مع وصول عدد المجرات المكتشفة في الكون إلى نحو 100 مليار تضم كل واحدة منها 100 مليار نجم ويدور حول كل نجم منها كوكب واحد في الأقل، أصبحت هناك وفرة لا يمكن تصورها من الكواكب.
ومع ظهور طرق حديثة لاكتشاف علامات على وجود حياة فوق هذه الكواكب بفضل التلسكوبات الجديدة والتقنيات المتطورة مثل تلسكوب “جيمس ويب” وتلسكوبات أرضية أخرى قيد التجهيز، يعتقد العلماء أنه خلال عقد أو اثنين سيتم اكتشاف دليل على وجود حياة ذكية على بعض الكواكب القريبة أو البعيدة من الأرض.
سيتحقق ذلك من خلال ما يعرف بالبصمات التقنية وليس البصمات الحيوية فحسب، فما هي هذه البصمات وكيف لها أن تؤكد وجود حياة على بعد آلاف أو ملايين السنين؟
مجرد خيال علمي
منذ بداية استكشاف الفضاء قبل نحو 65 عاماً ظل الاعتقاد بوجود حياة فضائية في الكون السحيق بالنسبة إلى كثير من الناس مجرد خيال علمي أو مؤامرة هدفها إلهاء البشر عن واقعهم على الأرض.
لكن بعد التأكد بالدليل القاطع من وجود 5084 كوكباً حتى اليوم، وفقاً لوكالة “ناسا” الأميركية، واستمرار استكشاف المئات منها كل عام، أصبحت احتمالات وجود حياة على بعض هذه الكواكب سواء كانت قريبة أو بعيدة أكثر قبولاً، بخاصة بعد أن فتح تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي الذي يستخدم تقنيات التصوير بالأشعة تحت الحمراء باب الاحتمالات لرصد الكواكب التي قد تتوافر فيها عناصر الحياة مثل الأوكسجين والميثان، فضلاً عن أن هناك الآن أجهزة وتلسكوبات جديدة يجري تشييدها يمكنها سد الفجوات التي لا يستطيع تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي التقاطها عبر تقنيات أكثر دقة وتطوراً.
ما البصمات التقنية؟
عندما أقلع مكوك الفضاء الأميركي أتلانتس من مركز كينيدي للفضاء في 18 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1989 حمل معه تلسكوب “غاليليو” الذي اكتشف أربعة أقمار حول كوكب المشتري ورصد بقع الشمس وأطوار كوكب الزهرة، لكن الأهم أنه حلق حول الأرض مرتين على ارتفاعات 597 و188 ميلاً ومنح ذلك الفريق الهندسي المسؤول عن التلسكوب فرصة لاختبار أجهزة الاستشعار الخاصة به، إذ دعا عالم الفضاء كارل ساغان عضو فريق “غاليليو” العلمي إلى إمعان النظر في ما يمكن أن ترصده المركبة الفضائية عند النظر إلى كوكب بعيد بحثاً عن علامات على وجود حياة ذكية.
وكان هناك بالفعل كثير لتراه المركبة الفضائية بدءاً من فوضى مثيرة للاهتمام وأضواء تتوهج وتدفق غازات الغلاف الجوي وانتهاء بمليارات الأجهزة والهوائيات التي تشكل ازدحاماً من الإرسال الكهرومغناطيسي وطرح هذا بدوره أسئلة حول ما إذا كانت حضارات الكواكب الأخرى التي يمكن اكتشافها تشبه بالفعل حضاراتنا؟ وهل ستخلق الإشارات الكيماوية والكهرومغناطيسية المنبهة ذاتها التي صنفها العلماء خلال الأعوام الأخيرة تحت اسم “التوقيع التكنولوجي” أو “البصمة التقنية” التي اكتشفها تلسكوب “غاليليو”؟
منذ عقود كان البحث عن كائنات عاقلة أو ما يعرف بالبحث عن ذكاء خارج الأرض يجري من خلال افتراض أن الكائنات الفضائية طورت تقنيات وترددات راديو شبيهة بما ابتكره البشر على الأرض، بل إنه في بعض الأوراق الأكاديمية المبكرة حول هذا الموضوع التي يعود تاريخها إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، افترض العلماء أن هذه الكائنات الفضائية ربما تكون مهتمة بالتواصل معنا، لكن وفقاً لآدم فرانك وهو عالم فيزياء فضائية في جامعة “روتشستر بنيويورك” تغير البحث عن إشارات من الفضاء السحيق بمرور الوقت وبدلاً من البحث عن اتصالات أو مكالمات مباشرة تصل إلى الأرض من الفضائيين المحتملين، انتشرت التلسكوبات الآن في السماء للبحث وسط مليارات الترددات عن إشارات إلكترونية لا تكون أصولها مجرد ظواهر سماوية، وفي الوقت ذاته تحول البحث عن الحياة الذكية في اتجاه جديد، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
فجر عصر جديد
عام 2018 شارك فرانك مع 60 باحثاً في اجتماع بمدينة هيوستن كان تركيزه منصباً على التواقيع التقنية إذ إن الاجتماع استهدف التفكير في تحديد مجال علمي جديد بمساعدة وكالة “ناسا” للبحث عن أية علامات لوجود نوع من التكنولوجيا في عوالم بعيدة مثل تلوث الغلاف الجوي، وهو ما شكل لهؤلاء العلماء فجر عصر جديد بالنظر إلى أن “ناسا” لديها تاريخ طويل من عدم الاهتمام بهذا الأمر.
