لا يعرف اللبنانيّ اليوم ماذا يجب أن يفعل ولا أيّ حلول عليه أن يبتكر لتخفيف بعض المدفوعات عن كاهله المثقل أساساً بالديون والمستحقات المعيشيّة، في ظلّ الحصار “المافيوي” المفروض عليه.
وعند ذكر الكارتيلات، لا بدّ من التوقف أمام تلك الخاصّة بالمولدات التي تنهش جيوب المواطنين وتُسعّر على هواها، ضاربةً عرض الحائط بقرارات وزارة الطاقة والقوانين المنصوص عليها، لتخوّل نفسها رسمياً اليوم تقاضي التسعيرة بالـ”فريش” دولار، تحت شعار “اللي مش عاجبو يركّب طاقة شمسيّة… بدنا نسترزق!”.
مافيا المولّدات تضرب مجدّداً: الدفع بالـ”فريش” أو “دبّر راسك!”
بشارة قاصوف، متزوج ويعيش مع عائلته في منطقة بعبدا منذ نحو 7 سنوات حيث يدفع ثلاث فواتير كهرباء، الأولى فاتورة الدولة الرسمية، الثانية فاتورة اشتراك المولد، والثالثة فاتورة مولد المبنى. والصدمة الكبرى كانت السبت عندما أرسل له صاحب المولد الخاصّ رسالة عبر “واتساب” زفّ له من خلالها الخبر السار، حيث قال حرفياً: “ابتداءً من 192022 الدفع بالفريش دولار في مهلة أقصاها 5 أيّام على أساس سعر صرف 32 ألفاً، وفي حال التخلّف أو التأخر في الدفع سنقطع الاشتراك عنكم”.
“أمي تعيش معنا وهي تعاني من مشكل تنفسيّة ممّا يُحتم وضعها لجهاز التنفس مرتين في اليوم على الأقل”، يقول قاصوف في حديث لـ”النهار” إنّ “صاحب المولد الذي يوفر الكهرباء لمنزله في بعبدا لم يلتزم بتسعيرة “الطاقة” منذ بداية الأزمة على الرغم من الشكاوى العديدة التي تقدّم بها الأهالي ضدّه في المنطقة لدى البلدية أو حماية المستهلك، إلّا أنّه محميّ من قبل جهة سياسيّة نافذة في المنطقة الأمر الذي يُعطيه الحق بسرقة الناس وتهديدهم لأنّ “الزعيم بضهرو”، فدائماً كان يرفع كلفة الاشتراك الثابتة وكلفة الكيلوواط أيضاً وما من أحد استطاع لجمه، واليوم أنا مجبر على تسديد الفاتورة بالدولار على أساس سعر صرف 32 ألفاً، حيث بلغت هذا الشهر 310 دولاراً أي 10 ملايين و700 ألف ليرة تقريباً، مقابل اشتراك 10 أمبير”.
حالة أخرى في عجلتون الكسروانيّة، يُخالف فيها صاحب المولد تعليمات وزارتي الاقتصاد والطاقة، إذ قرّر الشهر الماضي أن “يجبي فواتير مقطوعة لمن يُحبّ مقابل 500 دولار شهرياً. يكشف ألفريد بيطار لـ”النهار” أنّ “صاحب المولّد في المنطقة قرّر تشريع فتوى تليق بطموحاته تحت شعار الوضع الراهن كالمعتاد، إذ طرح علينا فكرة إلغاء العدّادات مقابل مبلغ 500 دولار شهرياً (مقطوعة)”، وإمّا تسديد الفاتورة بالدولار لأن “ما بقى توفي معو”، وإلّا فسيضطر إلى قطع الاشتراك عمّن يتعذر عليه الدفع حتّى لو كانت هناك حالة صحيّة أو إنسانيّة في المنزل”.
وبيروت كغيرها من المناطق، كانت لها حصّة وازنة من مافيا المولدات، إذ يتسابق هؤلاء على جباية الفواتير بالدولار بغضّ النظر عن ظروف المشتركين أو مدخولهم الشهريّ.
“بينصبوا علينا على عينك يا تاجر وإذا راجعنا بيقولولنا: نفذ ثمّ اعترض”، هكذا يصف مروان الأشقر تجربته مع صاحب المولد “الجاحد” في جل الديب، الذي أبلغه “بضرورة تسديد الفاتورة قبل العاشر من كلّ شهر، وإلّا فستترتب عليه غرامة مالية بالدولار، لأنّ تسعيرة المازوت تتغيّر بين ساعة وأخرى، وهو غير مضطرّ لتحمّل النفقات”.
ويُضيف: “صاحب المولد أخبرنا أنّه في حال اعتراضنا أو رفضنا لقراره الذي يراه مناسباً في الظروف الحالية، فإنّ الخيار الأمثل هو تركيب طاقة شمسيّة وإلغاء الاشتراك، ويا دار ما دخلك شرّ!”.
تراشق مسؤوليات والنتيجة واحدة: الدفع أو العتمة!
