حسونة الطيب (أبوظبي)
من المتوقع أن تسجل المملكة العربية السعودية حضوراً قوياً ضمن أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، خلال العام الجاري، في الوقت الذي تسهم فيه إصلاحات الأعمال وارتفاع أسعار النفط وقوة الإنتاج، في التعافي من الركود الذي لحق باقتصادات العالم جراء فيروس كورونا، ليحقق الناتج المحلي الإجمالي، نمواً قدره 7.6 %، مسجلاً أعلى معدل له منذ ما يقارب 10 سنوات، بحسب التقرير الاستشاري للمادة 4 الصادر من صندوق النقد الدولي. وبصرف النظر عن ارتفاع أسعار السلع، يبقى التضخم رهن السيطرة عند 2.8 % خلال عام 2022، في الوقت الذي يشدد فيه البنك المركزي للمملكة سياساته التي تتماشى مع سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وتعزز زيادة العائدات غير النفطية وارتفاع إيرادات صادرات النفط، وضع المالية العامة.
وبالرقابة اللصيقة للبنك المركزي، يظل القطاع المالي السعودي، في نمو مستمر وبعيداً عن المخاطر. وربما لا يكون لزيادة أسعار الفائدة، تأثير كبير على اقتصاد المملكة، في بيئة تتسم بارتفاع أسعار النفط وقوة السيولة. ومن الضروري استمرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي بوصفه صندوق الثروة السيادية للبلاد، في التركيز على تحقيق إيرادات عالية وإشراك القطاع الخاص، بما في ذلك المشروعات الضخمة.
ويساعد الاستمرار في تطبيق سياسات رؤية 2030، في تحرير الاقتصاد وتنويع مصادره، ما يعني تمهيد الطريق للمزيد من الاستقرار في النمو، وتخطو المملكة بثبات نحو تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن توفير فرص العمل في القطاع الخاص.
وتسهم مثل هذه المبادرات، مصحوبة بالحوكمة وتحسين سوق العمل، في تسهيل ممارسة الأعمال التجارية «3 دقائق فقط لإنشاء نشاط تجاري جديد»، وزيادة المرافق الصناعية، بجانب زيادة حصة مشاركة المرأة في القوة العاملة، بحسب التقرير.
وبالإضافة لإلغاء القيود الرسمية والتشريعات التي تؤكد المساواة في فرص العمل، استفادت مشاركة القوة العاملة النسائية، من المساعدات التي تصل لنحو 80% من تكلفة سيارات الأجرة، كمحفز لتشغيل النساء. ونتيجة لذلك، ارتفعت مشاركة المرأة السعودية في العمل، بنسبة قدرها 33% في غضون السنوات الـ 4 الماضية، متجاوزة النسبة التي تستهدفها رؤية 2030 عند 30%، ومتوسط نسبة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لا تتعدى سوى 27% فقط، وفقاً لتقرير الصندوق. صوبفضل استخدام التقنيات الرقمية، من المرجح ارتفاع معدلات الإنتاج، في ظل توفير العمالة الشابة التي لا تعوزها الخبرة والدراية باستخدام هذه التقنيات. وانتعشت التقنية الرقمية، أثناء انتشار وباء «كوفيد 19»، بما في ذلك، الخدمات الصحية عبر شبكة الإنترنت والمحاكم الافتراضية والتعليم عن بُعد والمنصة الرقمية (اعتماد) لتقديم الخدمات المالية. تتسم النظرة المستقبلية للاقتصاد السعودي، بالقوة والاستدامة وسرعة النمو في كافة القطاعات الخاصة منها والعامة.
وتعتمد المحافظة على ازدهار ونمو المملكة، بشكل أساسي، على الحفاظ على زخم الإصلاحات التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي. وبفضل الطفرة الكبيرة في معدلات الرهن العقاري، من المنتظر أن يسهم قطاع الإنشاءات، بنسبة مقدرة في مسيرة نمو المملكة.
ومن المتوقع، بلوغ فائض الميزانية خلال هذا عام 2022، نسبة قدرها 5.5%، مدعوماً بعمليات التطوير، التي شهدتها البلاد خلال الفصلين الأول والثاني، بجانب ارتفاع أسعار النفط واستمرار زيادة الإيرادات غير النفطية. وبتطبيق رؤية 2030، تراجعت حصة النفط المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20%، وكذلك في تحصيل الإيرادات العامة والصادرات، وفقاً لرئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة العربية السعودية أمين معاطي.
ويقول معاطي: «كنا نتوقع أن تناهز نسبة التضخم 2.8% خلال العام الحالي 2022، لكنها لم تتعد حاجز 2.3% في الوقت الحالي، ما يجعل تأثيره رهن السيطرة».
وعلى صعيد السياحة، أصبح القطاع يلعب دوراً مهماً في اقتصاد المملكة، حيث من المنتظر أن يسهم بحصة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، بنمو متوقع أكثر من 5%. وتقوم المملكة في الوقت الحالي، بإطلاق العديد من الفعاليات مثل، مهرجان موسم الرياض، فضلاً عن المساهمة الفعالة لموسم الحج والعمرة، خاصة بعد رفع القيود التي كانت مفروضة بسبب جائحة «كورونا».
من المرجح استمرار التطورات على صعيد الاقتصاد غير النفطي، بما في ذلك الاستثمارات قيد التخطيط، ما يبشر باستمرار هذا التأثير الإيجابي الذي تشهده البلاد في هذا العام، أيضاً في عام 2023، حسبما جاء في تقرير الصندوق.
فيما يتعلق بالطاقة الخضراء، يضيف معاطي بقوله «إن هناك برنامجاً متكاملاً تعده الحكومة للوصول لنسبة 50% بحلول عام 2030، حيث تقدر سعة الطاقة الخضراء الحالية، بنحو 700 ميجاواط، أي ما يعادل 1% من جملة الطاقة المستهلكة في المملكة. ويتطلب القطاع، استثمارات تتراوح بين 50 و100 مليار دولار لبلوغ السعة المستهدفة. وتطلق المملكة، حملة ترمي لزراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، ما يحد من تأثير التغير المناخي ويحقق أهداف اتفاقية باريس في خفض درجة الحرارة».
تسهم القطاعات كافة في الدفع بعجلة الاقتصاد السعودي، مثل التجزئة والصناعة التحويلية والخدمات والسياحة والإنشاءات والزراعة والمشتقات وغيرها، بجانب إعداد البنية التحتية الملائمة التي تتطلبها هذه القطاعات.
التعليقات