توصل لبنان وإسرائيل خلال هذا الأسبوع إلى اتفاق حول كيفية تقاسم حقول الغاز الطبيعي الواقعة قبالة سواحل البلدين.
تم الترحيب بالاتفاق باعتباره تاريخيًا حسبما رأت بعض الأوساط، ومن أبرز المرحبين الحكومتان الأمريكية والألمانية، فيما رأه البعض الآخر اتفاقاً سيئا. يقول بعض المراقبين إن إسرائيل ربحت أكثر من هذا الاتفاق، ويعتقد آخرون أن اللبنانيين حصلوا على صفقة أفضل.
ما فحوى الصفقة؟
اتفق البلدان على تحديد من له الحق في حقول الغاز الطبيعي المغمورة قبالة سواحلهما. تنازع لبنان وإسرائيل منذ حوالي عقد من الزمان على من يملك بالضبط ما في هذا الجزء من شرق البحر الأبيض المتوسط من حقول.
لا تركز الاتفاقية الجديدة على الحدود البحرية بين البلدين. وإنما يتعلق الأمر بمنطقة تبلغ مساحتها حوالي 860 كيلومتراً مربعاً فيما يُعرف باسم “المنطقة الاقتصادية الحصرية” لكل دولة (EEZ). تقع هذه المنطقة خارج الحدود البحرية ولكن للدولة حقوق خاصة لما بداخلها.
الصفقة الجديدة تفيد أن لبنان السيطرة على حقل قانا للغاز، في وسط المنطقة المتنازع عليها. لكن قد تطالب إسرائيل الآن بنسبة – حوالي 17٪ ، وفقًا لوثائق مسربة – من أي أرباح مستقبلية من حقل قانا، ذلك أن جزء منها يقع في المنطقة الاقتصادية الحصرية.
في غضون ذلك، تسيطر إسرائيل على حقل غاز كاريش، الذي يقع جنوباً، وهو أقرب إلى حقلي الغاز تامار وليفياثان المملوكين لإسرائيل.
أكد الجيش الإسرائيلي أن حزب الله أرسل درونز للتجسس على الأنشطة الاقتصادية لإسرائيل في البحر
لماذا الآن؟
ظهرت التوترات حول المطالبات المتعلقة بالمناطق البحرية واستمرت على مدار العقد الماضي بين البلدين. في الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة الأزمة مرة أخرى بعد أن قالت إسرائيل إنها مستعدة لمنح لشركة اينيرجين Energean المدرجة في لندن تصريحاً لبدء العمل في حقل كاريش.
في عام 2021، غيّر لبنان تعريف منطقته الاقتصادية الحصرية، من الخط 23 إلى الخط 29. كان هذا يعني أن جزءًا من حقل غاز كاريش ينتمي إلى لبنان. ثم قالت جماعة حزب الله، والتي تعتبر نفسها عدوا لإسرائيل، إنها ستهاجم أي سفن ومعدات في تلك المنطقة.
لكن هذا العام، أثرت عدة عوامل باتجاه حل هذه المشكلة.
أوضح هيكو ويمين، مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان في مركز أبحاث مجموعة الأزمات Crisis Group ومقره بروكسل ، أن أزمة الطاقة في أوروبا لعبت دوراً رئيسياً.
وقال ويمين لـ DW: “بفضل الاحتياجات الأوروبية، فإن الباب مفتوح [لمصدري الغاز]”.. “أي شخص يريد أن يعبر هذا الباب يحتاج إلى التحرك الآن، قبل أن يدخل شخص آخر إلى هناك، أو قبل أن يتم استبدال الغاز الطبيعي – الذي يبدو ظاهريًا أنه طاقة مؤقتة – بطاقات أكثر اخضرارًا. لذلك أقول إن هذا جعل الأمر عاجلاً بالنسبة للإسرائيليين.”
