يتّجه لبنان لحل النزاع الحدودي العالق مع قبرص، والذي لن يُحسم إلا بعد حل النزاع البحري مع سوريا، حسبما قال نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب الذي التقى وفداً قبرصياً زار بيروت، أمس الجمعة، غداة توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
وتوصل لبنان وقبرص في العام 2007 إلى اتفاقية ثنائية ومؤقتة وقابلة للتعديل تحدد بموجبها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خط الوسط لكل من البلدين، لم تشارك به سوريا، وتم تعديل الإحداثيات في العام 2006، حيث باتت حدود لبنان الشمالية هي النقطة رقم 7 بدلاً من النقطة رقم 6، وفي الحدود الجنوبية النقطة رقم 23 بدلاً من النقطة رقم 1، في وقت توصلت قبرص إلى اتفاقية ثنائية مع إسرائيل، ما أوجد النقاط الخلافية مع قبرص.
وبات من المتاح الآن حل أزمة الحدود مع قبرص المحاذية للحدود البحرية اللبنانية والإسرائيلية، بعد التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وذلك بتحديد النقطة الحدودية (23) التي تلتقي فيها حدود البلدان الثلاثة جنوباً، فيما تبقى النقطة الحدودية شمال غربي لبنان عالقة، وتنتظر حل النزاع الحدودي مع سوريا.
وعليه، قالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، إنّ ما بقي عالقاً يتصل بضرورة انتظار ان تكتمل المفاوضات مع الجانب السوري – والتي لم تبدأ بعد – لإنهاء البحث بالنقطة الفاصلة بين المناطق الاقتصادية الثلاث اللبنانية والسورية والقبرصية. وهو أمر انتهى الى صيغة تقول بضرورة ان تعتمد عملية الترسيم شمالاً «خط الوسط بين لبنان وقبرص» باستثناء النقطة الوحيدة العالقة بين الدول الثلاث.
إجراءات ميقاتي
وفي خطوة لافتة تزامنت وانطلاق زيارة الوفد القبرصي إلى لبنان، أصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قراراً يقضي بتشكيل لجنة برئاسة وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية، وتتضمن ممثلين عن وزارتي الطاقة، والدفاع، بالإضافة إلى ممثل عن هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، حيث تكون مهمتها إجراء ما يلزم في سبيل التحضير والإعداد لمشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية مع كل من قبرص وسوريا.
وقالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ نتائج خطوة ميقاتي لن تظهر في وقت قريب، في انتظار المحطات المقبلة المتعلقة بسير المفاوضات مع سوريا ـ إن اقلعت في وقت قريب ـ كما بالنسبة الى المرحلة المقبلة من المفاوضات مع القبارصة، على رغم مما عبّرت عنه من تجاذبات بين المتابعين لهذا الملف وترقّب نتائجها، وخصوصاً إن تمّ تفسيرها رفضاً من ميقاتي لمهمة اللجنة التي شكّلها مطلع الاسبوع في شأن المفاوضات مع سوريا برئاسة بوصعب، لتبقى النتيجة المرتقبة مرتبطة بحجم التجاذبات المقبلة بينهما.
النزاع الحدودي مع قبرص
توصل لبنان وقبرص في 17 (كانون الثاني) 2007 إلى اتفاقية ثنائية ومؤقتة وقابلة للتعديل، تحدد بموجبها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خط الوسط لكل من البلدين، من دون تحديد إحداثيات نقطتي طرفي هذا الخط بشكل نهائي؛ كون ذلك يتطلب ترسيماً ثلاثياً يشترك البلدان (لبنان وقبرص) فيه مع سوريا شمالاً، و«هي تمنّعت عنه»، كما يقول مسؤولون لبنانيون كانوا فاعلين في تلك الفترة، ومع إسرائيل جنوباً. وكانت مسودة مشروع الاتفاقية قد نصت بشكل واضح على أنه يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط (1 و/أو 6) وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنية. ونصّ الاتفاق الموقع بين لبنان وقبرص على أنه يتعين على أي طرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع أي دولة الأخرى إذا ما تعلق هذا التحديد بإحداثيات النقطتين (1) أو(6).
