بدأ الناس يتوافدون باكراً إلى معراب ويواكبهم ضباب بعد ظهر الرابع من أيلول، فيحملهم ويقلّهم بانسيابية إلى باحة المقرّ العام لحزب “القوات اللبنانية” للمشاركة في الذبيحة الإلهية على نية شهداء المقاومة اللبنانية. أوصلهم سريعاً ووضعهم بحماية حجارة كنسيّة عتيقة وأشجار من طبيعة التربة وصخور تحيط المكان وأسماء محفورة في الزمان يتوسطها تجسيدٌ مرسوم للرئيس الشهيد بشير الجميّل: “العهد لكم”. امتلأت الساحة سريعاً بتفاعلات حاضرين فيها، بما بدا أنه مكتوب في ملامح بعضهم كلمات صارخة: “مات أهلي وأحبائي وغمرت الدموع والدماء هضبات بلادي”؛ وآخرون تقاطروا بملابس مرتوقة برائحة الفلاحين، وبدا مرسوماً على جبينهم تضاريس أجدادهم الشاهدة زمن مجاعة 1914 والمتعانقة مع قحولة عوز السنين الراهنة، كما لو أنهم يردّدون: “مات أهلي جائعين”. ومنهم مشوا يحملون الأعلام المجسّدة معاني الأرزة الكيانية، مستذكرين كلّ الذين واجهوا التنكيل أو الوعيد أو الاغتيال على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ومناطقهم، لأنهم دافعوا عن ايمانهم بمساحة لبنان: “مات قومي مضطهدين سائرين نحو مجد الاستشهاد”. وكأنهم أتوا جميعهم يلبّون نداء جبران خليل جبران… لئلا تبقى نكبة بلاده خرساء كمأساة موجعة بغير أناشيد وليقولوا إنهم يشعرون بتلك التعزية العلوية.أكثر من روحية رافقت المناسبة المرتكزة على رمزية تاريخية تتجدد سنوياً تأكيداً من “القوات” على محطة أساسية بطابع وجداني لاستذكار مواطنين لبنانيين بذلوا أنفسهم في نضال تقرأ بثقة أنه سيبقى يثمر، مع إضاءتها على الاتجاه نحو استكمال النهج والثوابت والبقاء في حال جهوزية دفاعاً عن القضية اللبنانية التي استشهدوا في سبيلها. ويتزامن القداس مع استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي تعوّل عليه “القوات” بدءاً من عنوان استعادة دور الدولة اللبنانية وانتشالها من حال الخضوع والاستسلام. و”العهد لكم”، بدءاً من ترسيخ أولوية حصول الحدث الدستوري المنتظر في موعده كحدٍّ فاصل للانتقال إلى مرحلة جديدة تعيد إنتاج السلطة بكامل مفاصلها. وإذ تركّز “القوات” أعمدة أهدافها على التوصل إلى وحدة موقف المعارضة وتبني سردية سياسية واحدة لناحية تشخيص مكمن الخلل والاتفاق على مرشح سيادي إصلاحي، بدا هذا المعطى بمثابة وصيّة توجّه بها رئيس “القوات” سمير جعجع إلى الكتل النيابية المعارضة على تنوّعها، اختصرت الخطوة التالية مع لهيب المشعل المتقّد لاستكمال المسيرة المحتفى بها. وكان حضور ممثلي كتلة الكتائب و”تجدّد” و”مشروع وطن الانسان” إلى جانب تكتل “الجمهورية القوية”، أن أكدت إحياء المسعى الذي كان انطلق عبر اتصالات ولقاءات بعيدة عن الأضواء للعمل على مهمة الاتفاق في الموضوع الرئاسي.”لنا لبناننا” عبارة اختارها رئيس…
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من “النهار”
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
التعليقات