أكّد رئيس الجمهوريّة ميشال عون، أنّه بدأ بإرسال أغراضه الخاصة تباعا الى منزله في الرابية، “الذي سأنتقل اليه عند الثانية عشرة منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل، لا دقيقة أقل ولا دقيقة اكثر”، مشيرًا إلى أنّ “منعاً للاستنتاجات الخبيثة والأحكام المسبقة التي يَستسهلها البعض، فإنّ هذا المنزل بنيته على مراحل بين عام 2015 و2019”.
وعمّا إذا يمكن أن يسلم صلاحياته الى حكومة تصريف الأعمال، إذا تعثر انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الجديدة، لفت في حديث إلى صحيفة “الجمهورية”، إلى أن “مثل هذه الحكومة غير مؤهلة لتسلّم صلاحياتي بعد انتهاء ولايتي، وانا اعتبر انها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية، ولذلك ما لم يُنتخب رئيس للجمهورية أو تتألف حكومة قبل 31 تشرين الأول المقبل، وإذا أصرّوا على ان “يزركوني”، فإنّ هناك علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية، وبالقرار الذي سأتخذه عندها”.
وأبدى الرئيس عون ارتيابه في أسباب عدم تشكيل حكومة أصيلة حتى الآن، كاشفا أنّ “لديّ شعورا بأن العرقلة متعمّدة، لكي يضع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ومن معه وخلفه، ايديهم على البلد عبر حكومة تصريف أعمال، لا تتوافر فيها شروط الحلول مكان رئيس الجمهورية. واذا نشأ مثل هذا الوضع النافر، فأنا لن أرضخ له وسأواجهه”.
وحذّر من أنّهم “يعبثون بالتوازنات الدقيقة التي تميز هذا البلد، وكأنه لا يكفي ما فعلوه خلال العهد، حتى يريدون اللحاق بي الى منزلي واستكمال الحرب ضدي، لكنني لن اسمح بفرض الأمر الواقع علي، سواء كنت في بعبدا ام في الرابية”، معلنا “أنّني جاهز للتعاون من أجل تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، وانا صاحب المصلحة الأكبر في ولادتها لأنني اريد ان أطمئِن الى انّ الفراغ، اذا وقع، سيُملأ بالطريقة المناسبة، انما لا أقبل أيضاً بأي حكومة كانت، لأنه ربما تنتظرها تحديات ومسؤوليات جسام، يجب أن تمتلك القدرة والتغطية اللازمتين للتصدي لها”.
في هذا الإطار، شدد عون على “أهمية ضم 6 وزراء دولة سياسيين الى الحكومة الحالية، حتى تكتسب حصانة سياسية هي ضرورية جداً لمواجهة احتمال الشغور، لأن حكومة التكنوقراط الصافية كما هي الآن، غير قادرة على تولّي مهمات رئيس الجمهورية”. وفسّر أنّ “حكومة التكنوقراط لم تكن منتجة اساسا كما كنا نتمنى، ووزراءها ليسوا مهيئين لتأدية الدور السياسي الذي قد يُفرض عليهم كورثة لصلاحيات رئاسة الجمهورية، ولذا اقترحت تعيين 6 وزراء دولة يمثّلون الطوائف والقوى الاساسية ويحققون التوازن الوطني في صنع القرارات”.
وتساءل: “أين المشكلة في هذا الطرح، خصوصاً ان الحكومة يجب أن تعكس أيضا نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة؟ علماً انّ تأليف حكومة يوجد فيها وزراء سياسيون يعتبر امرا مألوفا في الحياة السياسية اللبنانية”. وعن موقفه من خيار تعويم الحكومة الحالية كما هي، كرّر “أنني أخشى من عدم قدرتها على مواجهة المرحلة المقبلة بكل استحقاقاتها، أما التعويم المرفق بالتطعيم فهو الأفضل”.