ونتيجة لذلك شكل فرانك وعدد قليل من زملائه في جميع أنحاء الولايات المتحدة مجموعة أصبحت تعرف باسم “كاتس” وهو مختصر من الحروف الأولى في اللغة الإنجليزية لتعبير “تصنيف التوقيعات أو البصمات التكنولوجية للغلاف الجوي”.
وهكذا قدمت “ناسا” إلى مجموعة “كاتس” نحو مليون دولار في شكل منح على أمل أن تنشئ مكتبة من البصمات التقنية لما يمكن أن يمثل دليلاً على وجود حضارة تكنولوجية على الكواكب الأخرى، وهو عمل لا يتعلق بالتواصل مع الفضائيين ولا يقصد به المساهمة في البحث عن البث الراديوي خارج الأرض وإنما فقط التفكير في البحث عبر أجواء العوالم البعيدة من حضارة تفعل كل ما يفعله البشر ومن دون أي افتراضات حول ما إذا كان أي شخص يريد أو لا يريد التواصل مع سكان الأرض.
متى تكتشف الحياة الذكية؟
السبب وراء هذا الاهتمام يعود إلى أن تطورات عدة جعلت البحث عن البصمات التقنية ممكناً، أولها أن التلسكوبات الجديدة والتقنيات الفضائية أتاحت إمكان تحديد الكواكب التي تدور حول النجوم البعيدة التي رصدت حتى شهر أغسطس (آب) الماضي 5084 من الكواكب الخارجية، ويميل العدد إلى النمو بمئات عدة سنوياً فتبين أن كل نجم تقريباً نراه في سماء الليل هناك كوكب يدور حوله، إن لم تكن مجموعة من الكواكب وهو أمر لم يترسخ في المفاهيم العلمية إلا في العقد الماضي.
ونظراً إلى وجود ما لا يقل عن 100 مليار نجم في مجرة درب التبانة وحدها التي توجد الأرض داخلها وما يقدر بنحو 100 مليار مجرة في الكون، فإن عدد النجوم يصل إلى 2 تريليون نجم، بالتالي فإن عدد الكواكب المحتمل وجود حياة عليها وكذلك الحضارات التي تمتلك التكنولوجيا ربما تكون بأعداد أكبر من أن نتخيلها.
لكن الأهم من ذلك أن أدوات الاستكشاف تتحسن باستمرار ففي هذا الصيف أذهلت الصور الأولى من تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي الجديد العلماء لدقتها وتفاصيلها، في وقت يجري فيه تطوير كثير من أدوات الاستكشاف الفضائي القوية الأخرى على الأرض والفضاء التي ستسمح لنا بمشاهدة الأشياء البعيدة للغاية للمرة الأولى أو مشاهدة الأشياء المحددة مسبقاً بطرق جديدة ومن ضمن ذلك التمكن من استكشاف الغلاف الجوي للكواكب الأخرى بحثاً عن إشارات، الأمر الذي جعل مايكل نيو وهو مسؤول أبحاث في وكالة “ناسا” يتوقع استكشاف حياة ذكية في الكواكب الخارجية خلال 10 أو 20 سنة أو 30 سنة على أقصى تقدير.
