منذ دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة ثانية لانتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته أواخر الشهر الجاري، متجاوزًا بذلك “شرط” التوافق الذي كان قد افترضه لدعوة البرلمان “فورًا” إلى الانعقاد، تكثر التكهنات حول “السيناريوهات” الممكنة لهذه الجلسة، ولو أنّ المفارقة تكمن في “حسم” أقرب إلى “اليقين”، بأنّ أيًا منها لن يفضي إلى انتخاب رئيس، رغم “ضيق المهل” الذي بات واقعًا.
من هذه “السيناريوهات” مثل اً ألا تُعقَد الجلسة من الأساس، نتيجة “فقدان النصاب”، تمامًا كما كان يحصل في الاستحقاق الرئاسي الماضي، خصوصًا في ظلّ تمسّك رئيس البرلمان نبيه بري باشتراط “نصاب الثلثين” في كلّ الدورات الانتخابية، وهو سيناريو قد يدفع نحوه “التيار الوطني الحر” الذي عبّر صراحةً عن “استيائه” من موعد الجلسة الذي حُدّد في ذكرى 13 تشرين الأول، ما قرأ فيه موقفًا غير بريء، بل “استهتارًا” وفق تعبير النائب جبران باسيل.
لكن، من “السيناريوهات” أيضًا، أن تُعقَد الجلسة، ولو لم يحضرها نواب “التيار”، علمًا أنّ هؤلاء لم يعلنوا موقفهم “النهائي” بعد، على أن ذلك، إذا حصل، سيؤدّي وفق العارفين إلى جلسة “مستنسَخة” عن تلك التي سبقتها، بحيث “يخفق” النواب في انتخاب رئيس جديد، نتيجة “تعذّر” حصول أيّ مرشح على الأكثرية المطلوبة، وعلى الأرجح، “تطيير” النصاب بعد دورة أولى، رغم أنّ حدوث دورة ثانية لن يغيّر في واقع الأمر شيئًا، وفق المطّلعين!
احتمال “المقاطعة” وارد!
بالنسبة إلى السيناريو الأول، فإنّ العارفين يقولون إنّه أكثر من وارد، ليس بالضرورة بعنوان “المقاطعة السياسية” كما كان يحصل في الاستحقاق الرئاسي السابق، ولكن بفعل “تسجيل الموقف” من جانب “التيار الوطني الحر” الذي يرى في توقيت الجلسة “استهدافًا مباشرًا” له، علمًا أنّ كلّ المؤشّرات تؤكد أنه يميل إلى التغيّب عن الجلسة، ولو أنّه يتريّث في إعلان موقفه حتى اللحظة الأخيرة ربما، وتحسّبًا لأيّ تغيّرات يمكن أن تحصل.
ومع أنّ غياب نواب “التيار الوطني الحر” عن الجلسة المرتقبة قد لا يُفقِدها عمليًا النصاب المفترض، لكون الوصول إلى ثلثي عدد النواب يبقى واردًا، ثمّة من يعتقد أنّ حليف “التيار”، “حزب الله”، سيتضامن مع هؤلاء، بل سيقنع بعض حلفائه بأن يحذوا حذوه، وذلك تفاديًا لعقد جلسة انتخابية، ولو كانت “شكلية” وفقًا لكلّ الاعتبارات والحسابات، بغياب التكتّل الذي يصنّف نفسه “الأول مسيحيًا”، ولو كان ذلك مثار جدل واسع.
ويقول العارفون إنّه في حال قرّر “التيار الوطني الحر” مقاطعة الجلسة، فإنّ “حزب الله” سيفضّل “الإطاحة” بها عن بكرة أبيها، منعًا لجدال سياسي قد لا يكون في أوانه، حول استعداد النواب لانتخاب رئيس، ولو افتراضيًا، بغياب تكتّل سبق أن نصّب نفسه “ناخبًا أول”، بل “ممرًا إلزاميًا” في الاستحقاق، خصوصًا أنّ الحزب لا يزال ساعيًا إلى “التقريب” بين حلفائه، والتقليل من حدة الانقسامات بينهم، لتفادي “الإحراج” الذي قد يتعرّض له في حال “اضطراره” للاختيار بينهم.
ماذا لو عقدت الجلسة؟
لكن، رغم ذلك، فإنّ “سيناريو” التئام مجلس النواب الخميس المقبل لا يزال، أقلّه حتى الآن، أحد الخيارات المطروحة، باعتبار أن “التيار” نفسه لم يحسم موقفه بعد، وقد لا يطلب أن يتضامن معه أحد، باعتبار أنّه قد يسعى لتوجيه “رسالة سياسية” من خلال غيابه، فماذا لو عقدت الجلسة؟ ما الذي يمكن أن تفرزه في هذه الحالة؟ وهل تفضي إلى “مفاجأة” من نوع انتخاب رئيس، أو وصول مرشح ما إلى الأكثرية المطلقة بالحدّ الأدنى؟
يقول العارفون إنّ الجلسة، إن عقدت، فلن تكون سوى “نسخة طبق الأصل” عن الجلسة التي سبقتها، حيث إنّ أيّ تغيير لم يطرأ على “المعادلات”، فلا قوى الموالاة اتفقت على مرشح محدّد تخوض من خلاله “المعركة”، بعيدًا عن “الورقة البيضاء”، ولا قوى المعارضة اتفقت في ما بينها على اسم مرشح موحّد تمضي به، ولا ميشال معوض الذي يبقى في الميدان سيكون قادرًا على تحقيق “خرق نوعي” في عدد الأصوات التي سيحصدها.
من هنا، فإنّ الجلسة لن تفضي إلى انتخاب أيّ رئيس، إذ سيتعذّر حصول معوض أو غيره على الأصوات المطلوبة، كما أنّ النصاب، ولو تأمّن، لن يصمد إلى دورة ثانية، ما يعني أنّ اللبنانيين سيكونون على موعد مع “استعراض” جديد، قد لا تتغيّر فيه سوى بعض “الشكليّات”، كالتسمية التي سيختارها بعض النواب المستقلين الذين صوّتوا لـ”لبنان” في المرّة الأولى، فضلاً عن الاسم الجديد الذي سيختاره نواب “التغيير”، بعد “عزوف” سليم إده.
لن يُنتخَب رئيس جديد للجمهورية في 13 تشرين. صحيح أنّ “المصادفة مغرية” لكثيرين، خصوصًا من خصوم “التيار الوطني الحر”، لكنّ واقع الحال أنّ “ظروف” انتخاب الرئيس لم تنضج بعد، فلا تسوية ولا توافق ولا من يحزنون، وفي المقابل لا قدرة لأحد على “فرض” رئيس. لذلك، فإنّ جلسة 13 تشرين بحدّ ذاتها لن تكون “الحدث”، بقدر “الشكليّات” المحيطة بها، ومنها التحركات التي قد يعلن عنها “التيار” في الساعات القليلة المقبلة!
التعليقات