وأضاف أنه على سبيل المثال عندما قام اللبنانيون بتغيير مطالبهم في المنطقة الاقتصادية الحصرية لأول مرة من الخط 23 إلى لخط 29 ، سخر الإسرائيليون من ذلك. وقال ويمين: “لكن بعد ذلك حلّت أزمة الغاز هذه وتوقفوا عن الضحك”.. “لقد أرادوا تسوية هذا الأمر”.
أيضاً يواصل لبنان العمل في ظل أزمة اقتصادية قال البنك الدولي إنها من بين “أشد الأحداث خطورة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”. يمكن للسلطات اللبنانية أن تستفيد من الأمر من ناحيتين هما ما يمكن أن تفعله بالأموال التي يمكن أن يجلبها حقل الغاز البحري وكذلك الأمل الذي يمثله هذا المسعى للناخبين.
في 2021 غيّر لبنان تعريف منطقته الاقتصادية الحصرية من الخط 23 إلى الخط 29 وهو ما رأى محللون أنه كان تكتيكاً ذكياً
كما أدت الفوضى السياسية في كلا البلدين إلى تسريع الوصول إلى اتفاق. كان لبنان قد أجرى انتخابات برلمانية في مايو/أيار لكن حكومة تصريف الأعمال ما زالت تدير شؤون البلاد. ومن المقرر أن يتنحى الرئيس اللبناني ميشيل عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول.
في غضون ذلك، تقترب إسرائيل من انتخاباتها الخامسة في أربع سنوات بعد انهيار الائتلافات السابقة. ومن المقرر أن تجري الجولة القادمة من التصويت في نوفمبر/تشرين الثاني. وافقت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها على هذه الصفقة ولكن أمامها الآن حوالي أسبوعين لبدء تنفيذها رسميًا.
ما هي مكاسب إسرائيل من الصفقة؟
من الناحية الاقتصادية، تعني الصفقة أن شركة اينيرجين Energean يمكن أن تبدأ العمل في حقل كاريش الإسرائيلي على الفور تقريبًا دون خوف من التعرض للهجوم. من المفترض أن تكون إسرائيل قادرة على البدء في جني الأموال من حقل الغاز الطبيعي في غضون أسابيع.
من الناحية السياسية، يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يائير لبيد أن الصفقة ستعزز الاستقرار الإقليمي.
وأكدت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط ومقره بيروت، في تعليق لها هذا الأسبوع أن “الاتفاق يعني أن البلدين لديهما الآن مصالح اقتصادية في الحفاظ على حالة الهدوء على طول مناطقهما الحدودية المشتركة” بحسب ما قالت. وربما يكون هذا هو الأهم بالنسبة لإسرائيل.
من جانبه، أشار هيكو ويمين المحلل في مجموعة الأزمات إلى أن حقل كاريش من الناحية المالية هو أصغر حقول الغاز التي تعمل عليها إسرائيل. وأوضح أنه “إذا في حالة ما إذا كان الأمر قد وصل إلى مرحلة الصدام الفعلي لكانت البنية التحتية [لحقول الغاز] بأكملها معرضة للخطر”، وأضاف: “هذا السيناريو غير مطروح الآن. لذا، بالطبع، فإن ذلك يعد فوزاً مهماً من الناحية الأمنية.”
انفوغرافيك يوضح طبيعة الخلاف على المناطق البحرية الحصرية لكل من إسرائيل ولبنان
ما هي مكاسب لبنان من الصفقة؟
على الرغم من أن لا أحد يعرف على وجه التحديد قيمة كمية الغاز الموجودة في حقل قانا، إلا أنها تقدر حاليًا بحوالي 3 مليارات دولار (3.08 مليار يورو). وقد يدر ذلك على لبنان ما بين 100 مليون دولار (103 مليون يورو) و 200 مليون دولار في السنة.
