يطالب الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء بامتلاك احتياطيات من الغاز لا تقل عن 80 في المئة من سعتها التخزينية بحلول الأول من نوفمبر.
وفي تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” اعتبر الخبير في الطاقة، فليب تشارلز، أن “هذا المخزون لن يكون كافيا لتغطية فصل الشتاء المقبل”، مضيفا أنه “سيغطي احتياجات أوروبا لشهرين أو ثلاث على أبعد تقدير”.
وأوضح تشارلز: “لن تخاطر الدول الأوروبية بانتظار انتهاء هذا المخزون، بل ستبحث عن إمدادات جديدة ويومية تقيها أزمة أكبر. فالغاز هو مصدر مهم لإنتاج الكهرباء في أوروبا، إذ أنه يتم توليد 20 في المئة من الكهرباء الأوروبية عن طريق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز. كلما أصبح أكثر ندرة، يرتفع سعره. وهذا له عواقب مباشرة على سعر الكهرباء”.
وتابع: “يجب الإشارة إلى أن الغاز المستورد لا يستعمل أساسا لإنتاج الكهرباء في أوروبا لأن أغلبه يتم استغلاله في التدفئة بنسبة 50 في المئة، و30 في المئة بالصناعة ثم 20 في المئة لتوليد الكهرباء”.
وإذا كانت الحرب في أوكرانيا قد أدت إلى تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، مع توقف إمدادات الغاز الروسي، فإنها لم تخلق هذا الوضع.
فقبل الحرب، كانت أسعار الطاقة بالفعل في ارتفاع هيكلي بسبب التحول بميدان الطاقة والدور المحوري للغاز، وارتفاع الدولار.
وهذا ما يؤكده تشارلز بالقول: “إن هذه الأزمة كانت متوقعة، لكن لم يتم التعامل معها بشكل جيد مسبقا من طرف السياسيين، والأزمة الأكرانية زادت الطين بلة”.
حلول ترقيعيه في وجه العاصفة
ولتجنب النقص المحتمل في الغاز وانقطاع التيار الكهربائي، تتخذ الدول الأوروبية عدة تدابير أساسية، فقد التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد بخفض استهلاكها للغاز بنسبة 15 في المئة على الأقل بين 1 أغسطس 2022 و31 مارس 2023.
وفي ألمانيا وفرنسا، لن تتعدى درجة حرارة تدفئة الإدارات 19 درجة مئوية، وسيتم حظر الإعلانات المضيئة قريبا بين الساعة الواحدة والسادسة صباحا في فرنسا بغالبية الأماكن العامة.
وفي إسبانيا، يقتصر تكييف الهواء على 27 درجة في المحلات التجارية ودور السينما والمسارح والمطارات والمحطات.
كذلك تسعى الدول التي فضلت الطاقات المتجددة خيارا أساسيا لتوليد الطاقة أن تضاعف عددها وتوسع مجالات استعمالها.
ويعتبر خبير سياسة الطاقة، فابيان بوجلي أن هذه الحلول “تبقى غير كافية”، موضحا أن “الاعتماد على الطاقات المتجددة يدفع إلى الاحتياج الشديد للحفريات. ومع تخلص الدول الاوربية من المفاعلات النووية والتوقف التدريجي لنورد ستريم 1، فالأزمة لن تحل”.
وبيّن بوجلي أن “الحل الوحيد لأوروبا هو التوقف عن الاستثمار في الطاقات المتجددة والاهتمام بالمفاعلات النووية وبناء أخرى جديدة إلى جانب تلك القديمة”.
وأضاف: “بفضل الطاقة النووية، كان السعر في فرنسا في عام 2020 عند 32.2 يورو لكل ميغاواط / ساعة، ومع أزمة الغاز التي بدأت في عام 2021 بسبب انخفاض إنتاج توربينات الرياح في أوروبا، وصل السعر الفوري إلى 109 يورو لكل ميغاواط/ ساعة في المتوسط على مدار العام، وحددت سوق العقود الآجلة سعرا فوريا عند 1000 يورو لكل ميغاواط / ساعة تنتهي صلاحيتها مع حلول عام 2023”.
وأشار إلى أنه “كما أن سوق الكهرباء في أوروبا حاليا في حالة جنون ويرجع ذلك جزئيا إلى الطلب القوي والمتزايد على الغاز الطبيعي خصوصا من طرف الدول التي استثمرت بكثافة في توربينات الرياح وبسبب الابتعاد عن الطاقة النووية، وقد تفاقمت الأزمة بسبب الصراع الروسي-الأوكراني الذي زعزع استقرار إمدادات الغاز في بلدان مثل ألمانيا”.
وما يقلق بوجلي هو أنه “في هذه الفترة التي نعاني منها من نقص الكهرباء، سيتعين على البلدان التي تعاني من عجز أن تستورد من الدول المجاورة، وهي ظاهرة تزيد من تضخم أسعار الكهرباء. لهذا في فصل الشتاء، إذا لم يتم فعل أي شيء لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، فسوف نشهد ارتفاعا جديدا في الأسعار الفورية التي ستؤثر بدورها على فواتير الشركات والأسر”.
أما تشارلز فأوضح أنه وفي حال تسجيل نقص حاد في مصادر الطاقة في فضل الشتاء المقبل، فإن هذا سيتسبب في أزمة اقتصادية كبيرة في أوروبا، وستكون الصناعة المتأثر الأكبر.
ووفقا لحديثه، فإن الدول التي تطالب بتقليل استهلاك الطاقة بنسبة 10 إلى 20 في المئة، فإن طلبها لا يتماشى طلبها مع النمو الاقتصادي، مبينا بالقول: “في عام 2020 مع انتشار وباء كورونا، انخفض استهلاك الطاقة في فرنسا بنسبة 20 في المئة لكن في المقابل تم تسجيل ركود اقتصادي بنسبة 6 في المئة. هذا ما قد يحدث العام المقبل مع حلول فضل الشتاء”.
وبدوره اعتبر الخبير الاقتصادي في “أكسفورد إيكونوميكس” للتنبؤ الاقتصادي العالمي والتحليل الاقتصادي القياسي، ريكاردو مارسيلي فابياني، في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية” أنه على المدى البعيد، وفيما كل التوقعات كانت تسير نحو تأكيد انخفاض أسعار الغاز في الأسواق مع حلول عام 2023، لكن، بعد خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن ومع التطورات الجيوسياسية الحالية، وفي حال تحولت الأمور إلى أسوء مما هي عليه الآن فيما يخص الحرب الدائرة في أوكرانيا فهذا يعني أن ثمن المواد الخام سيبقى مرتفعا وبالتالي الأزمة الاقتصادية ستزيد وستتعمق وتطول وسترتفع نسبة البطالة بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية كثيرة.
التعليقات