كما ذكر أنّ “أكثر ما أضحكني في الفترة الأخيرة، أن بعض “الفطاحل” استنتجوا انني اريد من خلال اقتراحي بتوسيع الحكومة الحصول على الثلث المعطل، ما يعكس جهلهم بأنّ الحكومة التي تمارس صلاحيات الرئيس لا حاجة لها الى مثل هذا الثلث أصلاً، لأنّ كل وزير هو في حد ذاته ثلث معطّل كما حصل في حكومة تمام سلام، إضافة إلى ان وزراء الدولة سيتوزّعون على الطوائف والقوى الاساسية ولن يكون لي تمثيل اكبر من غيري”.
وأوضح عون أن “ميقاتي كان قد وافق على الصيغة التي تقضي بتعيين ستة وزراء دولة جدد، الى جانب تغيير اسمَي وزيري الاقتصاد والمهجرين في التركيبة الحالية، مع مراعاة ان يكون البديل السني من منطقة عكار وان لا يستفزّ البديل الدرزي رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وانا كنت موافقاً على هذا المعيار”.
وبيّن “أنّني فيما كنت ارتاح في جناح السكن داخل القصر، وصل في إحدى الليالي على عجل صديق مشترك ناقلاً إلي قرار ميقاتي بقبول الصيغة الموسعة، فخلدت الى النوم مُستبشرا بالخير ومتفائلاً بقرب الولادة المنتظرة، قبل أن أتفاجأ لاحقاً بأن ميقاتي عدل عن رأيه وسحب موافقته بعد تواصله مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي عاد وجاهَر برفضه وزراء الدولة الستة في خطاب ذكرى تغييب الامام موسى الصدر”.
ورأى أنّ “فرصة تشكيل حكومة جديدة لا تزال متوافرة، وانا أدعو ميقاتي الى التقاطها والتعامل معها بجدية، لا ان يأتي لزيارتي بضعة دقائق “وبعدين بيحمل حالو وبيمشي…”. ولفت إلى أنّ “المطلوب من ميقاتي أيضا إقناع بري بالتجاوب مع إقرار مراسيم ترقية الضباط من رتبة عميد، وتعيين عمداء كليات الجامعة اللبنانية، وكذلك تسهيل تعيين هيئة رؤساء التمييز لاعادة إطلاق التحقيق في جريمة انفجار المرفأ المجمّد منذ اكثر من ثمانية اشهر، وغيرها من الأمور العالقة التي يجري تعطيلها عن سابق تصور وتصميم نكاية بي، في حين انّ البلد هو من يدفع الثمن”.
إلى ذلك، أشار رئيس الجمهورية إلى أنّ “اللافت هو ان معظم هذه المراسيم جمّدها وزير المال خلافا للدستور والقوانين، ويقال ان هذا التجميد تم بناء على طلب من بري”، مؤكّدًا “أنّه عانى من تكتل جهات داخلية وخارجية ضده خلال ولايته لمنعه من النجاح”.
وكشف أنّ “ميقاتي قد صارحني مرة، قبل أن يصبح أقرب إلى بري، بـ”انهم لا يريدون لك ان تُنجِز”، ومع ذلك استطعت ان انتزع إنجازات عدة من اصدار مراسيم النفط والغاز، الى إقرار قانون الانتخاب على اساس النسبية، مروراً بطرد التكفيريين والارهابيين وتثبيت الاستقرار الامني وحماية السلم الاهلي الذي هو أغلى ما نملك، وإطلاق مسار التدقيق الجنائي على رغم كل العراقيل المفتعلة التي اعترضته؛ اضافة الى الانتظام المالي من خلال اقرار الموازنة لاول مرة بعد 12 عاما”.
وشدّد على “أنّني عندما بدأت بمحاربة الفساد، اجتمعَ ضدي مسؤولون وسياسيون وبعض الإعلام، وشنّوا علي حربا شعواء استخدموا فيها، ولا يزالون، كل أنواع الأسلحة، ولعلّ مثال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الأبلغ تعبيرا عن هذه الحقيقة، إذ ما إن ضاق حبل الملاحقات القضائية حول عنقه حتى هبّوا لنجدته وحمايته، وكأنهم يخافون افتضاح امرهم اذا ذهب إلى التحقيق. والمؤسف ان القضاء خضع لضغوط بعض المسؤولين والسياسيين الكبار، وجَمّد كل الاجراءات التي يجب اتباعها في هذه القضية”.