“عملنا اللي علينا والباقي على القضاء وهذه الوزارة…”، كالعادة لا يمكن حصر أيّ مشكلة في لبنان بجهة واحدة فقط، فـ”الحبل جرّار” وكل وزارة ترمي تبعات الأزمة على الأخرى، ليضيع حقّ المواطن بين تراشق المسؤوليات وتقاذف التهم بينما الواقع يُحاكي حقيقة واضحة وموحدة وهي: إمّا الدفع بـ”الفريش دولار أو إطفاء المولدات”، على قاعدة “إنّي خيّرتك فاختاري”!
في سياق متصل، يؤكّد المنسّق الإعلامي لتجمّع أصحاب المولدات الخاصة في لبنان جاد نخلة لـ”النهار” أنّ “هدف الوزارة ليس ملاحقة أصحاب المولدات الذين يتكبّدون أساساً تكاليف باهظة لأنّه لا يوجد قانون يمنعنا من رفع التعرفة أو استيفائها بالدولار، لكن الغاية الأولى تكمن في إيجاد آلية دفع تُرضي المشترك وصاحب الاشتراك أيضاً لفضّ الخلاف ومعالجة الأزمة”.
قانونياً، “لا يوجد أيّ نص أو مسوّغ قانونيّ ينصّ على عدم حق صاحب المولد في تقاضي التسعيرة بالدولار، وهذا ما على المشتركين فهمه بعيداً عن كلّ ما يُتداول إعلامياً أو إلكترونياً، لأنّه يوجد قرار من وزيري الطاقة والاقتصاد طلبا بموجبه منهم اعتماد التعرفة بالليرة اللبنانيّة، وفي النهاية يعود لكلّ صاحب مولد اتخاذ قرار الالتزام أو عدمه ولا يحق للوزارة اتهامه بمخالفة القوانين أو التعدّي على حقوق المشترك، فيما صاحب المولد نفسه مواطن يُسدّد نفقاته بالدولار ولديه التزامات وعائلة أيضاً، فمن المجحف غضّ النظر عن احتياجاته المعيشيّة وإلقاء اللوم عليه في كل صغيرة وكبيرة دون أخذ وضعه في الاعتبار، ولطالما ناشدنا وزير الطاقة وليد فياض تحديد آلية تسعير بإشرف وزارته تُنصف أصحاب المولدات والمواطنين وخاصة أن الدعم رُفع 100 في المئة عن المازوت منذ أشهر عدّة ما يعني أنّنا نشتري هذه المادة بالعملة الخضراء حصرياً وأحياناً من السوق السوداء بسبب انقطاعها أي بمبالغ مضاعفة”، يقول نخلة.
في رسالة مباشرة لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض، شدّد نخلة على ضرورة “التحرّك لإيجاد حل سريع”، وقال: “إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع… فصاحب أيّ مصلحة يهدف إلى كسب الأموال ليضمن بقاءه، كذلك أصحاب المولدات الذين قد يضطرّون إلى إطفاء مولداتهم والذهاب نحو العتمة عوضاً عن الخسارة مقابل اللاشيء”.
“الطاقة” تتحرّك على خطّي الشركات المستوردة وأصحاب المولدات، فماذا عن وزارة الاقتصاد؟
منذ 8 أشهر حتّى اليوم، نسمع عن عمليات دهم عدّة وتسطير مخالفات بحقّ أصحاب مولدات دون أن نشهد محاسبة واحد منهم، فما السبب؟ يشرح الوزير أمين سلام في اتصال مع “النهار” أنّ “ما يطلبه أصحاب المولدات لن يمرّ وغير منطقيّ”، مشدّداً على أنّه “سيقف لهم بالمرصاد وسيتابع القضيّة حتّى النهاية”، داعياً “وزارة الطاقة إلى تحمّل مسؤولياتها ومؤازرة وزارته لمواجهة هذه الأزمة كي لا يُظلم المواطن مرة أخرى ونحن نقف مكتوفي الأيدي”.
على صعيد التسعيرة بـ”الفريش” دولار والتهديدات بقطع الاشتراك، طلب سلام عبر “النهار” من المواطنين “تقديم بلاغ لدى الوزارة عبر الاتصال بالخط الساخن الموضوع في الخدمة 247، أو بحماية المستهلك للتحرّك واتخاذ التدابير اللازمة وعدم السكوت لكي تتمكن الوزارة من ملاحقة كل مخالف”.
ويُشير سلام إلى أنّه “قام منذ الصباح بجولة على عدد من أصحاب المولدات في مختلف المناطق للتأكّد من التزامهم بالتسعيرة بالليرة اللبنانية وبتركيب العدّادات، حيث سُطّرت محاضر ضبط مختلفة بحقّ بعضهم لأننا قلنا وسنكرّر إننا لن نقبل بأن يكون المواطن فريسة لبعض مستغلّي الأزمة بالتلاعب به أو سرقته والوقوف دون فعل أيّ شيء، مع العلم بأن مجهود وزارتي وحدها ليس كافياً، إذ لا بدّ من أن تتحمّل وزارة الطاقة أيضاً مسؤولياتها كما القضاء، لأنّه في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد تسطير المحاضر أو مصادرة المولدات فإن جهودنا تذهب سدى”. ويُتابع ممازحاً: “لا يمكننا العمل عن غيرنا، فحدودنا تقف عند المراقبة والمحاسبة أمّا التطبيق فليس ضمن اختصاصنا وإلّا كنّا تحرّكنا”.
التعليقات