وطنية- بعلبك – أعدت مطرانية دير الأحمر وابرشية البلدة، لبطريرك إنطاكية وسائر المشرق الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي، حفل استقبال فني تراثي في باحة كنيسة سيدة البرج الأثرية، بحضور فاعليات روحية ونيابية وبلدية واختيارية واجتماعية.
القزح
وتحدث رئيس بلدية دير الأحمر لطيف القزح، فقال: “إفرحي يا دير الأحمر وابتهجي أيتها الأرض وهلّلي ها إن راعيك “حسب الوعد آت”، آت من أرض القديسين والرهبان، مزوداً بعطر القداسة، عابقا برائحة البخور المتصاعد من الوادي المقدس، حيث الكنائس ومحابس النساك والزهاد حاملاً معه بركة أرز الرب. فأهلاً وسهلاً بكم يا صاحب الغبطة والنيافة، قلوبنا كما بيوتنا مفتوحة لاستقبالكم بفرح عظيم ومحبة عارمة، فأنت صاحب الدير وسيدها”.
وتابع: “منذ أكثر من ألفي عام أتى المخلص ودخل أورشليم ليخلصها من التجار والمرابين وليطهرها من الفاسدين والعملاء. واليوم أيها السيد ونحن في ذروة المعاناة أرى خلاص لبنان عن يدك أنت، وإنّي أراه قريبا جدا. أجدل السوط واطرد الذين عاثوا في الأرض فساداً فقد التهموا خيرات البلاد واستباحوا كرامات الناس وأعراضهم وأدخلونا إلى جهنم”.
وختم: “سيدي صاحب الغبطة والنيافة، هز عصا العز وخلص لبنان، هذا الوطن الذي أوجده أسلافك ودافعوا عنه حتى الإستشهاد والنفي والتشرد والحريق. أقدم الله معك، من كان معه الله فمن من يخاف. راياتنا مرفوعة فوق أرضنا خفاقة تطاول الشمس في عليائها تلوّح لنا إلى العلا إلى العز والنصر. ولن يرتفع فوق أرضنا علم آخر مهما علا شأنه، فأعلامنا مرفوعة بسواعد رجالنا مخضبة بدماء الشهداء، وأجراسنا تدق وستظل تدق ما دام فينا نبض يدق”.
وقدم القزح إلى البطريرك الراعي لوحة فسيفساء لصورته.
القداس
وبعد افتتاحه “المركز الرسولي” قرب الكنيسة، ترأس البطريرك الراعي القداس الإلهي، يعاونه راعي أبرشية بعلبك دير الأحمر المارونية المطران المطران حنا رحمه، المطران سمعان عطالله، ولفيف من الكهنة. وحضر القداس النائبان: أنطوان حبشي والدكتور سامر التوم، النائبان السابقان ربيعة كيروز وإميل رحمه، رئيس اتحاد بلديات منطقة دير الأحمر جان الفخري، رؤساء بلديات ومخاتير قرى الجوار، وفاعليات سياسية وأمنية واجتماعية.
رحمه
وتحدث المطران رحمة، فقال: “أيرحب بسيد الدار في دياره، وهو صاحب الدار ومالىء الدار غبطة وحياة؟ بفرح كبير يتحلق حولكم المحبون وهم كثر، لا ليرحبوا بكم في دياركم، بل ليعبروا لكم، وأنا معهم، عن صدق انتمائهم البنوي والكنسي الذي به يفتخرون ويعتزون! تطأ قدماكم اليوم أرض أبرشية بعلبك– دير الأحمر المارونية، هذه الكنيسة التي دعيت بـ”أبرشية المحبة” منذ اليوم الأول لتأسيسها بشكلها الجغرافي الحالي في العام 1990، لأن الأسقف والكاهن والمؤمن والمؤمنة فيها يعرفون حق المعرفة ان رسالتهم هي المحبة، ووجودهم هو خميرة لعيش المحبة، وشهادة حياتهم، متى كانت صافية، إنما هي ضرورة لا بد منها ليحلو العيش في واحة متعددة الطوائف والمذاهب والثقافات. نعم، ها هي أبرشية بعلبك – دير الأحمر مصغر ونموذج للبنان الرسالة والعيش الواحد! فهلموا یا صاحب الغبطة، وارفعوا صليبكم عاليا، وباركوا به شعبكم في هذا البقاع الحبيب، وثبتوهم في قضيتهم المحبة هذه، ليزدادوا تشبثا بأرضهم وإيمانا برسالتهم، وصفاء في عيش المحبة”.