كما حذّر الرئيس عون من أنه “ما لم تتفكك هذه المنظومة التي تحترف الفساد منذ التسعينيات وتتوزع الادوار، فهي ستأخذ اللبنانيين الى قعر الهاوية اكثر فاكثر”، داعياً إيّاهم الى “تصويب غضبهم في اتجاه مَن تسبّب بإفقارهم نتيجة الاقتصاد الريعي وسياسة الاستدانة والصفقات المشبوهة والفساد المتراكم، وليس في اتجاه من واجه كل هذه الارتكابات”.
ووجد أنّ “تجربته الرئاسية أثبتت انّ نظام الرؤوس الثلاثة ليس صالحا للحكم، لأنّ كلّاً منها يستطيع أن يعطل او يعرقل الآخر”، شارحًا أنّه “بما ان هذا النظام اثبت فشله وبما ان العودة إلى حكم الرأس الواحد غير واردة، فإنّ الحل الوحيد المتبقّي يكمن في اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة، وهذا ما ورد في “اتفاق الطائف” الذي يدعونا البعض الى التزامه، في حين انهم يريدون من هذا الاتفاق ما يناسبهم ويتجاهلون ما لا يناسبهم”.
وأعرب عن استغرابه “كيف ان مجلس النواب لم يقر بعد القوانين الإصلاحية الملحةَ التي يطلبها صندوق النقد الدولي، على رغم من ان رئيس المجلس كان قد أكد أنه سيجري البت بها في شهر آب الماضي، قبل أن تصبح الاولوية لانتخابات الرئاسة، الا اذا كان يُراد عدم إبرام الاتفاق النهائي في عهدي”. وتساءل ضاحكا: “ألم يصرّح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنني لست قوياً بل أضعف رئيس جمهورية، فلماذا يخافون مني ويتكتّلون لمواجهتي بهذا الشكل؟”.
وعن تعليقه على الهجوم العنيف الذي شنه ضده جعجع، أجاب بأن “القيمة الكبرى لا ترد على القيمة الصغرى، لئلا تفقد وزنها”. وتابع: “على كلٍ، هذا لم يكن خطابا بل مجموعة شتائم، ولعل أبلغ تعليق عليها يتمثّل في قول مأثور من “روائع الحِكم” وَرَد فيه: “ليس كل من يُطلق عليهم رجال هم رجال، فكلمة الطير تجمع بين الصقر والدجاجة”.
أما بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي الذي بدأ عده التنازلي في 1 أيلول، فركّز عون على “وجوب إتمام عملية الانتخاب ضمن المهلة الدستورية، لكن وللأسف يبدو أن هناك ارادة خارجية تدفع البعض نحو التأجيل لأنّ “قالب” صنع الرئيس ليس جاهزاً بعد”.
وعن المواصفات يجب أن يتحلى بها الرئيس المقبل للجمهورية، اعتبر أن “المهم هو ان يكون ملمّاً بالدستور والقوانين وملتزما بتطبيقها، حتى لو كان ذلك مزعجا لشركائه في السلطة”، مبيّنًا أنّه “لو كانت هناك هيئة فاحصة يمر أمامها المرشح الرئاسي، لكان ينبغي أن يخضع بالدرجة الأولى الى اختبار معرفة نصوص الدستور، لأنه حجر الأساس الذي يبنى عليه كل شيء”.
وعمّا إذا كان هناك من اسم يجول في خاطره، أفاد بأنه “لا يجد ببن معظم اسماء السياسيين المتداولة للرئاسة حتى الآن، من يستحق ان يدعمه”، لافتا الى انّ “رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل غير مرشح، والآخرون لا تتوافر فيهم الشروط الضرورية لتولي المنصب”.
أمّا عما اذا كانت الزيارة المرتقبة للموفد الأميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت هذا الأسبوع، ستكون الحاسمة، فأوضح عون انها “ليست بالضرورة كذلك ولكنها على الارجح ستمهّد للحسم”، كاشفًا أن “معظم النقاط التي طرحها لبنان باتت مقبولة من الجانب الاسرائيلي، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن الأمور الاساسية أصبحت شبه منجزة، الا ان ذلك لا يمنع انّ علينا الانتظار الى حين إبرام الاتفاق النهائي، انطلاقا من قاعدة “يخلق الله ما لا تعلمون”.
