كان طبيعياً أن تحصد الإمارات أكثر من خمسة مليارات دولار من عائدات السياحة في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري. هذا القطاع صار منذ أكثر من نحو عقدين، ركيزة أساسية في التنويع الاقتصادي. والقطاع السياحي في الإمارات، تلقى الدعم تلو الآخر من الحكومة عبر التشريعات المرنة، لضمان الاستدامة له. فالنمو العابر لا يدخل في الواقع ضمن مسارات التنمية في الإمارات، التي نقلت السياحة من ميدان كان غير موجود عملياً حتى قبل عقود، إلى قطاع أثبت جدارته التنافسية إقليمياً وعالمياً. والبلاد تتصدر حالياً قائمة الدول الإقليمية الأكثر جذباً للسياح، ووسعت أدواتها السياحية المتطورة والبنى التحتية اللازمة بحيث تحولت إلى رمز للنجاح حتى في البلدان التي سبقتها قبل عقود في هذا المجال.
وكما تقفز مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات سنوياً، كذلك حققت مساهمة السياحة زيادات كبيرة بحيث وصلت في العام 2019 (قبل جائحة كورونا) إلى 11.9%، واللافت حقاً أن المساهمة المستهدفة لها بحلول العام 2030 ستكون عند 15%، أي أنها ستحقق هذا الهدف حتى قبل حلول العام المشار إليه، بسبب النمو الكبير للقطاع السياحي، والإمكانات الهائلة لاستيعاب أي زيادات في مجال السفر والسياحة بشكل عام. وتكفي الإشارة إلى أن الإمارات احتلت المركز الثاني عالمياً على صعيد الإشغال الفندقي خلال فترة «كورونا» التي شلت العالم. وفي العام 2020 بلغ عدد الفنادق في البلاد 1089 فندقاً، فيما وصلت السعة الفندقية إلى 180 ألف غرفة. وفي العام 2019 بلغ إنفاق السياح أكثر من 143 مليار درهم.
النمو الذي يشهده قطاع السياحة في الإمارات، تعكسه الأرقام الحقيقية. ففي الأشهر الستة الأولى من العام الحالي وصل العدد الإجمالي لنزلاء الفنادق إلى 12 مليون نزيل، بنمو قدره 42%. مع ضرورة الإشارة إلى الارتفاع الكبير المعتاد في عدد السياح خلال فصول الشتاء. أي أن الأشهر الأخيرة من هذا العام ستشهد تدفقاً أعلى من نزلاء الفنادق، ما يرفع من حجم النمو السياحي، ويسرع مؤشر مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، ويعزز التنوع الاقتصادي المستهدف ضمن المخططات الاستراتيجية الموضوعة. وهذا كله ما كان ليحدث، لولا الاستثمارات الهائلة في القطاع، وبناء المشاريع الضخمة المعززة له من فنادق ومنتجعات وطرق ووسائل نقل مختلفة، بالإضافة إلى صروح سياحية صارت مقصداً بحد ذاتها للسياح الأجانب الآتين من كل مكان.
ستحقق الاستراتيجية السياحية في الإمارات أهدافها في السنوات القليلة المقبلة، وربما حتى قبل المواعيد المحددة لها، لأسباب عديدة، في مقدمتها السرعة في إنجاز المشاريع، وجودة التطوير المطلوب دائماً، وتكريس المرونة في إدارة قطاع لا يمكن أن يستمر إلا بالذهنية التي انطلق بها قبل أعوام قليلة فقط، مقارنة بالتاريخ الطويل لقطاعات مشابهة حول العالم.
التعليقات