التخطي إلى المحتوى

“الارقام لا تكذب”… بهذه العبارة يمكن اختصار ما يشهده الاقتصاد العالمي في الفترة الاخيرة. فالارقام في البورصات العالمية لا تبشر بالخير، كما ان ارتفاع نسب التضخم وسياسات البنوك المركزية المتشددة باتت مقلقة.

هذه الارقام، دفعت ببعض المحللين الى التنبؤ باقتراب العالم من أزمة اقتصادية عالمية عنيفة قد تتخطى حدتها ازمة الـ2008. فما احتمالية وقوع هذه الازمة؟ وكيف ستتأثر القطاعات بها؟ وهل سيكون الشرق الاوسط ولبنان بمنأى عنها؟

الخبير المالي والاقتصادي بيار خوري، يرى في حديث لموقع vdlnews، ان “هناك احتمالا جديا اوقوع ازمة مالية عالمية لاسباب عدة”.

ويقول خوري: “في العام 2008، كانت الازمة معممة ولكن ليس بضخامة ازمة 1929، لان ادوات السياسات الاقتصادية التي تمنع ان تنفجر الازمات بشكل عنيف كانت قد تطورت”. ويشير الى ان “من اهم هذه الادوات السيولة المالية التي خولت الدول الخروج من الازمة عن طريق التخفيض الجذري لسعر الفائدة بالاضافة الى التيسير الكمي او الـ Quantitative Easing”.

ويشرح خوري، “ان التيسير الكمي يقوم على ضخ كميات كبيرة من النقد من اجل اعادة انعاش الاقتصاد”.

ويلفت الى ان “الدول اعادت ترميم السوق الاستهلاكي عن طريق ضخ المال وخفض اسعار الفائدة واحيانا عبر الفوائد المجانية لانقاذ الاقتصادات من الازمة.

ويضيف، “نحن اليوم في غياب تام للتنسيق في السياسات الاقتصادية العالمية فاوروبا في وجهة وبريطانيا في وجهة اخرى كذلك الولايات المتحدة في وجهة مختلفة، ناهيك عن سياسات روسيا والصين.

ويرى خوري ان “الولايات المتحدة تحاول انقاذ اقتصادها على حساب الاقتصاد الاوروبي عن طريق ازمة اليورو”، لافتا الى انه “بدأنا اليوم في سياسات التشدد المالي والتيسير الكمي انتهى، كما ان كورونا ادى الى نوع من تيسير كمي مشابه جراء كميات النقد الضخمة التي لامست الـ11 تريليون دولار، والتي ضختها حكومات الدول الغربية لتعايش المجمتعات والاقتصادات مع موجبات كوفيد 19.

ويشير خوري الى ان “هذا الامر ادى الى اغراق الاسواق ببحر من السيولة ما شكل المسبب الاساسي للتضخم العالمي الذي نشهده، ثم اتت الحرب الروسية الاوكرانية وازمة الطاقة والحبوب واصبح التضخم ظاهرة في الاقتصاد العالمي”.

ويعتبر ان “الولايات المتحدة تعمل على ضبط التضخم وهي دخلت في الفصل الثاني من الركود الاقتصادي ورغم سياسة رفع الفائدة فلم تستطع حلّ معضلة التضخم حتى اليوم”.

ويستنتج خوري: “كل ذلك يؤشر الى انه في حال فشلت الدول والبنوك المركزية في اعادة انهاض الاقتصاد من دون تضخم، فنحن بالتأكيد نتجه الى ازمة عالمية اكبر من ازمة 2008 وقد تكون اقرب الى ازمة 1929”.

وعن القطاعات التي ستتأثر بالازمة في حال وقوعها، يقول خوري، “مؤشرات سوق الاسهم خطيرة جدا وضعيفة ومركز المال الحقيقي يكمن في السوق الحقيقي وليس سوق المال، اي في سوق الاسهم، لافتا الى “ان الاستثمارات تتجه الى منتجات ليس لها اثر ايجابي على الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل وهي سندات الدين والعملات، في حين ان المطلوب ان تذهب الاستثمارات الى سوق الاسهم وهذا ما يشير الى انه سيكون سوق الاسهم مركز الازمة هذه المرة”.

