التخطي إلى المحتوى

معالي مريم المهيري *

يواجه عالمنا ظواهر مناخية طارئة. والملاحظ أن التأثيرات السلبية للتغير المناخي تطال الجميع من دون تفريق وتلقي بظلالها القاتمة والهائلة على موارد البيئة وتنوعها البيولوجي، والمحيطات، والتربة والأراضي، والأمن الغذائي والمائي، والصحة العامة، والأمن البيولوجي حول العالم.
وللأسف، ما تزال وتيرة الحراك العالمي لتحقيق أهداف اتفاقية باريس وخفض الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، أو يُفضّل 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وتحقيق الحياد المناخي بحلول منتصف القرن، غير متكافئة مع وتيرة تفاقم حدة التغير المناخي وتداعياته.
وعلى ضوء هذه المعادلة الصعبة، تشتد الحاجة حالياً إلى التزامات مناخية أكثر فاعلية. ومع أخذ تلك الحاجة الملحة في عين الاعتبار، أثمرت الدورة السادسة والعشرون من مؤتمر الأطراف (COP26) عن ميثاق غلاسكو للمناخ الذي دعا الدول الأعضاء إلى «إعادة النظر والارتقاء» بطموح مساهماتها المحددة وطنياً لعام 2030 بحلول نهاية عام 2022.
كعادتها وبفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة، والتزامها الطوعي الراسخ تجاه العمل المناخي، جاءت دولة الإمارات في مقدمة المبادرين. حيث أصبحنا إحدى الدول القليلة التي حدّثت مساهمتها المحددة وطنياً رافعةً طموحها لإضافة أهداف أعلى. فمن خلال مساهمتنا الثانية المحدثة، نرفع هدفنا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن منظومة الاقتصاد بأكملها إلى 31%، مقارنةً بـ 23.5 بالمئة في مساهمتنا الثانية الأصلية.
يدعم هدفنا الجديد أهداف مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، التي أطلقناها قبل عام تمهيداً لتحول الإمارات إلى دولة محايدة مناخياً بحلول منتصف القرن.
وتتطلب تلبية الأهداف الجديدة التعاون معاً وإظهار وحدة قوية أمام الأزمة المناخية الوشيكة. ويجب على كل القطاعات تأدية أدوار متميزة لوضع بلدنا على مسار نمو منخفض الكربون، يمكن عبره للناس والبيئة الازدهار بشكل متوازٍ.
وتشجيعاً لشركائنا على اتخاذ تلك الخطوة والمشاركة بنشاط في جهودنا لإزالة الكربون، أطلقنا «تعهد الشركات المسؤولة مناخياً» في دولة الإمارات، والذي يشكل نواة للتعاون المستقبلي بين القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والدولية لتحقيق خططها الرامية إلى بلوغ الحياد المناخي.
بناءً على ما سبق، أدعو كافة مؤسسات القطاع الخاص إلى إظهار اهتمامها بتأثيرها على مناخنا، وإبداء استعدادها ورغبتها في ترجمة التزاماتها إلى أفعال عبر توقيع تعهد الشركات المسؤولة مناخياً في دولة الإمارات.
كما تؤكد مساهمتنا المحددة وطنياً الثانية المحدثة على أهمية التفاعل مع النساء والشباب والفئات الأكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي. ويجب دمج أصوات تلك الشرائح المجتمعية، التي تواجه خطر أزمة المناخ على الخطوط الأمامية، ضمن مقاربة شاملة للجميع لتطوير السياسات والبرامج التي تعزز الحياة الذكية مناخياً كوسيلة لبناء مستقبل أكثر استدامة.
نحن ملتزمون برفع مستوى طموحاتنا تدريجياً كل عام مع توفر الحلول والمبادرات الجديدة. وفي ظل جهودنا لتنفيذ مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، نعمل كذلك على تطوير استراتيجية بعيدة المدى لإثراء هدف أعلى لخفض الانبعاثات على مستوى الاقتصاد، وتحسين جهود التكيف مع التغير المناخي. ستضاف تلك الاستراتيجية إلى مساهمتنا المحددة وطنياً المقبلة.
لا تزال أمامنا فرصة لتجنب تفاقم إشكاليات تغير المناخي، وبناء مستقبل مستدام. وتتمثل أكبر آمالنا لدرء التهديدات المحدقة بعالمنا في تكثيف التزاماتنا المناخية والعمل على معالجة التحديات التي يخلقها هذا التغير.
لكن تحقيق ذلك يتطلب التعاون بين الجميع، حيث تتطلب الطبيعة الطارئة للوضع القائم تنفيذ الحلول على مستوى الحكومة وعبر مختلف القطاعات والمجتمعات.
بالتوازي مع ذلك، يتعين على الآباء والأمهات تثقيف أطفالهم حول السلوكيات المستدامة الصديقة للبيئة، وأن يكونوا قدوة يحتذي الأطفال بها، ويجب على وسائل الإعلام التركيز على الموضوع والترويج لأسلوب الحياة المستدام. كما يجب على الأكاديميين تحفيز العقول اللامعة على تطوير حلول مبتكرة، ويجب على صانعي القرار في القطاع الخاص اعتماد تدابير للتخفيف من التغير المناخي والتكيف معه في عمليات مؤسساتهم.
لا بد أن يكون العمل المناخي محط اهتمام لدى الجميع. وفي الوقت الذي تؤدي الحكومة دورها وتعمل على رفع طموحات الدولة المناخية، علينا جميعاً الاستجابة بشكل منسق للمساعدة على بناء المستقبل المزدهر والآمن والمستدام مناخياً الذي تتطلع إليه أجيالنا الشابة وتستحقه.

 وزيرة التغير المناخي والبيئة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *