هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، أكاديمي إماراتي زائر بجامعة هارفرد، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة منصة تويتر، في الإمارات مؤخرًا جدلًا واسعًا وساخنًا حول من هو الإماراتي؟ ومن نحن؟ وما هو الثابت والمتحول في الهوية الوطنية؟
فقد ذهب فريق إلى تعريف الإماراتي بأنه كل من يحمل جنسية وجواز دولة الإمارات. لكن هذا التعريف الرسمي والقانوني على الرغم من صحته وبساطته لم يرق للكثيرين. حيث اعتبر فريق آخر أن الإماراتي هو شخصية وطنية كاملة متكاملة معجونة بمجموعة من القيم والتقاليد الاجتماعية ورثها أبًا عن جد وجد عن أجداد، توافدوا على هذه الأرض وساهموا معًا وسويًا في جعلها أرضًا آمنة ومستقرة ومزدهرة تحتضن الجميع وتقدر مساهمة كل من يشارك في بناء نموذج إماراتي جاذب. هذا التعريف المتداول، والمتفق عليه على نطاق واسع، أضاف له البعض الأخير عناصر كاللغة العربية والدين الإسلامي حيث لا تكون هوية الإماراتي كاملة مكتملة بدونهما.
كان الحوار بين الفرقاء جدليًا وكاشفًا ومفيدًا، لكن ظل سؤال من هو الإماراتي ومن نحن، ملحًا ومتداولًا بين أخذ وجذب بين تيار محافظ يرغب في الإبقاء على قيم وعادات وتقاليد راسخة وبين تيار حداثي ومدني مرحب بالجديد دون خشية على الهوية الوطنية من التحولات السريعة التي يعيشها الإماراتي والمستجدات التي طرأت على المجتمع على مدى الخمسين سنة الماضية.
وتفرع عن سؤال من هو الاماراتي ومن نحن، أسئلة إشكالية أخرى كالسؤال ما هو الثابت وما هو المتحول في الهوية الوطنية الإماراتية، وهل هناك صراع خفي بين الثابت والمتحول في هذه الهوية؟ وهل الخشية على الهوية الوطنية محقة وتتطلب تدخلات عاجلة، أم أن الغيرة والخشية على هوية الإماراتي، مصطنعة ومفرطة وفي غير محلها، ويستخدمها البعض لتحقيق أجندات فئوية. والأهم من ذلك، هل أصبحت ثوابت الهوية الاماراتية مستهدفة من غزو خارجي وبفعل تحولات العولمة والحداثة التي انطلقت من عقالها خلال الخمسين سنة الماضية، أم أن الإماراتي أصبح واثقًا كل الثقة من إماراتيته، متمسكًا بمكتسباته الوطنية دون خوف وخشية على هويته الوطنية.
منطلق هذه التساؤلات الإشكالية التي تستحق المزيد من الحوار الوطني الحريص، هو بروز جيل جديد في مجتمع الإمارات يختلف في سلوكه وذوقه وعاداته وتقاليده وتطلعاته وقيمه وثوابته عن ما هو مألوف من عادات وتقاليد وثوابت استقرت في النفوس وتغلغلت في أفئدة أجيال على مدى عقود من اليسر والعسر.
أخذ هذا الجيل الإماراتي المعولم الذي خرج من صلب مجتمع الإمارات الجديد يؤكد حضوره على أرض الواقع يومًا بعد يوم، ويزداد ثقة بنفسه قولًا وفعلًا، ويقول إن له ما لغيره من حقوق، وعليه ما على غيره من واجبات، خاصة أنه يؤدي واجباته تجاه وطنه على أكمل وجه، فحاله حال مليون إماراتي محب لوطنه ومخلص لقيادته. لذلك فهو، وإن اختلف في ذوقه وسلوكه ومظهره وعاداتة، ألا أنه ليس بأقل إماراتيا من غيره من الإماراتيين والإماراتيات.
فالإماراتي، وفق منطق جيل القرن الواحد والعشرين، لا يمكن أن يختزل في المظهر والسلوك والذوق والعادات فقط، بل بالانتماء والولاء والعطاء. الانتماء للوطن هو الثابت الذي يحدد هوية الإماراتي الوطنية. بهذا المعيار الوطني لا فضل لإماراتي على إماراتي إلا بالولاء لوطن الجميع الإمارات. وأول عنصر من عناصر هوية الإمارات الوطنية أن الثاني من ديسمبر من كل عام هو يوم ميلاد كل إماراتي وإماراتية. لنحو مليون إماراتي عيد ميلاد واحد مشترك هو الثاني من ديسمبر. لا أحد يشعر بقيمة هذ التاريخ كما يشعر به الإماراتي. لهذا اليوم طعم خاص ومذاقه الخاص ومكانه الخاص في قلب كل إماراتي. الإماراتي هو إماراتي بحكم هذا الانتماء الزمني.
والإماراتي هو أيضا إماراتي بحكم الانتماء الجغرافي إلى مساحة محددة من الكرة الأرضية قدرها 83 ألف كيلومتر مربع. هذه المساحة دون غيرها هي وطن الإماراتي جغرافيًا. يولد هنا ويترعرع هنا وعندما يحين وقت المغادرة يدفن هنا. كل شبر من هذه المساحة أرض مقدسة وغالية على الإماراتي، وعلى استعداد لأن يدفع حياته من أجلها.
ثم أن الإماراتي الصغير والكبير له أب وطني واحد فقط هو المرحوم زايد، الأب المؤسس لدولة الإمارات. مليون إماراتي هم عيال زايد، طيب الله ثراه، يشعرون بروحه الطاهرة تحوم في كل ركن من أركان الامارات وفي كل زاوية من زوايا الدولة الاتحادية شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا.
فضلا عن ذلك، ما يجمع مليون إماراتي هو الاعتزاز بعلم الإمارات. هناك 200 علم في العالم، لكن لا يستوقف الإماراتي سوى علم واحد ووحيد يفديه بروحه ويقف تحية له عندما يعزف النشيد الوطني. قلب الإماراتي يخفق لعلم واحد. يسعد به عندما يرفرف عاليًا ويرفع في المناسبات الوطنية والمحافل الدولية.
هذه الرموز الوطنية أكثر من غير من الثوابت والمتحولات، هي التي توحد مليون إماراتي وتميزهم عن غيرهم من الشعوب القريبة والبعيدة، وهي دون غيرها تشكل ثوابت هويتهم الوطنية، وتحدد بالتالي من هو الإماراتي وتجيب على السؤال من نحن؟ قد تتغير العادات والتقاليد والقيم من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، بيد أن هذه الرموز الوطنية ثابتة لا تتغير اطلاقا مع تغير الزمن. فالأب المؤسس واحد لا يتغير، ومساحة الوطن تزيد ولا تنقص، والعلم لا يتبدل، أما يوم الثاني من ديسمبر من كل عام فإنه يوم مخصص لشعب الإمارات دون غيره من الشعوب.
لقد ارتبطت الهوية الوطنية الإماراتية بقيام دولة الامارات، وبرموز هذه الدولة المنفتحة على العالم، وأكدت أنها هوية مرنة وجامعة لا يحتكرها جيل، ولا يجوز نزعها من جيل جديد سعيد بنموذج إماراتي يجسد أفضل ما في العالم من انفتاح وتسامح.
التعليقات