ما البصمات الحيوية؟
وفقاً لهايدي هاميل وهي عالمة فضاء متعددة التخصصات عملت على تطوير تلسكوب “جيمس ويب” فإن بوسع التلسكوب الأحدث في الفضاء النظر قريباً أو بعيداً وخلال عامه الأول سيقضي نحو سبعة في المئة من وقته في مراقبة نظامنا الشمسي، بحيث يمكنه تحليل الغلاف الجوي للكواكب القريبة مثل كوكب المشتري والمريخ باستخدام مستشعرات الأشعة تحت الحمراء، كما يمكن أيضاً توجيه هذه القدرات إلى بعض الكواكب الخارجية الأقرب حجماً للأرض مثل تلك التي تحيط بنجم “ترابيست 1” الذي يقع على بعد 40 سنة ضوئية من الأرض بهدف تمييز التوقيع أو البصمة الحيوية على سطح الكواكب الأخرى، أي محاولة العثور على أي إشارة إلى أن الحياة موجودة بالفعل أو كانت موجودة في تلك العوالم.
وبينما قد يكون التوقيع أو البصمة الحيوية على كوكب الأرض تتمثل في ريشة طائر متساقطة أو أجسام متحجرة مغمورة في الصخور الرسوبية فإن هذه البصمة الحيوية على كوكب خارج المجموعة الشمسية ربما تكون عبارة عن نسبة معينة من الغازات كالأوكسجين أو الميثان أو ثاني أكسيد الكربون أو المياه على سبيل المثال، مما يشير إلى وجود ميكروبات أو نباتات على ظهر كوكب ما.
وبحسب نيكول لويس أستاذ مساعد في علم الفلك بجامعة “كورنيل” التي سيستخدم فريق تابع لها تلسكوب “جيمس ويب” في مراقبة “ترابيست 1 إي”، أحد الكواكب السبعة التي تدور حول نجم ترابيست 1، فإن الإعلان عن اكتشاف بصمة حيوية يتطلب أن يحدد بعناية الغلاف الجوي للكوكب وإمكان وجود حياة عليه مثل معرفة ما إذا كان هناك هواء، ثم ماذا يوجد في الهواء.
الفارق بين البصمتين
تشير البصمة الحيوية والبصمة التقنية بالطريقة ذاتها إلى وجود حياة فوق سطح كوكب ما، لكن مراقبة ومتابعة البصمتين تحصلان من قبل مجتمعين علميين منفصلين لأسباب تاريخية، إذ إن دراسة البصمات الحيوية التي بدأت في الستينيات ضمن تخصص جديد بعلم الأحياء الخارجية تتلقى الدعم من وكالة “ناسا” ومؤسسات أكاديمية أخرى منذ عقود، لكن التوقيع أو البصمة التقنية لم تتم صياغتها واعتمادها إلا أخيراً ومع ذلك ربما يجد العلماء الذين يبحثون عن بصمات حيوية علامات أو بصمات على وجود التكنولوجيا أيضاً، خصوصاً أن البصمة التقنية أسهل في الرصد ويمكن اكتشافها بسهولة أكبر.
على سبيل المثال أشارت ورقة بحثية كتبها جاكوب ميسرا وهو عضو في مجموعة “كاتس” يعمل في معهد “بلو ماربل” للفضاء إلى أن وجود مركبات الكلوروفلوروكربون، منتج ثانوي صناعي، سيعطي إشارة طيفية مميزة يمكن أن يرصدها تلسكوب “جيمس ويب”، كما أن أي كوكب خارجي توجد عليه نباتات زراعية خارج المجموعة الشمسية ربما تصدر منه انبعاثات من الغلاف الجوي.
وفي بحث آخر كتبه رافي كوبارابو، عضو مجموعة “كاتس” وهو يعمل في مركز “غودارد” لرحلات الفضاء التابع لـ”ناسا”، تبين أن انبعاث ثاني أكسيد النيتروجين وهو منتج ثانوي صناعي يمكن أن يشير إلى وجود تكنولوجيا غريبة.
ومن المتوقع ملاحظة هذه الانبعاثات بواسطة تلسكوب فضائي تابع لوكالة “ناسا” يعرف باسم “لوفير” المقرر إطلاقه بعد عام 2040 وهو تلسكوب ضخم سيقوم بعمليات مسح كبيرة ويستخدم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء سعياً إلى البحث عن كائنات فضائية لا يرجح أن يتم تصويرها وهي تعمل في المصانع أو تقود الجرارات وقت الحصاد، لكن العلماء الذين يعملون على البصمات التقنية مرتاحون لوجود احتمالات حتى ولو منخفضة عن وجود حياة ذكية عاقلة.