وتابع: “لقد زرتم اليوم يا أبانا بعضا من الورش والأعمال في الرعايا والبلدات الكائنة على طريق الديمان – دير الأحمر، وما رأيتموه ليس إلا نموذجا مختصرا عن حياة شعبنا المناضل ورعايانا المليئة بالحياة، وما المشاريع القائمة إلا علامة لشعب لبناني بقاعي يشبه لبنان بعناد أرزه، وصلابة قدرته على المقاومة الحقة، وتقوى قديسيه. ويمكننا منذ اليوم أن نعد أنفسنا وشعبنا بزيارة أخرى لكم في القريب العاجل لافتتاح عدة مشاريع وأعمال كنسية تفرح قلبكم الأبوي وتبني الرجاء بالمسيح، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تدشين درب الصليب الذي ينطلق من هنا، من سيدة البرج، مرورا بتلة الصليب ومزار سيدة دير الأحمر، ثم بأكبر مسبحة في العالم تبنى على أرض الرهبانية اللبنانية المارونية، مرورا بمزار سيدة بشوات العجائبي الذي يقصده المؤمنون من كل ملة وانتماء وصوب لنيل البركات والنعم، مرورا أيضا بأرض برقا التي تحتضن بيت الأب نقولا كلويترز اليسوعي الذي خدمها كما خدم عددا كبيرا من رعايا الأبرشية قبل أن يسلم روحه شهيدا ليروي بدمائه أرضنا ويزيدها قداسة، مرورا بأرض القدام الصامدة والمناضلة، وصولا إلى نبحا التي تفتخر بابنها الشهيد البار خادم الله الذي سنحتفل في الرابع والعشرين من أيلول الجاري في افتتاح دعواه بنعمة الله منذ أشهر، إعطاء البركة للرهبانيتين اللتين تأسستا لخدمة الأبرشية: راهبات يسوع المتروك ورهبان بيت مارون خدام أرزة لبنان، هاتان ستكونان القوة الروحية الداعمة لكهنة الأبرشية وللرهبانيات الموجودة قبلا على أرض الأبرشية، والتي لطالما أزهرت رسالتها وأشعت في مختلف الحقول والميادين، كلنا سنكون يدا واحدة في خدمة شعبنا، كل انطلاقا من موهبته ودعوته، لنحقق الرؤية التي وضعناها بإلهام الرب مذ أسسنا المجلس الرسولي الأبرشي، ونعمل ونسير معا لتكون أبرشيثنا واحة للتلاقي والحج والسلام في لبنان الحبيب المتعدد الطوائف والمذاهب”.
وأكد: “إننا لن نتعب ولن نستسلم طالما أن في قلوبنا نبضة حياة، وطالما أن سلام المسيح يغمرنا ويحيينا. أما ظهور أمنا مريم العذراء للطفل الأردني محمد الهوادي في العام 2004 محتفلة يومذاك باليوبيل المئوي الأول لوصول تمثالها من “بومان” فرنسا في العام 1904، لهو خير دليل على عناية الله التي تغمر أبرشيتنا ووطننا لبنان بشفاعة أمنا العذراء مريم سيدة بشوات، أليست تفاصيل ذاك الظهور الذي شهدته بنفسي تأكيد لرسالة التلاقي التي يدعونا الله إليه، مسلمين ومسيحيين، بواسطة العذراء مريم، لتتوب إلى الله وتوطد علاقاتنا بعضنا ببعض بعيدا عن روح الفئوية والمصالح الضيقة والانقسامات والتباعد؟”.