لكن لبنان بعيد عن ضخ أي غاز من حقل قانا. وقد أبرمت الدولة صفقة مع شركة الطاقة الفرنسية العملاقة “توتال” لاستخراج الغاز من الحقل ولكن هناك حاجة إلى مزيد من أعمال الاستكشاف والبنية التحتية قبل أن يجني لبنان من حقل قانا أي أموال. لن يحدث هذا على الأرجح حتى قرب نهاية هذا العقد.
كما كتب مايك عازار، المحلل المقيم في واشنطن والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي في كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، على تويتر: “هذه الصفقة لا تغير من الأمور بشكل كبير فيما يتعلق باكتشاف واستغلال احتياطيات النفط والغاز في لبنان … [كان الاتفاق] في نهاية المطاف أكثر ربحية لإسرائيل. ما حصل عليه لبنان هو تجنب المشاكل التي لا يستطيع التعامل معها في الوقت الحالي “.
إذن .. من ربح حقًا؟
لا أحد من البلدين. يقول مراقبون إن إسرائيل تخلت على الأرجح عن أراضٍ أكثر مما أرادت في البداية، لكنها ستستفيد أكثر على المدى القصير من مبيعات الغاز في ظل ظروف أمنية أفضل. على الجانب الآخر، حصل لبنان على أرض لكنه لن يتمكن من استغلالها على الفور.
قال الدبلوماسي عاموس هوشتاين، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الطاقة الدولية، الذي تفاوض على الصفقة: “يمكن للجانبين الفوز هنا، لأن كلا منهما يريد أشياء مختلفة، ويحتاج إلى أشياء مختلفة”، بحسب ما صرح لوسائل إعلام إسرائيلية.
ماذا حدث بعد ذلك؟
تحاول الحكومتان المؤقتتان في لبنان وإسرائيل جاهدتين لدفع الصفقة للأمام في الوقت المحدود الذي تبقى لكل منهما في السلطة.
في إسرائيل، لا يزال من الممكن أن يأتي التحدي الجاد للصفقة من قبل السياسيين اليمينيين. فقد اتهم زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو حكومة لابيد “بالاستسلام لابتزاز حزب الله”. وأقسم نتنياهو على إلغاء الصفقة إذا عاد إلى السلطة بعد انتخابات فاتح نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي لبنان، قال محللون في قطاع الطاقة إن التفاصيل الخاصة ببلدهم تترك الكثير للنقاش بشأنه. وأشار عازار إلى أنه من الواضح أنه سيتم التفاوض على العديد من التفاصيل في المستقبل. وأضاف أن هناك أيضاً حقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بتسوية هذه الأمور، فإن لبنان وإسرائيل لا يتحدثان مع بعضهما البعض بشكل مباشر، مما يترك شركات الطاقة في هذه المهمة الصعبة.
عمل الدبلوماسي الأمريكي عاموس هوشتاين على هذه الصفقة منذ عام 2020
لماذا اعتبر اتفاقاً تاريخياً؟
كان الدبلوماسي الأمريكي عاموس هوشتاين يتنقل بين البلدين لأن لبنان وإسرائيل لا يتحدثان رسمياً مع بعضهما البعض. وتمت الصفقة عبر سلسلة من الرسائل من البلدين إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
لكن المراقبين يشيرون إلى أن الصفقة تشكل سابقة تاريخية. في حين أن الصفقة لا تتعلق بالحدود الفعلية ولا يزال هناك الكثير من التفاصيل غير المكتملة بشأنها، يعتقد ويمين المحلل في مجموعة الأزمات الدولية أن الصفقة مهمة بالتأكيد.
وقال ويمين لـ DW: “السبب في ذلك أن إسرائيل وأحد جيرانها – الجار الذي لا يعترف بإسرائيل رسميًا – توصلا إلى حل بناء للصراع”، وأضاف: “بالطبع، إنهم لا يتحدثون مباشرة مع بعضهم البعض … لكن في النهاية، وجدوا حلاً دبلوماسياً يرضيهم. وهذا بالتأكيد حدث تاريخي”.
كاثرين شاير/ع.ح.
التعليقات