لم تُحِلْ الحكومة اللبنانية الاتفاقية المؤقتة مع قبرص إلى المجلس النيابي؛ نظراً للحاجة لاستكمال تحديد حدود لبنان النهائية جنوباً وشمالاً، وكذلك للقيام بالمزيد من الدراسات. وباشرت الحكومة باستكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الشمالية والجنوبية انفرادياً. في نهاية عام 2008، وبناء على طلب من وزير الطاقة والمياه، تم تشكيل لجنة تتكون من رئاسة الحكومة، ووزارة الأشغال العامة والنقل، ووزارة الطاقة والمياه، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية والمغتربين، والجيش اللبناني والمجلس الوطني للبحوث العلمية.
وتوصلت اللجنة في (نيسان) 2009، وبتوقيع جميع أعضائها، إلى ترسيم الحدود البحرية جنوباً وشمالاً، حيث أصبح الطرف الجنوبي هو النقطة الثلاثية 23، جنوب النقطة رقم 1، والطرف الشمالي النقطة الثلاثية 7 شمال النقطة رقم 6. وفي (تموز) 2010، أودع لبنان الأمم المتحدة إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية بشكل منفرد، كذلك أودع لبنان إحداثيات الحدود الشمالية مع سوريا في النقطة 7.
لكن قبرص وقعت مع إسرائيل في (كانون الأول) 2010 على اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، دون إبلاغ أو استشارة الدولة اللبنانية خلافاً للاتفاق معها، وذلك بعد خمسة أشهر على قيام لبنان بإيداع إحداثيات النقطتين 23 و7 لدى الأمم المتحدة.
واعترضت الحكومة اللبنانية على تلك الاتفاقية برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في (حزيران) 2011، وذلك بسبب اعتماد إسرائيل النقطة رقم «1» كنقطة فصل مشتركة بين لبنان وإسرائيل، بدلاً من النقطة «23» التي كانت الحكومة اللبنانية (حكومة فؤاد السنيورة الثانية) قد حددته في عام 2008. وحصلت نقاشات مع الجانب القبرصي بعدها، لكنها كانت تنتظر التوصل إلى اتفاقية تحديد الحدود البحرية مع إسرائيل وسوريا لحسم النقاط بشكل كامل.
الكهرباء 10 ساعات قبل نهاية السنة
أطلقت المديرية العامة للنفط – وزارة الطاقة والمياه، ثلاث مناقصات لشراء فيول أويل (A) و(B)، وغاز أويل، لزوم تشغيل معامل الإنتاج في مؤسّسة كهرباء لبنان. وبحسب البيان الصادر عن الوزارة، فإن إطلاق المناقصة يأتي بعد مشاورات أجراها وزير الطاقة وليد فياض مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي أفضت إلى تأمين التمويل. كذلك، قال البيان إن الكميات التي سيتم التعاقد على توريدها تكفي لرفع معدل التغذية بالتيار الكهربائي إلى ما بين 8 ساعات و10 ساعات، علماً بأن فضّ العروض سيتم في تشرين الثاني وتسليم الكميات ما بين 1 كانون الأول 2022 و10 منه.
البيان فيه الكثير من الحذر تجاه مسألة التمويل، إذ ربط الأمر بوجود مشاورات بين أربعة أطراف أفضت إلى هذه النتيجة، علماً بأنها لم تكن مشاورات رباعية، بل كانت ثنائية يقودها الرئيس ميقاتي مع وزير الطاقة من جهة، ومن كل من وزير المال وحاكم مصرف لبنان من جهة ثانية. وميقاتي أبلغ فياض أن التمويل بات مؤمّناً من دون أن يوضح الكثير من التفاصيل، وأصرّ عليه الاسراع في إطلاق المناقصات لشراء الفيول والمازوت اللازمين لزيادة إنتاج معامل الكهرباء رغم أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يمنح فياض الموافقة على فتح اعتمادات لتغطية 6 أشهر من عمليات التوريد، إذ أن الأمر يتطلب نحو 600 مليون دولار. رغم ذلك، فإن ميقاتي مستعجل، ولا سيما أن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون يتيح له فرصة الادعاء بأن الأمر يعدّ إنجازاً له.
ميقاتي أبلغ فياض أن التمويل بات مؤمّناً ويريد تحقيق «الانجاز» بعد انتهاء ولاية عون
لكن السؤال عن مدى جديّة تأمين التمويل أمر ضروري. وبحسب تصريح فياض لـ«الاخبار»، فإن مسألة التمويل مرتبطة بثلاثة خيارات:
– الخيار الأول هو أن يفتح مصرف لبنان الاعتمادات لتغطية استيراد البواخر بشكل كامل، أي أنه سيسدّد من سيولته بالعملة الأجنبية قيمة هذه الاعتمادات عند استحقاقها مقابل أن تدفع الحكومة اللبنانية بالليرة اللبنانية على سعر صيرفة. وبهذه الطريقة يكون مصرف لبنان عبارة عن وسيط يقوم بعملية تحويل للأموال وضمانة الحكومة لدى المورّد الخارجي.