وأردف: “هذه هي رسالتنا في هذه الأرض المباركة التي ورثناها عن أجدادنا القديسين، من عيون أرغش، إلى دير الأحمر وقرى المنطقة، مرورا بقرى قطاع بعلبك في السهل الوسيع: إيعات، بعلبك، عين بورضاي، دورس، مجدلون، حوش بردا، حوش تل صفيا، حدث بعلبك، بيت شاما، طليا، الطيبة وسرعين؛ وصولا إلى قرى وبلدات قطاع العاصي: جديدة الفاكهة، راس بعلبك، جبولة، القاع والهرمل، ولن أنسى وادي فيسان ووادي الرطل والسويسة وتل صوغا ومراح كبار وصبوبا والشواغير وتطول اللائحة. سنحافظ على رسالتنا في كل شبر من بقاعنا، في الشهادة اليومية، في الكد والتعب، سنزرع أرضنا ونحرثها ونحرسها. ستبقى مدارسنا منارة للعلم والثقافة والتربية على الأخلاق والقيم والمواطنية، وأديارنا ورعايانا ومؤسساتنا، ستبقى كلها مشرعة في خدمة الإنسان، كل إنسان وكل الإنسان، فهذه هي ذخيرتنا وخلاصة كنوزنا. سنشهد لإيماننا كل يوم، وسنحفظ وديعة الإيمان بكل ما أوتينا من طاقات ومواهب، وإذا تطلبت منّا رسالتنا أن نستشهد لأجلها فستكون كلنا “نقولا” وكلنا “غصيبة”، فما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه (يو 15: 13)، سيعود النازحون والمهجرون والمهاجرون إلى بيوتهم وقراهم، ستقوى الأيدي المسترخية، وستشد الركب الواهنة (أشعيا 35: 3 و عبرانيين 12: 12). وستكون أبرشية بعلبك – دير الأحمر، لا فقط نموذجا للبنان الرسالة والعيش الواحد، بل أيضا نموذجا للبنان النمو والتنمية والازدهار والقداسة. نشكر الله كل يوم لأنه أعطانا إياكم أبا وراعيا لكنيستنا والقطيع في هذه الأيام الصعبة، ونشكركم لأنكم لبيتم دعوتنا وقدمتم إلينا، فكأن السماء زارتنا”.
العظة
وبعد القداس ألقى البطريرك الراعي عظة، جاء فيها: “يطيب لي معكم أن نختتم هذه الزيارة الراعوية التي قمنا بها مع سيادة راعي الأبرشية وبعض من الحاضرين بدأناها في عيناتا، وننهيها اليوم في دير الاحمر العزيزة، وقد كرسنا فيها 3 مذابح وافتتحنا وباركنا بيت الكهنة في عيناتا ومركزا رسوليا في دير الأحمر”.
وأعرب عن تقديره لراعي الأبرشية المطران رحمة ومعاونيه من كهنة ورهبان ومؤمنين ومؤمنات “على كل ما أنجز، أشكره معكم على هذه النهضة الروحية والعمرانية والإنمائية التي حققها في هذه الأبرشية العزيزة، وبهذا أكمل ما بدأه سلفه أخي المطران سمعان والذين من قبله ممن خدموا الأبرشية، فكانت المداميك ترتفع شيئا فشيئا، ومع سيدنا حنا إرتفعت كثيرا، وذلك بفضل النعمة الالهية والمحسنين والمحبين. كما يسعدني أيضا أن أقدم معكم هذه الذبيحة الإلهية من أجل كل أبناء الرعايا التي زرناها الأحياء والموتى، المقيمين والمنتشرين ، الأصحاء والمرضى، الأطفال والشبيبة، لكي ينموا كلهم بالإيمان السليم. ونصلي أيضا معكم من أجل وطننا الحبيب لبنان ومن أجل شعبنا اللبناني لكي يصمد بالقيم والصلاة والإتكال على العناية الإلهية. الله لا يريد شعبا يتألم ولا يريد دولة تتفكك، ولكنه يريد أن يكون ممجدا بشعب يعيش حياة سعيدة، فمجد الله هو الإنسان الحي”.
وأضاف: “يسعدني أيضاً أن أهنئكم بعيد ميلاد أمنا وسيدتنا مريم العذراء التي هي لنا مثال وأم في أمر أساسي يعود إلى كلمة الرب يسوع، التي سمعناها في إنجيل اليوم عندما جاءت أمه وأقاربه، والاقارب في الإنجيل يسمون إخوة، جاء أحدهم يقول ليسوع وهو يعلم الكلمة، إن أمك وإخوتك خارجا يريدون أن يروك، فأجاب وقد نظر إلى الحاضرين وبخاصة إلى المؤمنين به وإلى تلاميذه، وقال: إن أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. بهذا الجواب حول يسوع الإنتباه عن الأمومة والأخوة الدموية الجسدية، إلى الأخوة الروحية التي تهبط علينا من السماء . وهي أمومة وأخوة تنشأ من سماع كلمة الله والعمل بها بأمانة. ويسوع قال مثل هذا الكلام في مكان آخر، عندما أتت إمرأة وقد أعجبت بكلامه الحي وقد صرخت من بين الجمع وقالت طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك. أما يسوع فقال شارحا سر مريم أمه، إن بني الطوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها، وهكذا شرح كل سر أمومة أمنا مريم العذراء. هذان الجوابان يأتيان في خط جوابه عندما قال ليوسف وأمه بعد أن أضاعاه ثلاثة أيام وهو بعمر 12 سنة ووجداه في الهيكل، فقال لهما كلاما شبيها: “علي أن أكون فيما هو لأبي وأن أكون في بيت أبي”، ففتح حياتهما من الأبوة الدموية الجسدية، التبني بالنسبة إلى يوسف، إلى الأبوة الروحية العميقة. وهو ببنوته لله الأب، هذه البنوة للأب الذي جعل كل إنسان إبناً له وإبنة له، هكذا إنطلق يسوع في رسالته العلنية ملتزما بإرادة أبيه السماوي ، ومعلما أن جميع الناس أبناء لله من أي دين ولون كانوا، كل الناس هم أبناء الله، وأخوة بعضهم البعض إذا قبلوا كلمة الله وعاشوها بالأفعال والتصرفات، هذه هي مصدر تلك القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية. لا يمكن أن يعيش الناس في عداوات وكيديات ، إنهم بذلك يرفضون إرادة الله الذي يريدهم إخوة وأخوات لبعضهم البعض”.