أكثر وفرة وأطول عمراً
يبدو أن أحد أسباب التفاؤل الحذر وراء ذلك أن البصمات أو التوقيعات التقنية ليست فقط أكثر قابلية للاكتشاف من البصمات الحيوية، لكنها أيضاً أكثر وفرة وأطول عمراً وهو ما يمكن استنباطه من النظر إلى كوكبنا الأرض كمثال، إذ تمتد بصمتنا التقنية بالفعل في جميع أنحاء النظام الشمسي فلدينا خردة على القمر ولدينا مركبات تتجول حول المريخ ولدينا أقمار اصطناعية تدور حول كواكب أخرى.
كما أن مركبات فضائية عدة مثل مركبتي الفضاء “بايونير” ومركبتي “فوياجر” ومسبار “بلوتو نيو هورايزونز”، جميعها أطلقتها “ناسا”، سافرت إلى خارج حافة النظام الشمسي في الفضاء بين النجوم ويمكن أن تستمر مثل هذه البصمات التقنية لمليارات السنين وهذا فقط حدث بعد 65 عاماً من بدء عصر استكشاف الفضاء، لهذا يمكن توقع أن تملأ حضارة قديمة المجرة بآلاف الأشياء المشابهة من البصمات التقنية، مما يسهل اكتشافها.
معادلة دريك
عام 1961 قدم عالم الفلك فرانك دريك ما أصبح يعرف الآن باسم “معادلة دريك” التي تتكون من متغيرات ومحاولات عدة للمساعدة في حساب عدد الحضارات الذكية في أماكن أخرى من المجرة، لكن مع وجود عدد قليل جداً من البيانات لإدخالها في المتغيرات لا تزال المعادلة من دون حل.
لكن بالنسبة إلى جيسون رايت أستاذ علم الفضاء والفيزياء الفلكية في ولاية بنسلفانيا وعضو مجموعة “كاتس” فإن “معادلة دريك” وإن كانت تسمح على الأقل بقدر من المعقولية حول وجود حياة ممكنة في كواكب أخرى، إلا أننا لا نعرف ما إذا كانت هذه الحياة بسيطة أو متطورة تكنولوجياً.
وإذا كانت البصمات الحيوية صعبة الاكتشاف للغاية إذا كانت موجودة، فإن هذا يقودنا إلى استنتاجين، الأول أنه من المحتمل أن تكون الحياة نادرة جداً لدرجة أنه لا يوجد شيء على بعد مسافة قريبة لنجده، والثاني أنه مع افتراض وجود حضارة ذكية بعيدة نسبياً وأطلقت تلسكوباً أو إشارة إلكترونية استغرقت في طريقها نحو الأرض 3261 سنة ضوئية، وهو ما يسمى الكيلوبارسك، فإن هذا يعني أن نطاق البحث ينبغي أن يكون أكبر بكثير ولهذا يشعر بعض العلماء بالقلق من أنه لا يبذل الجهد الكافي للبحث وأنه ربما تنتهي حياة من يعيشون الآن من دون أن يعثروا على هذه الحياة الذكية في الكون، ليس لأنها غير موجودة، لكن لأن نطاق البحث غير كاف.
إحباطات سابقة
لا تعد مشاعر الإحباط لدى علماء الفضاء جديدة ففي وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي أظهرت وكالة “ناسا” استعداداً لتمويل عمليات البحث عبر التلسكوب الراديوي لنشاط خارج كوكب الأرض، لكن البحث عن الكائنات الفضائية أثار المعارضة، إذ أعلن السيناتور ويليام بروكسماير عام 1978 أن دافعي الضرائب يتعرضون للسرقة وهو انتقاد استجابت له “ناسا” من خلال وقف الإنفاق على البحث عن كائنات فضائية من موازنتها، ثم عاودت الوكالة استعدادها لدعم مشاريع البحث مرة أخرى في الثمانينيات، لكن سيناتوراً آخر هو ريتشارد بريان أوقف البرامج عام 1993 وعبر في ذلك الوقت عن أمله في أن تكون هذه هي نهاية استكشاف المريخ على حساب دافعي الضرائب.