– الخيار الثاني هو أن المصارف الأجنبية التي كان لبنان يعمل معها سابقاً تفتح الاعتمادات كما كانت تفعل سابقاً، وهي على ثقة بأن الحكومة اللبنانية ستسدّد قيمة الاعتمادات عند استحقاقها مع فوائد كانت تصل إلى 2%.
– الخيار الثالث هو أن يكون ضمن عروض الشركات المشاركة في المناقصة تسهيلات ائتمانية مقابل ضمانات بأن الأموال ستسدد عند الاستحقاق.
بعد حسم مسألة التمويل، فإن هناك مسألة ثانية، إذ يفترض أن تصل بواخر الفيول والمازوت اللازم لتشغيل المعامل قبل فترة وجيزة من بدء العمل بتعرفة الكهرباء الجديدة التي ستبلغ 10 سنت على استهلاك أول 100 كيلواط، و27 سنتاً على كل ما يفوق ذلك، على أن تكون التعرفة مرنة وقابلة للتعديل ارتفاعاً أو نزولاً مع تقلبات أسعار المشتقات النفطية. زيادة ساعات التغذية سيكون مقدمة لجباية على أساس التعرفة الجديدة. ففي الفترة الماضية لم يكن لبنان ينتج أكثر من 200 ميغاوات يومياً توزّع على المناطق بمعدل ساعة ونصف يومياً بينما الأسر والمؤسسات تتكل على المولّدات الخاصة بتعرفة تصل إلى 45 سنتاً. بكل المقاييس التعرفة الجديدة ستكون أرخص بنحو 40% كحد أدنى. وإذا تأمنت الكهرباء لنحو 10 ساعات، سينخفض وزن المولدات في مجمل عدد ساعات التغذية الموزّعة على المسكان والمؤسسات.
باختصار، إذا تأمّن التمويل، وتزامن زيادة عدد ساعات التغذية مع تطبيق التعرفة، ستكون خطّة الطوارئ التي أعدّها وزير الطاقة وليد فياض قد طبقّت بالكامل، إنما المشكلة أنها خطّة ظرفية لا تأخذ في الاعتبار إلا تأمين الكهرباء لبضعة أشهر. فالمشكلة الأساسية ستبقى في تأمين التمويل بالعملة الأجنبية لشراء الفيول أويل اللازم لتشغيل المعامل. تأمين 100 مليون دولار شهرياً، يعني أن هناك حاجة لمبلغ 1.2 مليار دولار سنوياً وهو مبلغ ضخم قياساً على ما تبقى من سيولة بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان. ورغم أن هذا المبلغ قد يوفّر استيراد مازوت كان سيأتي لتشغيل مولدات الأحياء، بقيمة قد تفوق المليار دولار، وفق بعض التقديرات، إلا أن مصرف لبنان لن يوافق على مقايضة الدولارات التي يملكها في محفظته، بالتدفقات التي يديرها لتصب في السوق بيد التجّار. فهو يدير التدفقات الآتية من الخارج لتغطية الطلب الداخلي عليها، ولكنه إذا قرّر أن ينافس السوق على نحو ربعها فإنه سيقوم بتسعير سعر الصرف بشكل هائل. فعلى سبيل المثال، إذا قرّر أن يشتري 1.2 مليار دولار خلال سنة يتدفق فيها إلى لبنان 6.3 مليار دولار، فإنه سيحرم السوق من ربع التدفقات.
على أي حال، الخطّة التي تقترحها مؤسسة كهرباء لبنان لإنتاج ما يكفي من الكهرباء لزيادة ساعات التغذية إلى ما بين 8 و10 ساعات، مبنية على أساس أن معمل الزهراني يحتاج إلى صيانة شاملة سيتم تنفيذها في الفترة المقبلة ما يخفض القدرة الإنتاجية. لكن سيتحتّم أيضاً على وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان أن تحدّد كيفية استعمال الفيول العراقي الآتي إلى لبنان في نهاية الشهر المقبل. قد يتم استخدامه لزيادة عدد ساعات التغذية لأكثر من 10 ساعات، وقد يتم استخدامه لإطالة أمد فترة التغذية بمعدل 10 ساعات بضعة أشهر إضافية.
التعليقات