ويتابع خوري، “القطاع العقاري لن يكون بمنأى عن الازمة ولكن ربما لن يكون مركز الازمة ومن الممكن ان يكون قطاع التكنولوجيا مركزها، مشيرا الى ان هذا القطاع جذب رساميل كبيرة خلال ازمة كورونا”.

ولدى سؤاله عن كيفية تأثر الشرق الاوسط ولبنان بهذه الازمة، يشرح خوري: “الاقتصادات الرئيسية في الشرق الاوسط المنتجة للطاقة ستكون اقتصادات مستفيدة رغم انه من المحتمل ان تتأثّر الارصدة التابعة لها في الاسواق العالمية، الا ان باستطاعتها تعويض ذلك من خلال ارتفاع اسعار الطاقة”.

ويضيف: “اما الاقتصادات المستوردة للطاقة والحبوب والغذاء وغيرها، فهي ستحتاج الى المزيد من العملات الاجنبية وقد تستفيد من الازمة في الوقت عينه، من خلال ازمة الدين المعممة جراء انخفاض قيمة ديونها في الاسواق”.

ويتابع، “اما الجزء الثالث والممكن وصفها بالدول غير المستقرة ومنها لبنان، فهذه الدول فاقدة للمناعة تجاه تطورات الاقتصاد العالمي ومن المحتمل ان تدفع الثمن لانها غير مهيّأة لأي صدمات عنيفة في الاقتصاد العالمي”.

وعن امكانية انهيار العملات الورقية والاستيعاض عنها بوسائل دفع اخرى، يقول خوري: “لا يمكن القول ان جميع العملات ستنهار، فالعملات تنهار تجاه بعضها، الا انها قد تنهار تجاه العملات الرقمية او وسائل دفع جديدة”، ضاربا المثل بوسائل الدفع المعتمدة في التبادل التجاري بين مجموعة دول البريكس والصين وروسيا فيما بينها.

في المقابل، ترى الخبيرة في الاقتصاد النقدي ليال منصور، انه “عندما يتعلق الامر  بالـfloating currencies  او العملات العائمة، فالامور تكون نسبية”.

وتشرح قائلة: “الولايات المتحدة الاميركية مثلا تشهد نسبة تضخم كبيرة جدا لم تشهدها منذ عشرات السنين والفائدة ترتفع بشكل كبير، الا ان هذا لا يعني ان الاقتصاد الاميركي اقوى من غيره، ولكن حاجة اوروبا للعملة الاميركية لشراء الغذاء والقمح والمحروقات يجعل الدولار نسبيا اقوى من اليورو”.

وعن امكانية انهيار قيمة الدولار عالميا، تقول منصور: “ان ارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة الى هذا الحد يعتبر كارثيا، لانه يؤثر على توقعات الاسعار في الاسواق، الا ان الثقة بالاقتصاد الاميركي لم تهتز لان التضخم ناتج عن حرب وليس عن سوء ادارة او سياسات اقتصادية خاطئة.”

وتشدد منصور على ان “كل ازمة يليها تصحيح وتعافٍ ولكن الامر يستغرق وقتا والانهيار ينتهي سواء كان هناك سياسات نقدية ومالية ام لا”.

وعن مستقبل العملات الرقمية ومدى امكانية ان تعتمد كبيدل عن العملات الورقية، تعتبر منصور ان “العملات الرقمية ليست محببة من قبل الاقتصاديين فهي نوع من الثورة التكنولوجية انما ليست مبنية على سياسيات كالعملات الورقية”.

مصير الاقتصاد العالمي اذا في مهب الريح، ودول عدّة قد تقع ضحية ازمة عنيفة لا تحمد عقباها. والسؤال الابرز هنا: كيف سيواجه لبنان هذه الازمة في حال وقوعها، وهو اساسا يعاني من ازمة تضخم هائلة وانهيار غير مسبوق لعملته؟ وهل يكون الشعب اللبناني ضحية ازمتين مزدوجتين؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *