كمال ذبيان – الديار
دخل لبنان في اول يوم من الشهر الحالي بالمهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية تمتد حتى 31 تشرين الاول المقبل، وهو اليوم الاخير من ولاية الرئيس ميشال عون، الذي يؤكد دائماً على انه لن يبقى ثانية بعد هذا التاريخ، لانه يحترم الدستور واقسم اليمن عليه بألا يفرّط به.
هذا الكلام الدستوري سليم، ولا غبار عليه، لكن الشعار السياسي هو الذي يمحو الدستوري، ويستعيد البعض المرحلة التي عُين فيها قائد الجيش العماد عون رئيساً لحكومة عسكرية بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل في ايلول 1988 بتكرار لما حصل في ايلول من العام 1952، عندما استقال الرئيس بشارة الخوري، وشكل حكومة برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية، في مرحلة انتقالية قصيرة، وهذا ما جرى، فانتخب بعد اسبوع كميل شمعون رئيساً للجمهورية، وكان احد اركان “الجبهة الوطنية الاشتراكية” المعارضة، التي اطاحت الرئيس الخوري.
اما العماد عون، فلم يسهِل انتخاب رئيس للجمهورية، لانه كان هو الطامح للرئاسة الاولى، وساهم في تعطيل جلسات مجلس النواب لاجراء الانتخابات، بدءاً من اتفاق الرئيس السوري حافظ الاسد مع الموفد الاميركي ريتشارد مورفي على اسم مخايل الضاهر، وبعده الرئيس الراحل سليمان فرنجية وفريد سرحال وغيرهم من الاسماء، فبقي لبنان بلا رئيس للجمهورية ومنقسماً بين حكومتين الاولى عسكرية ومنقوصة التمثيل المسلم برئاسة العماد عون، والثانية برئاسة سليم الحص، كما كان البلد منقسماً في السلطة والمؤسسات والارض، حيث لم يقبل العماد عون ما صدر عن اتفاق الطائف الذي اجرى اصلاحات للنظام السياسي واوقف الاقتتال، فلم يعترف بانتخاب الرئيس رينيه معوض، ومنع حصول عملية الانتخاب في المقر الموقت لمجلس النواب في قصر منصور بمنطقة المتحف، وجرى الانتخاب في مطار القليعات العسكري في الشمال، كما تمت عملية انتخاب الياس الهراوي في شتورة اثر اغتيال الرئيس معوض، ورفض عون تسليم القصر الجمهوري، الى ان خرج منه بعملية عسكرية وقرار دولي ـ اقليمي ـ لبناني، انهى الحرب في لبنان.
هذا المشهد يخشى اللبنانيون ان يتكرر، مع ما صدر ليس عن الرئيس عون الذي اكد على خروجه من القصر الجمهوري، بعد انتخاب رئيس للجمهورية مباشرة حيث يحمل كلامه تفسيرات واجتهادات، يعبر عنها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بانه لن يتم تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة مستقيلة وتصرّف الاعمال، حيث بدأت الفتاوى الدستورية تصدر عن المستشار في رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، بان صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل الى حكومة كاملة الاوصاف وحائزة ثقة مجلس النواب، الذي جرى انتخاب لاعضائه قبل اشهر، واعتبرت الحكومة مستقيلة حكما وفق الدستور، وتم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل اخرى، لكن الصيغة التي قدمها بتعويم حكومته الحالية، لم يقبلها الرئيس عون، الذي طرح حكومة موسّعة من 30 وزيراً، تكون الحصة الوازنة فيها لرئيس الجمهورية وتياره السياسي، وعندئذ تنتقل الصلاحيات اليها، وفق ما توضح مصادر قيادية في “التيار الوطني الحر”، التي تشير الى ان لا تنازل عن صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة غير متوازنة.
لذلك، فان محاولات تجري لتشكيل حكومة مقبولة من كل الاطراف، تحسباً لحصول فراغ رئاسي، بعدم النجاح في اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية التي تسودها الضبابية، وتكثر فيها المواصفات، اضافة الى وفرة المرشحين، مما يعقدّها دستورياً بتأمين النصاب لها كما في النصاب السياسي لمرشح يوحّد ولا يفرّق، كما اعلن الرئيس بري في مواصفاته لرئيس الجمهورية، واسقط فكرة مرشح التحدي الذي يريده رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، او الحيادي كما يطالب به البطريرك الراعي، او غير الاستفزازي كما يقترحه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، او صاحب التمثيل المسيحي كما يؤكد عليه جبران باسيل.
فمع دخول الاستحقاق الرئاسي في الشهر الاول منه، فان النقاش في اروقة القصر الجمهوري، حول آلية خروج الرئيس ميشال عون عند انتهاء ولايته، حيث تروّج داخل “التيار الوطني الحر” معلومات عن ان تظاهرات شعبية سترافق انتهاء الولاية، لكن مع شرط الا يدخل الى قصر بعبدا الا من تتطابق مواصفاته، مع مشروع “الاصلاح والتغيير” و”لبنان القوي”، والذي سيكمل ما لم يستطع الرئيس عون الوصول اليه ووضع اسسه، كالتدقيق الجنائي المالي، وتحديد الخسائر المالية لمعرفة اين ذهبت اموال الخزينة، كما اموال المودعين في المصارف، اضافة الى اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فالعماد عون يخرج من قصر بعبدا، ولا يدخل اليه، الا من يشبهه.
التعليقات