع الكون للاستيعاب، قررت فريدمان أن تجمع بين قياسات النجوم القيفاوية وطرق أخرى لقياس المسافة بيننا وبين المجرات الأخرى، وغايتها من ذلك كله هو تقديم فهم أفضل لمدى دقة حساباتنا لثابت هابل.

 

إذا نجحتْ هذه الأساليب المُستَقِلة في التوصل إلى القياسات ذاتها التي سَيُظهِرها ثابت هابل، فسنتأكد حينها من أن القياسات الفلكية فعالة وحازمة، وسيختفي في الوقت ذاته توتر هابل، وعن هذا تقول فريدمان: “إذا أثبتنا أن النموذج القياسي نجح بالفعل، فسَتُعَد هذه نتيجة مهمة للغاية”، لكن يبقى السؤال الأهم هنا: ماذا لو كانت القياسات الفلكية ما زالت تختلف عن النموذج الكوني؟ للإجابة عن ذلك، تقول سويو: “سيكون الأمر مثيرا للاهتمام حقا إذا اتضح أن هناك فيزياء جديدة لم يُخلَق بيننا وبينها جسر ممهد بعد”.

 

حتى لو توصل علماء الفلك -ممن حصلوا على فترات في دورة الرصد الأولى لتلسكوب جيمس ويب- إلى المكان الذي من المفترض لهم أن يبحثوا فيه بالضبط، فإن ذلك لا يمنع حماسهم إزاء احتمالية رؤية شيء غير متوقع. وعن هذا، تقول “ويندي فريدمان”: “آمل أن نكتشف شيئا لم نكن نتوقعه”. كما تعبِّر “كريستين ماكوين” -من جامعة روتجرز بنيوجيرسي- عن حماسها الشديد هي الأخرى بشأن الأسئلة التي لا تطرأ على بالنا ولا نملك المعلومات الكافية حتى لطرحها، وتستشهد بصورة التقطها تلسكوب هابل عام 2004 بعد توجيهه إلى بقعة صغيرة عشوائية في الفضاء، ليتفاجؤوا بوجود آلاف النجوم والمجرات المتلألئة التي كانت أقدم مما تخيله أي شخص، وضربت هذه النتيجة حينها بتوقعاتهم عرض الحائط، وأعادت هذه الصورة الجذابة تشكيل الكون بصورة نابضة ومؤثرة، وغيّرت حينها من علم الكونيات تماما.

 

في النهاية، عندما يبتكر العلماء أداة جديدة على غرار تلسكوب جيمس ويب، فإن ذلك يُعَد بمثابة نافذة جديدة مفتوحة على عوالم متخمة بالاحتمالات وفقا لوجهة نظر فريدمان، التي تُنهي حديثها قائلة: “سيحظى كل مجال من مجالات علم الفلك تقريبا بنصيب من أشياء جديدة ستُضاف إلى رصيده، فضلا عن الاكتشافات التي لا يتوقعها أحد على الإطلاق، والتي تنطوي على قدر كبير من الإثارة والتشويق”.

——————————————————————-

هذا المقال مترجم عن New Scientist ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

المصدر : الجزيرة


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *