التخطي إلى المحتوى

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية تسجيل أول حالة إصابة بمرض الكوليرا في الخامس من أكتوبر الجاري، وذلك في محافظة عكار شمال البلاد، الحدودية مع سوريا، والتي تسجل منذ أكثر من شهر، تفشياً غير مسبوق لمرض الكوليرا في معظم محافظاتها. 

وهذه الحالة الأولى التي تسجل في البلاد منذ نحو 30 عاماً حيث سجلت الحالة الأخيرة في العام ١٩٩٣ وفق ما يؤكد وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض. 

ويأتي هذا التطور بعد تحذيرات صدرت عن منظمة الصحة العالمية من “تهديد خطير في سوريا والمنطقة” إثر تفشي وباء الكوليرا، وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا عمران رضا لرويترز أن “هذا أول تفش مؤكد للكوليرا في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن “الانتشار الجغرافي يثير القلق، لذا علينا التحرك سريعا”.

وينتج مرض الكوليرا عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو تناول مواد غذائية ملوثة، أو عبر الخضار المروية بمياه ملوثة، أو من شخص الى آخر عبر الأيدي الملوثة. 

وتمتد فترة حضانة المرض من يومين إلى 5 أيام. وتشمل العوارض إسهال مائي غزير وتقيؤ مما يشكل الخطر الأبرز للمرض المتمثل بجفاف الجسم نتيجة فقدانه لكمية كبيرة من السوائل، ما يؤدي إلى مضاعفات قد تصل إلى الوفاة في حال عدم المعالجة.

كان متوقعا

يذكر أن الحالة المسجلة هي لنازح سوري متوسط العمر في منطقة عكار، أكد أنه لم يكن في سوريا قبل إصابته، ويخضع حاليًا للمراقبة وحالته مستقرة، وفق ما أكد وزير الصحة في مؤتمر صحفي، الذي طمأن لكون فريق الترصد كان جاهزًا لإجراء الفحوص وتتبّع عائلته ومخالطيه وتحديد ما إذا كانت ثمة إصابات جديدة.

وأضاف كاشفاً أن “هناك حالات عدة مشكوك بها ويتم إجراء الفحوص اللازمة للتأكد منها، علمًا بأنه تم حصر هذه الحالات تحسبًا للعدوى”، موضحاً أنه تم تسجيل إصابتين بالكوليرا في تجمّع للنازحين السوريين في عكار، مرجحاً تسجيل حالات إضافية، “خصوصًا في ضوء العدد المرتفع للحالات المصابة في سوريا ووضع الحدود والتنقل”.

ولفت إلى أن “دخول الكوليرا إلى لبنان كان أمرًا مطروحًا بعد انتشار الوباء في سوريا وتسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة.” 

وتسجل سوريا تفشياً كبيراً لحالات الإصابة بالمرض مما تجاوز قدرات المجتمعات المحلية والمناطقية على احتوائه، وسط تضارب بالأرقام بين تلك المسجلة لدى المنظمات المدنية في المناطق وبين تلك المعلنة من ناحية وزارة الصحة التابعة للنظام السوري. 

“الكوليرا” يتفشى بسرعة في سوريا.. وإيقافه يتطلب “إمكانيات دول”

تتركز الإصابات في المناطق القريبة من نهر الفرات بسبب شرب الأشخاص مياه غير آمنة

خطة للاستجابة

وعقد وزير الصحة اللبناني اجتماعاً تنسيقياً حضره ممثلون عن منظمات دولية وعن نقابتي الأطباء ونقابة التمريض والجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية، إضافة إلى ممثلي وزارة الطاقة والمياه ووحدة إدارة الكوارث في مجلس الوزراء والصليب الأحمر. 

وتم عرض خطة وزارة الصحة للجهوزية والاستجابة للكوليرا، والتي أُعدت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسف وبالتوافق مع كافة الشركاء المعنيين بالرعاية الصحية، وتشمل الخطة:

– تعزيز تقصي الحالات عبر زيارات ميدانية للمناطق اللبنانية كافة ولا سيما المناطق التي من المرجح أن ترتفع فيها أعداد الحالات بالتنسيق مع وزارة الطاقة والمياه للكشف على مصادر المياه وشبكات الصرف الصحي وإجراء الفحوص الجرثومية المطلوبية.

 –  إصدار تعاميم للمستشفيات والمراكز الصحية والعاملين الصحيين لضرورة إبلاغ الوزارة بأي حالة مصابة أو موضع شك بالإصابة.

– تأمين مخزون أولي من الأمصال والأدوية المطلوبة لمعالجة الإصابات.

–   تفعيل مختبرات فحص المياه في 8 مستشفيات ومختبرات كمرحلة أولى إفساحًا في المجال لإنجاز الفحوص ليس فقط في العاصمة بيروت بل في مختلف المناطق اللبنانية، وكذلك بالنسبة إلى تأمين الفحوص لتحديد الحالات لضمان حصول تشخيص سريع.

 – تجهيز لمستشفيات ومراكز عزل للتأكد من حصر الوباء.

– التعاون مع نقابات الأطباء والممرضين والجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية لتأمين دورات تدريبية للعاملين الصحيين حول المعالجات تحسبًا لاحتمال ارتفاع عدد الإصابات.