وأعلن أنّ “حقل قانا سيكون للبنان كاملاً، مع تأكيد حقنا في الاستخراج من الجهة الملاصقة له على المقلب الاسرائيلي، وهذا إنجاز كبير يفوق ما تم تحصيله قبلاً”. وعمّا إذا كان الشغور الرئاسي اذا حصل، يمكن أن يهدّد مصير الاتفاق بملف ترسيم الحدود البحرية، ما لم تكتمل فصوله قبل انتهاء الولاية، لا يخفي جدية هذا الاحتمال، لافتًا إلى أن “على الجانب الإسرائيلي ان يأخذه في الحسبان وان يتصرف بمقتضاه، مع ما يستوجبه ذلك من التعجيل في التوقيع قبل انتهاء ولايتي الرئاسية”.
إضافة إلى ذلك، استبعد “اندلاع الحرب ليس فقط على الجبهة اللبنانية وإنما في المنطقة أيضا”، واضعاً التهديدات المتبادلة في سياق “تحسين شروط التفاوض”. وأقرّ بأن “تحرّك المقاومة ساهم في إعطاء المفاوضات غير المباشرة قوة دفع الى الامام”. وبالنسبة للعلاقة مع “حزب الله”، رأى أنّه “جرى تدفيع العهد ثمن هذه العلاقة التي وُجدت لمصلحة لبنان، وكذلك عوقِب باسيل اميركياً بسبب تحالفه مع الحزب، ونحن لسنا نادمين لأنّ ما فعلناه كان وليد اقتناع”.
وأردف رئيس الجمهورية بشيء من الحدة: “إنّ “حزب الله” هو مكوّن من مكونات الشعب اللبناني، ونحن نعيش وإياه على أرض واحدة وسنبقى معاً فوقها، وليس مع الاسرائيلي او الأميركي او غيرهما. وبالتالي، فإن البديهية الوطنية والاخلاقية البعيدة من اي حسابات سياسية او مصلحية، تستوجِب منّا تلقائيا ان نقف الى جانب شريكنا في الأرض والانتماء عند اي تهديد يتعرض له، كما فعلنا خلال حرب تموز؛ فعلى ماذا يلومنا بعض الهواة والمراهقين في مقاربتهم الشأن الوطني؟”.
وعمّا إذا سيعاود اتخاذ الموقف نفسه، في حال تكررت الحرب لأي سبب كان، قال جازما: “نعم، ستجدني في الموقع نفسه لأن الموقف المبدئي- الوطني هو ثابت ولا يتغير مع الظروف والسنوات، لكن أسجّل عدم دعم الحزب لي كما كنت آمل في بعض الطروحات الاساسية، لا سيما في موضوعَي الكهرباء ومكافحة الفساد، وأنا لا أتفهّم اسباب هذا الموقف وإن كنت أعرفها”.
وعن مرحلة ما بعد العودة المفترضة إلى الرابية، والدور الذي سيؤديه عون عقب الرئاسة، أوضح عون “أنّني سأكون الرئيس الفخري لـ”التيار الوطني الحر”، الذي سأضع عصارة تجربتي في تصرفه، أما الادارة المباشرة للتيار فستظل تحت قيادة جبران، لأنه “مكفّي وموفّي”، من دون أن يمنع ذلك انني مستعد لإعطاء اي نصيحة او مشورة اذا طُلبت مني”.
ونوّه “أنّني سأبقى على تماس مع القضايا الوطنية، وبيتي في الرابية سيكون مفتوحا للجميع، ومن يظن انني سأنتهي عقب مغادرتي قصر بعبدا، سأخيّب أمله كما خاب حين خرجتُ من بعبدا عام 1990 وظنّوا آنذاك انهم تخلصوا مني، ليتبيّن لهم بعد حين انني خرجت من القصر لأعود الى الجغرافيا والتاريخ”.
التعليقات