يمضي معظم الناس كثيرا من الوقت والجهد على تحقيق مفهوم “المنزل”، بدايةً من البناء والتصميم والديكور إلى انتقاء ألوان الأثاث وكل المقتنيات الضرورية، مما يجعل هذا الجانب الضخم من حياة الشخص يؤثر تأثيرا كبيرا على صحته النفسية والعقلية.
المنزل أكثر من مجرد مأوى ومكان للعيش، فهو امتداد للهوية الذاتية، ووسيلة للتقارب وحماية العائلة.
لذا، فإن الشعور المتكرر لدى كثيرين بالضيق أو التوتر والاكتئاب ربما يعود إلى كيفية تعبير هذا المنزل عنهم، ومدى توفير المكان الراحة والهدوء النفسي لكي يعيش الشخص فيه بسلام واطمئنان.
أثر شكل البيئة المحيطة على الصحة النفسية والعقلية
العقل والجسم مترابطان، ويمكن أن يتأثرا بعوامل خارجية عدة، ومنها البيئة التي نعيش فيها، فيمكن أن يوفر المنزل الهادئ والمريح للبصر إحساسًا أكبر بالرفاهية من المنزل الفوضوي المضطرب.
حتى لون الجدران والمفروشات يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية؛ فقد وجدت البحوث العلمية أن اللون يمكن أن يؤثر على مزاج الشخص وسلوكه وحتى الوظائف الإدراكية وشعوره باليقظة والتركيز والتفاعل.
ففي إحدى الدراسات العلمية التي نشرتها مجلة “سيدج” (Sage) للبحوث العلمية والتجارب، طليت بناية داخل حرم جامعي في إحدى الجامعات الأميركية بألوان متنوعة، وذلك لقياس الحالة المزاجية والأحاسيس التي تثيرها الألوان بين الطلاب.
وبالفعل، وجد الباحثون أن الطلاء باللون الأخضر كان سببًا في شعور الطلاب بالسلام. في المقابل، فضَّل معظم الطلاب اللون الأزرق لتحقيقه شعورًا باليقظة والنشاط، بينما كان اللون البني والبرتقالي والرمادي أقل الألوان المفضلة لديهم.
من ناحية أخرى، اتضح أنه باختيار ألوان مثل الأحمر والأصفر لقاعات الطعام والكافيتريا تحقق لدى الطلاب شعورًا بأن تلك المساحة “جذابة” وجعلت وقت الراحة والغداء “أكثر متعة”.
من هنا، يتضح أن مجرد انتقاء لون المنزل والمكان الذي يقضي الشخص فيه معظم وقته قد يكون عاملًا أساسيا في مدى شعوره بالاسترخاء أو القلق على مدار اليوم.
أثر الفوضى والتنظيم على الشعور بالتوتر
داخل المنزل، يمكن أن يكون للفوضى وعدم التنظيم تأثير كبير على مستوى مشاعر الشخص ومعدلات التوتر والقلق اليومية.
يوضح موقع “غرين ريزيدنتال” (Green Residential)، المتخصص في الصيانة المنزلية، أن “الفوضى غالبًا ما تكون مصدرًا رئيسًا للتوتر، سواء أكنت تدرك ذلك أم لا. فمن المرهق للعقل وضع اعتبارات لكل هذه العناصر والتعامل مع كل شيء من حولك واستخدامه أو حتى تخزينه في أماكن مخصصة”.
الفوضى ليست فقط مزعجة ومرهقة للأعصاب والمشاعر، بل لها في الواقع تأثير على الطريقة التي نعيش بها حياتنا، وتؤدي إلى التالي:
تقليل الإنتاجية: الفوضى هي ببساطة إلهاء، فعلى مستوى البصر هناك دائمًا شيء ما يصرف تركيزك بعيدًا عن المهمة التي تود أن تقوم بها. ومن الناحية العملية، قد يمضي الشخص وقتًا طويلًا في البحث عن الأشياء التي يحتاجها عند كل مهمة، بدلًا من التركيز في إنهاء المهام المنزلية المعتادة.
زيادة الشعور بالتوتر: غالبًا ما تكون الفوضى مصدرًا رئيسيا للتوتر، كذلك فإن الأمر غير آمن وغير صحي على حد سواء.
ارتفاع معدلات الإصابة والعدوى: من وجهة نظر عملية للغاية، تُعد الفوضى المفرطة مصدر خطر صحي، فمن السهل على الكبار والصغار الانزلاق أو التعثر فوق شيء ما. كما أن الأمر غير صحي، إذ تشكل أكوام القمامة أو الصحون المتراكمة منذ أيام مثلًا تربة خصبة لتكاثر الجراثيم والمواد المسببة للحساسية، قد تؤثر في النهاية على صحة وسلامة الأسرة بالكامل.
ألوان المنزل والأثاث لها تأثير مهم
هناك أدلة كثيرة تشير إلى أن الألوان التي نتعرض لها يوميا تؤثر في مزاجنا وسلوكنا ومستويات التوتر والقلق، هذا صحيح خاصة في المنزل.
ومن خلال اختيار ألوان الطلاء والمقتنيات بشكل واعٍ، خصوصًا في الغرف الرئيسة مثل غرفة النوم والمطبخ، يمكن الشعور بسعادة أكبر ورضا وإنتاجية أكثر.
الفوضى والتخلص من الأشياء القديمة أو التالفة
إذا كان المنزل يعج بالفوضى، فقد حان الوقت للمضي قدمًا وإعادة فرز الأدوات التي لم تعد هناك حاجة إليها أو العناصر غير المهمة.
التخلص من هذه الأشياء أو بيعها أو التبرّع بها للفقراء سيؤدي إلى رفع العبء عن كتفيك، وسيفضي إلى الشعور الفوري بالتحسن والتخفّف.
كذلك، ففي بعض الأحيان عندما تتدهور الصحة النفسية والعقلية من دون أسباب واضحة، قد لا تكون المشكلة في الإضاءة أو لون الأثاث، ولكن هناك بعض الجوانب الأخرى المؤثرة في المنزل أيضًا.
على سبيل المثال، ربما تحتاج بعض الأشياء الأساسية إلى الإصلاح، أو أن الأدراج والخزانات غير منظمة، ومن ثم تسبب كثيرا من المشاعر السلبية والضيق عند استخدامها.
يمكن ببساطة تخصيص يوم العطلة لإعداد قائمة بجميع الإصلاحات التي يجب القيام بها ومعالجتها واحدة تلو الأخرى قدر الإمكان، وتقسيم الموازنة بشكل ملائم لوضع الضروريات التالفة في الاعتبار عند الإنفاق، حسب مجلة “جيندر ميد جورنال” (Gender Med Journal) للمعرفة والطب النفسي.
تحقيق الشعور بالراحة في المنزل
على سبيل المثال، قد يجعلك الأثاث غير المنظم وغير المريح تشعر براحة أقل في المنزل. بدلًا من ذلك، يجب التفكير في إعادة ترتيب الأثاث بحيث يواجه بعضه بعضًا لتشجيع أفراد المنزل على الترابط والشعور بالحميمية، فذلك يعزز الإحساس بالحيوية والصحة العقلية.
ضع في اعتبارك أيضًا الحصول على وسائد وأغطية لجعل المساحة أكثر جاذبية وراحة عند الجلوس والاتكاء.
التعليقات