بالتزامن مع مفاوضات دبلوماسية مكثفة لترسيم حدودها البحرية مع لبنان المجاور، تستعد إسرائيل لبدء العمل في حقل كاريش البحري للغاز الذي من شأنه أن يشكّل مفتاحاً لتعزيز صادراتها إلى أوروبا.
وتتولى الولايات المتحدة دور الوسيط في المفاوضات الدائرة منذ عامين بين لبنان وإسرائيل، البلدين اللذين هما رسمياً في حالة حرب. وتهدف هذه المفاوضات إلى ترسيم الحدود البحرية بينهما، وتذليل العوائق أمام الشروع في أعمال الحفر، للتنقيب عن الغاز في حقول في البحر الأبيض المتوسط يتنازع عليها البلدان المتجاوران.
وفي حين تقول الدولة العبرية، إنّ حقل كاريش بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة، يقول لبنان إن الحقل يقع في جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل.
وتصاعدت حدة التوتر بعد استقدام شركة “إنرجيان” في حزيران/يونيو الفائت سفينة لاستخراج الغاز من الحقل لحساب إسرائيل. ودفع هذا التطور لبنان إلى المطالبة بمعاودة المفاوضات التي عُلقت بعد الاختلاف على مساحة المنطقة المتنازع عليها.
ووجّه حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل والذي يتمتع بنفوذ سياسي كبير في لبنان، سلسلة تهديدات إلى إسرائيل، محذراً إياها من مغبة الإقدام على أي نشاط في كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية.
وفي مطلع تموز/يوليو الفائت، اعترض الجيش الإسرائيلي طائرات مسيّرة أرسلها حزب الله الذي يملك ترسانة عسكرية ضخمة، لاستطلاع الحقل. وتكثفت المحادثات بين لبنان وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، إذ نشط الوسيط الأمريكي آموس هوكستين في زيارات بينهما.
وأكدت “إنرجيان” في 8 أيلول/سبتمبر الجاري أنها جاهزة للبدء “في غضون أسابيع قليلة” بالإنتاج من حقل كاريش، فيما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها “تستعد لربط الحقل” بشبكتها الوطنية. ومن المتوقع أن يتيح إنتاج حقل كاريش لإسرائيل زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الأسبوع الفائت في برلين: “سنشارك في الجهود الرامية إلى إيجاد بديل من الغاز الروسي في أوروبا”، مضيفاً قوله إن إسرائيل تعتزم تزويد أوروبا “10 في المئة” من الكميات، التي كانت توفرها روسيا قبل غزوها أوكرانيا في 24 شباط/فبراير لدول الاتحاد الأوروبي.
وكانت موسكو زودت دول الاتحاد عام 2021 بنحو 155 مليار متر مكعب من الغاز، وبالتالي توازي نسبة 10 في المئة 15,5 مليار متر مكعب.
حجم الإنتاج المطلوب
وتزوّد إسرائيل أصلاً الأردن ومصر بالغاز، ووقعت في حزيران/يونيو المنصرم اتفاقاً لتسييل غازها في مصر بهدف شحنه بحراً إلى أوروبا. ويُنتج حقلا ليفياثان وتمار البحريان الإسرائيليان ما مجموعه 23 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.
ولكن لا تبقى من هذا الإنتاج سوى كميات قليلة يمكن تصديرها إلى السوق الأوروبية، نظراً إلى أن الاستهلاك المحلي الإسرائيلي يبلغ 13 مليار متر مكعب، فيما الصادرات إلى الأردن ومصر بموجب الاتفاقين معهما تبلغ نحو 9,5 مليار متر مكعب، على ما توضح لوكالة فرانس برس الخبيرة في قطاع الغاز الإسرائيلي جينا كوهين.
وتشرح كوهين أن “بيع المزيد من الغاز إلى أوروبا يستلزم إنتاجاً مستقراً من حقل كاريش” الذي تبلغ طاقته على المدى القصير ستة مليارات متر مكعب سنوياً، منتقدة عدم تصرف الحكومة بسرعة كافية في ما يتعلق بهذه الملفات.
ويُفترَض أن تُستخدم كميات الغاز التي سينتجها حقل كاريش (شمال) لسد احتياجات السوق المحلية الإسرائيلية، وأن تساعد على زيادة الصادرات من منصتي ليفياثان وتمار المرتبطتين بمدينة أشدود (جنوب).
ومن المقرر أن يتمّ بحلول منتصف 2023 توسيع خط الأنابيب الذي يربط هذه المدينة بخط أنابيب الغاز تحت البحر بين إسرائيل ومصر. وينبغي كذلك زيادة الإنتاج من حقلي تمار وليفياثان في السنوات المقبلة للتمكن من تعويض 10 في المئة من إجمالي الصادرات الروسية السابقة إلى أوروبا.
مخاطر التوتر
ولكن بما أن ثمة سقفاً محدداً لكمية الغاز الطبيعي التي يمكن تسييلها في مصر، ينبغي على إسرائيل في الوقت نفسه إيجاد بدائل أخرى لنقل غازها إلى أوروبا، ومنها خط أنابيب غاز بين إسرائيل وقبرص وتركيا، أو خط بين إسرائيل وقبرص واليونان، أو حتى إقامة محطات خاصة بها لتسييل للغاز، بحسب محللين.
وفي انتظار ذلك، حذّر حزب الله من عواقب أي إنتاج في كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وشدد الناطق باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي مساء الاثنين على أن “كاريش ليس جزءا من المفاوضات”، مؤكداً أن “الإنتاج سيبدأ في أقرب وقت ممكن”.
ورأى العميد الإسرائيلي السابق أمير أفيفي، أن خطر حصول توترات قائم فعلياً، مع أن ثمة حرصاً من الجهتين على توفير استقرار يتيح إنتاج الغاز. وقال أفيفي: “يستغل حزب الله قضية كاريش والحدود البحرية لإظهار تمسكه بمصالح لبنان”، وإذا حصل اتفاق “يستطيع أن يقول (للبنانيين) إنه دفع اسرائيل إلى تقديم تنازلات”.
التعليقات