لكن الركون إلى حاجة الناس للمياه في ظل أزمة الطاقة، ليس سبباً كافياً لإنجاز المشروع من دون دراسات علمية هيدروجيولوجية وهيدرولوجية، تستند إلى طبيعة المياه الجوفية والسطحية والأثر البيئي المترتّب عن تغيير طبيعة سير المياه، وهي مخاوف أثارتها جمعية نداء الأرض في منطقة عربصاليم المحاذية لنبع الطاسة. وترى نائبة رئيسة الجمعية نجاة فرحات، أن ما يُحكى عن فائض في النبع “لا يكفي لمدّ البلدات المقصودة بالمياه. فالفائض يتكوَّن لنحو أسبوع ويمتد لنحو شهر ونصف في أحسن الأحوال، وهو ليس بكميات تصل لدرجة إنجاز مشروع بهذه الضخامة”. وتتساءل في حديث لـ”المدن”، عمّا إذا كان بالإمكان “التنبؤ بالكميات الفائضة كلّ عام، وما إذا كانت تحتاج لمثل هذا المشروع”.
في المقابل، يؤكّد ضاهر أن “مصلحة المياه هي جهة رسمية ولديها حصرية العمل في قطاع المياه وتقرّر ما هو مناسب من المشاريع. ومشروع نبع الطاسة موضوع وفق دراسة نفّذتها شركة دار الهندسة. ويبقى هدف مصلحة المياه الاستفادة من الفائض كي لا يذهب هدراً أو يجرف الأراضي”.
ليس هناك فائض
يشتري أهالي عربصاليم وبعض القرى المجاورة المياه بالصهاريج أسوة بالكثير من أهالي القرى والمدن اللبنانية. وإن كان لا بد من مشروع للاستفادة ممّا يسمّى بالفائض، فالأقربون أَولى بالمعروف. لكن “أهالي المنطقة يدركون أن المشروع غير مُجدٍ”. على حد تعبير فرحات.
ولحسم الجدل بصورة علمية، يجزم الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي أن “في الطبيعة لا شيء يفيض، إذ تسير الطبيعة ضمن حلقة متكاملة لا يجب كسرها”. وحول مشروع نبع الطاسة، يشرح زعاطيطي لـ”المدن”، أن النبع عبارة عن “عدّة مسارب داخل الصخر تخرج منها المياه، وتُجمَع في حوض ويُوَزَّع منه عبر شبكات. وما يزيد في فصل الشتاء يذهب في الطبيعة لريّ البساتين ولتغذية التربة والمياه الجوفية. وبالتالي، فإن ما يُحكى عن فائض يُهدَر، هو كلام غير علمي لأن تلك المياه تذهب من جديد إلى جوف الأرض. والمياه الجوفية هي التي أعطت نبع الطاسة”. ويضيف زعاطيطي أن “تدخُّل الإنسان في كسر الحلقة الطبيعية، تسبّب التلوّث والاحتباس الحراري الذي نعيشه، فيما بقيت حركة الطبيعة على حالها لملايين السنين قبل التطوّر البشري”.
ويذهب النقاش بعيداً ليؤكد أن مياه الينابيع والأنهار التي نقول بأنها تذهب هدراً نحو البحر، هي في الحقيقة ليست سوى غنى لثروة سمكية تعتمد على مياه معدنية ومواد طبيعية تُحمَل نحو البحر، ولا يجوز كسر هذه الحلقة من المسار الطبيعي.
ومشروع نبع الطاسة، بنظر زعاطيطي، يحتاج إلى تفحُّص الدراسة المخصصة له “والتي يفترض وضعها من قِبَل خبراء هيدروجيولوجيين وهيدرولوجيين، وليس مهندسين مدنيين أو غيرهم، لأن المشروع يتعلّق بمياه جوفية وبمسارها على السطح”. ولا يستغرب زعاطيطي الاستخفاف الذي تتعامل وفقه الدولة مع الثروة المائية، لصالح تنفيذ مشاريع ليست سوى تنفيعات لشركات وأطراف سياسية نافذة. والسدود الفاشلة هي أدلة واقعية على الفساد الذي يلف مشاريع المياه. وعلى هذا المنوال، لا يستبعد زعاطيطي أن يكون مشروع نبع الطاسة هو أحد تلك التنفيعات، ويتساءل عمّا إذا كانت الدراسة التي وُضِعَت لهذا المشروع، تشبه الدراسات الموضوعة لمشاريع السدود، لأن المشاريع التي تدار بها الثروة المائية “هي مشاريع مخالفة للطبيعة”.
بين أمل وحزب الله
يشكك الأهالي، لا بل يجزمون، وجود تنفيعات سياسية ومالية خلف المشروع. ولهذا اعتصموا عند نقطة النبع، اليوم السبت 10 أيلول، رفضاً للمشروع والشبهات التي تدور حوله. وبسبب اقتناع الأهالي بعدم جدوى المشروع، رفضوا التطمينات والتبريرات التي قدّمها رئيس اتحاد بلديات إقليم التفاح بلال شحادة، والتي تتلاءم مع تطمينات ضاهر.
ودعا الأهالي إلى قطع الطريق أمام الورش العاملة في المشروع نهار الإثنين المقبل، حتى تتّضح الأمور.
وفي السياق، تتخوّف مصادر متابعة للملف، من أن يكون “الهدف غير المعلَن من المشروع، يرتبط بتحويل مجرى شبكة المياه الأساسية للنبع، إلى مكان آخر في محيط منطقة النبطية، ويُغَلَّف الأمر بصورة مشروع جديد يستهدف الفائض”.
وتقول المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “انقساماً في الموقف حصل على مستوى حزب الله وحركة أمل، لكن إظهار الانقسام بشكل رسمي، أمرٌ غير ممكن. وعليه، توافق قيادات حزب الله وتعارض قاعدته الشعبية؛ في المقابل، تعارض حركة أمل المشروع، قيادة وقاعدة. وستعمد أمل لحشد اعتراض شعبي وحزبي لكن ليس بشكل علني، منعاً للحَرَج مع الحليف الشيعي”. وتضيف المصادر، أن المعارضين يدركون أن أهالي عربصاليم والمنطقة سيُحرَمون من المياه، وسيُقضى على التنوّع البيئي في مجرى النهر، بفعل المشروع.
ويغلف الفريق المدافع عن المشروع داخل الحزب، موافقته بصورة دينية، عبر القول بأن “الشَرع الديني لا يُجيز حرمان أحد من المياه في حين تُهدر مياه في منطقة أخرى”، وهو التبرير عينه الذي تستخدمه مصلحة المياه.
ومن هنا، ترسم المصادر علامات استفهام حول إصرار حزب الله على المشروع فيما تعارضه أمل.
التعليقات