لكن في الآونة الأخيرة فقط بدأت بعض الأمور تتغير فدعا الرئيس السابق للجنة العلوم في مجلس النواب الأميركي لامار سميث إلى تقديم مشروع قانون في الكونغرس لتخصيص 10 ملايين دولار لـ”ناسا” للبحث عن البصمات التقنية ومع ذلك تعتبر الوكالة العمل على البصمات التقنية مخاطرة عالية، إذ إن المبلغ الذي خصصه ضئيل مقارنة بمبلغ 93 مليار دولار يتم استثمارها على مدى الأعوام القليلة المقبلة في مهمة “أرتيميس” إلى القمر.
شكوك كثيرة
لا تعد الشكوك التي تنتاب وكالة “ناسا” حالاً استثنائية، ذلك أن بعض العلماء بدأوا يطرحون أسئلة مماثلة حول جدوى البحث عن بصمات تقنية في الكون عبر قياس التلوث أو عمليات احتراق أو قياس للطاقة أو تفاعلات كيماوية، ربما تكون قياسات خاطئة، ذلك أن العلماء افترضوا أن تتطور تقنية الحضارات الذكية الأخرى بطريقة وأسلوب حضارة البشر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن أي فكرة عن البصمات التقنية يجب أن تمر عبر مجموعة شكوك بحثتها “كاتس” فتساءل بعضهم عما إذا كان ضوء الصوديوم ستستخدمه حضارة تطورت بشكل مختلف وأنه ربما ستعمل أعينهم في أجزاء مختلفة من الطيف أو ربما سيعيشون تحت الأرض؟ وإذا كنت مخلوقاً لا يستطيع الرؤية مثل الخفاش الذي يستخدم تحديد الموقع بالصدى فهل ستحتاج حتى إلى الأضواء؟
ولاحظ بعض العلماء أنه ربما تكون هناك طرق أخرى عدة لتعريف الحضارة بما يتجاوز ما تركز عليه مجموعة “كاتس” وبدلاً من أن تقوم الكائنات الفضائية ببناء رادارات أو تلسكوبات يمكن لهذه الكائنات أن تكون أشبه بالأشجار في بستان وتتواصل عبر خيوط من الفطريات تحت الأرض وربما يكون الفضائيون مثل الأخطبوطات التي تستخدم أدوات مختلفة لا نفهمها في المحيطات، بل إن بعض المنظرين افترضوا أن هذه المجتمعات يمكن أن تتجاهل المادة تماماً وتختار أن تحل محل نفسها بشكل شفاف، كما يمكن تخيل بيولوجيا مختلفة كثيراً وعقول متباينة.
تحديات أخرى
على الرغم من صعوبة تخيل البشر للأنواع الغريبة من الحياة المحتملة على كواكب أخرى، فإن تخيل الأطر الزمنية الطويلة يمثل تحدياً بالقدر ذاته، إذ إن العلم الحديث كنظام يبلغ عمره نحو 500 سنة فقط ويبلغ عمر الترانزستور وهو اللبنة الأساسية للتقنيات الحديثة نحو 75 سنة، كما ظهر أول هاتف “آيفون” منذ 15 عاماً تقريباً، فكيف يمكن لمجتمع تكنولوجي في الفضاء الخارجي أن يتطور على مدى 100000 سنة؟ أو أكثر من مليون عام؟
وهناك تساؤل آخر هو ماذا لو تم اكتشاف حضارة أخرى، هل سيحدث اتصال؟ الأرجح أن فترة من الصمت ستسود لمدة فعلى الرغم من وجود مجموعة متزايدة من المؤلفات حول بروتوكولات “الاتصال الأول مع الفضائيين”، فقد نظل نراقب البصمة التقنية البعيدة لمدة عقود أو ربما لقرون ونأخذ قراءات بتلسكوبات أفضل بشكل متزايد وبعد ذلك ربما نرسل تلسكوب فضائي أو رسالة، لكن نظراً إلى أن المسافات التي تفصلنا عنها شاسعة جداً فإن إرسال رسالة إلكترونية وتلقي الرد سيستغرق في أحسن الأحوال نحو 100 عام وربما تستغرق الرحلة الفعلية آلاف السنين.
لكن في الوقت ذاته إذا وجدنا بصمات حيوية، فهذا يعني أن هناك مجموعة من الكواكب التي يمكن أن يعيش عليها الإنسان وإذا وجدنا علامات كثيرة على الحياة ولكن لا توجد علامات على التكنولوجيا، فهذا أمر أكثر إثارة للقلق لأنه ربما يعني في أحد الاحتمالات أن الحضارات التكنولوجية التي تحافظ على نفسها قد تكون نادرة للغاية أو تميل إلى التدمير الذاتي.
التعليقات