– تشكيل خلية أزمة بالتنسيق مع الوزارات المعنية ولا سيما الطاقة والمياه والداخلية والبلديات والبيئة والشركاء الدوليين من أجل العمل على توفير مصادر مياه سليمة ومراقبة الصرف الصحي والمضي قدمًا بالإجراءات التي يتم اتخاذها والمتعلقة بالتأكد من جودة المياه وسلامتها.

-متابعة لجنة الأمراض المعدية في وزارة الصحة العامة اجتماعاتها الدورية لمراقبة تطور الحالات”.

كما وضعت الوزارة خطاً هاتفياً ساخناً بتصرف المواطنين (1787) لأي استفسار ممكن وفي حال كان هناك شك بحالة معينة.

مخاوف وطمأنة

وطمأن وزير الصحة اللبناني إلى أن لدى لبنان “مخزونًا من الأدوية لعدد كبير من المرضى، كما أن منظمة الصحة العالمية تحتفظ بمخزون كبير لديها ويمكنها تقديم الدعم السريع للبنان في حال احتاج إلى المزيد من الأدوية. أما موضوع اللقاح فقد بدأ البحث فيه مع منظمة الصحة العالمية وسيتم اتخاذ قرار بمنحه بناء على أمور تقنية وعلمية ووضع الحالات التي يتم تسجيلها”.

وأوضح الأبيض أن” 80 في المئة من حالات الكوليرا لا تحتاج إلى استشفاء ومن الممكن أن يبقى المريض في منزله، ولكن من المهم جدا أن تبقى الحالة محصورة كي لا تحصل عدوى لأن الكوليرا سهل الانتقال حيث سيتم التنسيق في هذا المجال مع البلديات. أما الحالات الأخرى التي تستدعي استشفاء وتبلغ نسبتها حوالى عشرين في المئة فسيتم استقبالها في تسع مستشفيات يتم تجهيزها لذلك”.

ودعا المواطنين إلى “متابعة التزام الوقاية وفق ما تعلنه وزارة الصحة العامة مؤكدا اعتماد الشفافية المطلقة في الإعلان عن المعلومات، مشددًا على ضرورة توفير المياه السليمة للناس والصرف الصحي الجيد مشيرًا إلى مشروع يتم تحضيره في وزارة الطاقة والمياه لتفعيل محطات ضخ المياه وزيادة ساعات التغذية”. 

إلا أن المخاوف من انتشار الكوليرا لا يقتصر على الاستعداد الصحي للتعامل في لبنان، وإنما تكمن المخاطر أيضاً في الحالة التي وصلت إليها البلاد نتيجة أزمتها الاقتصادية الحادة المستمرة على مدى ٣ سنوات والمنعكسة على كافة جوانب الحياة بما في ذلك أمن البلاد الغذائي وسلامة الغذاء إضافة إلى الجانب البيئي والصحي، فضلاً عن تهالك البنى التحتية الخاصة بالمياه وانقطاعها عن معظم مناطق البلاد نتيجة انقطاع الكهرباء المستمر. 

كل ذلك يمثل عوامل مساعدة لانتشار الكوليراً لاسيما مع تضاؤل قدرة المواطنين على الوصول إلى مياه نظيفة للاستخدام فيما بات الاعتماد على مياه شرب المعبأة مسبقاً أمراً ليس بمتناول الجميع في بلاد يواجه 80 في المئة من سكانه فقراً متعدد الأوجه فيما نصفهم يعيش على خط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة. 

ويعاني لبنان أيضاً من مشاكل تلوث تاريخي في مصادر المياه لديه، إضافة إلى أزمة نفايات قديمة، فضلاً عن أزمة صرف صحي تزداد حدة مع انقطاع الكهرباء عن كثير من محطات تكرير الصرف الصحي، فضلاً عن تلوث أنهار رئيسية في البلاد يعتمد عليها المزارعون لري مزروعاتهم، كما هي الحال مع نهر الليطاني، وهو ما يمثل بيئة مثالية لانتشار الكوليرا، وغيرها من أمراض الجهاز الهضمي وحالات التسمم التي انتشرت بكثافة في العامين الماضيين. 

كذلك يسجل مخاوف من عدم وجود رقابة فعلية على عمليات إدخال وتهريب الخضار والفاكهة والمواد الغذائية من سوريا عبر الحدود البرية التي لا تزال الدولة اللبنانية عاجزة عن ضبطها تماماً، فضلاً عن عمليات الدخول والخروج الشرعية وغير الشرعية بين سوريا ولبنان الذي يضم عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين بفعل الحرب، ما قد ينذر بمزيد من انتقال العدوى. 

توصيات وقائية 

وأصدرت وزارة الصحة اللبنانية توصيات للمواطنين والمقيمين بضرورة اعتماد الأساليب التالية للوقاية من الكوليرا:
 
– عدم شرب أو استعمال مياه غير مأمونة و ينصح بشرب المياه من قوارير مياه معبأة مقفلة مضمونة المصدر.
 
– عدم الشرب و الأكل من الأواني نفسها مع الآخرين.
 
– غسل اليدين بالماء والصابون على نحو منتظم قبل تحضير الأطعمة أو تناولها، وبعد استعمال المرحاض.
 
– الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة الأغذية.
 
– طهي الطعام بشكل جيد جداً و تناوله مباشرة بعد طهيه.
 
– مراجعة الطبيب فوراً في حال ظهور اسهال مائي غزير.