واعتبر أن “مريم هي في طليعة الذين سمعوا كلمة الله وحفظوها، حفظتها في قلبها وعملت بموجبها، هذه الكلمة التي سمعتها قبلتها أولا في قلبها، بالإيمان والرجاء والمحبة، فأضحت هذه الكلمة جنينا في حشاها بقوة الروح القدس، وهي بتول. ثم أصبحت مريم بأمومتها وببقائها على سماع كلمة الله وحفظها في القلب والعمل، بموجبها أصبحت تلميذة لإبنها معلم الكلمة، وكانت تقبلها بالطاعة الكاملة حتى الوصول إلى أقدام الصليب، فتحولت أمومتها شيئا فشيئا إلى أمومة روحية لجميع الناس”.
وتابع: “في عرس قانا الجليل راحت تسهر على حاجة العروسين فوجدت أنهما بحاجة إلى خمر، فطلبت من إبنها أن يتدخل. وفي ذروة آلام موته على الصليب، سلمها الأمومة الروحية لجميع البشر الممثلين بشخص يوحنا، عندما قال: “يا امرأة هذا ابنك، يا يوحنا هذه أمك”، يومها بشخص يوحنا كان كل إنسان حاضرا على مدى التاريخ. مريم وسيطة لنا عند ابنها يسوع كما كانت في عرس قانا الجليل، وساطتها من حنان قلبها من أجل أبنائها في حاجاتهم، وساطتها تنبع من فيض استحقاقات يسوع المسيح إبنها، إنها أمنا بالنعمة”.
ورأى أن “مريم صورة الكنيسة والتي هي أم وبتول، الكنيسة أم لأنها تلدنا بالكلمة والمعمودية، وتغذينا وتقدسنا بنعمة الأسرار المقدسة. والكنيسة بتول لأنها ترتبط بالمسيح عريسها بأمانة، مقدمة له ذاتها وطائعة له فهو رأس الكنيسة. أطاعت مريم كلمة الله وأرادتها ثقافة يومية، قبلتها يوم جاءها جبرائيل يحمل إليها الكلمة، فولدت الكلمة مسيحاً في العالم”.
وأردف: “أن الله يريد أن تكون مريم صورة عن كل نفس مؤمنة تلد المسيح في العالم، هكذا يعلم الآباء القديسون ليس فقط مريم، أجل مريم أعطت المسيح إبن الله الكلمة جسدا بشريا، لكن كل إنسان يقبل كلمة الله في الإيمان والرجاء والحب في قلبه هو أيضا يلد المسيح في العالم، ويقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني، كل نفس مؤمنة تلد في العالم المسيح بالإيمان والحب لئلا يبقى العالم عاقرا. هذه قيمة كل مؤمن ومؤمنة بأنه يواصل ميلاد يسوع في العالم فلا يكون العالم عاقراً. هذه هي الثقافة التي تعلمنا إياها مريم في عيد ميلادها”.
وختم الراعي: “نناجيها الليلة أمنا يا سيدتنا، سيدة المعونات، سيدة النجاة، يا أم الخلاص، علمينا أن نلجأ إليك في صعابنا وعلمينا أن نقبل منك الكلمة الإلهية بالإيمان والرجاء والمحبة، ونعطي المسيح الكلمة حضوراً في العالم، فلا نحن ولا العالم يكون عاقراً، بل يعطي المسيح كل يوم في المجتمعات. آمين”.
المطرانية
وانهى البطريرك الراعي جولته بتبريك الطابق الثاني في مطرانية دير الأحمر، وبحفل عشاء على شرفه مع الفاعليات الروحية والمدنية في باحة المطرانية.
=======
التعليقات