كلما زاد عمر الجليد أو زاد انضغاطه أسفل الثلج الجديد المتكون؛ زاد تحوله من الأبيض إلى الأزرق الفيروزي الجميل.
من الأمور التي اعتادتها أعيننا في ما يتعلق بالألوان يأتي اللون الأزرق للسماء والمحيطات، والأخضر للأشجار والنباتات. أما الثلج فلا خلاف على كونه أبيض نقيا شفافا؛ مما يجعلنا نضرب به المثل في نقاء الأشياء؛ فنقول إن “قلبه أبيض مثل الثلج”.
لكنك إذا كنت في زيارة إلى القارة القطبية الجنوبية فستفاجأ بوجود مساحات كبيرة من الجليد تكتسي باللون الأزرق الذي يهفو إليه البعض بوصفه معلما سياحيا يصل عمره إلى ملايين السنين؛ فقد اكتشف العلماء جليدا أزرق عمره مليون عام في القارة القطبية الجنوبية، وما زالوا يبحثون عن المزيد.
ووفقا لدراسة نشرت عام 2010 في دورية “أنتاركتيك ساينس” (Antarctic Science)، فإن الجليد الأزرق يغطي نحو 1% من القارة القطبية الجنوبية، حيث تمتد مناطق الجليد الأزرق عادة لبضعة كيلومترات في كل اتجاه، وتعد أنتاركتيكا المكان الوحيد على الأرض الذي يحتوي على هذه الامتدادات المذهلة من الجليد الأزرق.
كما يكون الجليد العميق داخل نهر جليدي أو صفيحة جليدية ذا لون أزرق، مع العلم أنه يمكن العثور على الأنهار الجليدية التي تغطي نحو 10% من مساحة اليابسة في العالم في كل قارة من قارات العالم تقريبا، وحتى في أفريقيا.
كيف يتكون الجليد الأزرق؟
ووفقا لمعهد وودز هول لعلوم المحيطات، فإنه كلما زاد عمر الجليد أو زاد انضغاطه أسفل الثلج الجديد المتكون؛ زادت زرقته وتحوله من الأبيض إلى الأزرق الفيروزي الجميل. وعندما يسطع ضوء الشمس على حقل من الثلج فإنه يعكس لونا أبيض ساطعا قد لا تحتمله الأعين، لكنك إذا ألقيت نظرة فاحصة على الحافة الأمامية المكشوفة من نهر جليدي فستجد أن الجليد بالداخل لونه أزرق لامع. ولكن كيف يتم تفسير ذلك؟
يتكون ضوء الشمس الأبيض من جميع ألوان قوس قزح بداية من البنفسجي وحتى الأحمر وما بينهما، وينتقل الضوء في شكل موجة، ولكل لون طول موجي خاص به، ويعد البنفسجي اللون الأقصر بين جميع ألوان الضوء المرئية يليه اللون الأزرق، أما اللون الأحمر فيحتوي على أطول طول موجي.
وترى أعيننا عادة لونا معينا عندما ينعكس هذا اللون عن سطح جسم ما بعدما يمتص موجات الضوء الأبيض الأخرى؛ فالأوراق الخضراء تمتص كل الأطوال الموجية ما عدا الأخضر الذي تعكسه فيصل إلى أعيننا. وفي حالة الثلج الأبيض فهو يظهر كذلك لأنه يعكس كل ألوان الضوء ولا يمتص شيئا، وذلك على عكس الثوب الأسود الذي يمتص جميع الأطوال الموجية للضوء فنراه أسود.
ويعكس الثلج الأبيض كل الضوء ولا يمتص شيئا بسبب وجود كثير من الهواء المحبوس بين رقاقات الثلج، حيث تبعثر فقاعات الهواء جميع الأطوال الموجية للضوء مما يجعل الثلج يظهر بلون أبيض ناصع.
أما الأنهار الجليدية فتظهر باللون الأزرق بسبب كثافتها؛ فمع تراكم المزيد من الثلوج على مر السنين تضغط فقاعات الهواء وتتخلص منها، وهنا يمكن للضوء أن يمر عبر الجليد بسهولة أكبر. ويمتص الجليد أطوال الموجات الحمراء الطويلة من الضوء الأبيض بينما يعكس الأطوال الموجية الزرقاء القصيرة، مما يخلق درجات اللون الزرقاء التي تظهر على الأنهار الجليدية.
كيف يظهر الجليد الأزرق؟
عملية الضغط الطويلة هذه في أماكن مثل القارة القطبية الجنوبية تعني أن الجليد الأزرق قديم جدا، وبالتالي لا يمكننا رؤية هذا اللون الأزرق إلا عندما نرى طبقات الجليد العميقة.
ويظهر الجليد الأزرق أحيانا على حافة القارة القطبية الجنوبية حيث تتساقط الأنهار الجليدية في البحر، كما يمكن أن يؤدي ذوبان الصيف أيضا إلى ظهور بقع ناعمة من الجليد الأزرق، وأحيانا تقوم الرياح بإزالة الطبقات العليا من الثلج؛ وهنا يظهر الجليد القديم على السطح كاشفا عن بقع زرقاء لامعة وسط الثلج الأبيض.
ويمكن أن تساوي هذه المناطق مساحة عدد من ملاعب كرة القدم، أو أنها تغطي آلاف الكيلومترات المربعة. إضافة إلى كل ذلك، فإن مناطق الجليد الأزرق الحقيقية تظهر غالبا بالقرب من سلاسل جبال أنتاركتيكا.
ووفقا لموقع “لايف ساينس” (livescience)، فقد تبين أن الجليد الأزرق في القارة القطبية الجنوبية يحتوي على كنز نادر من النيازك؛ فقد تم جمع أكثر من 25 ألف نيزك من مناطق الجليد الأزرق في أنتاركتيكا، حيث يتبخر الجليد تاركا وراءه النيازك التي سقطت على القارة المتجمدة على مدار آلاف السنين مركزة الصخور الفضائية في منطقة صغيرة واحدة.
ولكن بسبب الاحتباس الحراري فإن الكتل المهيبة من الجليد الأزرق تتراجع بسرعة كبيرة، إذ تكشف صور الأقمار الصناعية عن أن الأنهار الجليدية في العالم آخذة في التراجع. ويتراجع غالبا الجليد الأقدم في الأنهار الجليدية أولا لأنه يقع تحت مستوى سطح البحر وتحيط به مياه المحيط الذي ترتفع درجة حرارته مما يعمل على ذوبان الثلج.
التعليقات